قصص تليجرام

الأفعى و المجنون جزء2

 


الشك


لكن الظن لم يتركني!..بل ظل يعبث برأسى..كأنه كتكوتاً ينقر بيضة..حتى رأيته خارجاً من باب بيتى!

تجمدت مكانى من هول الصدمة..زميلى ممدوح يهرول مبتعداً..بينما توقفت مكانى كالمشلول!  

و ما أن استعدت قدرتى على الحركة،حتى هرعت اقرع الباب كالمجنون..و ما أن فُتح الباب حتى ركلته بعنف،فأنفتح على مصراعيه،و وقعت"فرح"باكية خلف الباب..جاءت أمها مذعورة تسأل ما الخطب..فقابلتها بصفعة قوية على و جهها..ثم جررتها من شعرها تحت الحجاب،و ضربت الحائط برأسها،و هى تصرخ و تبكى..قبل أن أنهال عليها لكماً و ركلاً،و هى تصرخ و تستغيث..صحت فيها غاضباً،و هى تتلوى من الألم تحت قدمى:

- ماذا كان يفعل هنا؟!

سألت فى ذعر:

- من؟!

صحت فى غل ضارباً وجهها بالأرض:

- من؟.."ممدوح"ماذا كان يفعل فى بيتى؟!

- لم يفعل..أقسم بالله العظيم كان يريدك..أقسم أنه لم يخطو خطوة داخل البيت..لقد كلمته من وراء الباب!

وقفت أنظر لها و للبنات الصارخات فى غباء..و استعدت منظر"ممدوح"و هو يجرى مبتعداً..سألتها فى غلظة:

- و لماذا كان يجرى؟!و ماذا كان يريد؟

أجابت و هى تشهق بالبكاء:

- قال أن لديكم حملة أزالة،و يبدو أن الضابط أرسله ليستدعيك!

***

قال المحقق مبتسماً فى إنتصار:

- كنت مخطئاً أذن!

- هذا ما ظننته وقتها..خاصة حين جاءت فى المساء،بوجهها المتورم،و البنت الصغرى متعلقة برقبتها..قالت و الدموع فى عينيها .. إنه ليس لديها أبوين لتذهب إليهما،و لا تريد أن تضايق خالها بمشاكلها..و أنها ستسامحنى من أجل "العشرة" و البنات الصغيرات..

الغريب أن منظر وجهها المتورم بدا فاتناً ..كأنما أضفت عليه الكدمات سحراً لا يقاوم!

هذا الكلام -لم أقله للمحقق-إنما أقوله لك أنت خصوصاً!

الحق أننى صرت أضربها كثيراً..حتى أننى لم أعد أنام معها قبل أن أشبعها ضرباً!

حتى فوجئت بخالها يزورنى فى مقر عملى..لامنى على سوء معاملتى للجوهرة التى أهدانى أياها-هكذا قال-بعد أن فاض بها الكيل و أشتكت له من ضربى المتكرر لها.

بثثت له شكوكى فى سلوكها..فأحمر وجهه حتى صار بلون الطماطم،و نعتنى بالمجنون..ثم ذهب لبيتى و أخذ بنت أخته المصون هى و بناتها الثلاثة..و ما كنت أظنه سيجرؤ على هذا الفعل!

أرى فى عينيك-أنت الآخر- نفس نظرة المحقق..أنا لست مجنوناً يا سيدى الطبيب!..

لقد كنت مجنوناً حين ذهبت إلى دار خالها لأستعيدها..ربما لو طلقتها -فى ذلك الحين-لأنتهى الأمر دون دماء..

لكن ما أن وجدت نفسى وحدى فى البيت الخالى حتى غمرنى الندم..أغرقت نفسى فى تعاطى الحبوب المخدرة..و بدأت أرتاد المساجد لأول مرة منذ ولدت..و شعرت بسكينة لم أعهدها فى نفسى من قبل..و وقع فى روعي أننى من أولياء الله الصالحين!

فقد جعلنى المخدر أشعر بأننى أكلم الله دون حجاب..هل جربت أن تصلى و أنت واقع تحت تأثير المخدر؟

لا يمكننى أن أصف لك هذا الشعور..لن تعرفه -أبداً-ما لم تجرب بنفسك!

و فى الليل كنت أسهر مع صديقى الجديد"شعبان" الأحمر-مرشد-ندخن الأفيون الذى لم أكن قد تعاطينه من قبل-أحياناً-..أو الحشيش غالبية الأوقات-لعدم توفر الأفيون-..وبين هذا و ذاك لم أكف عن طرق باب خالها ليلاً أو نهاراً..أطلب منه أن يعد لى زوجتى بتوسل فيرفض..

ثم أعود لأهدده بحبس أولاده و قتله..لكنه لم يلين!

يتكرر الأمر كل يوم دون جدوى..حتى نصحتنى أختى أن أصلى ،و أغير سلوكى-ربما أقتنع الخال-بترك ابنة أخته تعود لمنزلى..

أخذت بنصيحتها،و بدأت أصلى الظهر و العصر فى المسجد الذى يصلى فيه خالها..لمدة شهرين أقتنع فيهما أننى قد تغيرت ..و أخيراً وافق على عودتها..-فيما بعد-أخبرتنى أنها كانت تريد العودة، منذ أول محاولة للصلح مني..لكن خالها منعها!

يوم عودتها أخذنى"شعبان" لنحتفل..و عدنا نسهر معاً-بعد إنقطاع-كل ليلة..ندخن الحشيش..لكننى - أقسم لك -يا سيدى الطبيب..لم أعد 

أتعاطى أى نوع من الحبوب..أقول لك هذا لتتأكد فقط أننى رأيت ما رأيت حقاً..و أننى لا أتخيل أو أهلوس..

***

عدت من العمل مبكراً فى ذلك اليوم الأغبر..خلعت الحذاء بجوار الفراش كالعادة.. أزحته بقدمى تحت الفراش..لكنه لم يدخل!

حاولت دفعه بقوة أكبر ليدخل دون جدوى..كأنما أصطدم بشي ثقيل تحت السرير!

ركعت على ركبتى لأرى ما يعيقه..فوجدت رجلاً أشقراً ينام تحت الفراش!

تحسست وجهه و شاربه،و شعره الأشقر المجعد فى حيرة..ضربته فى جنبه سيف يد،فلم يتحرك!

جريت كالملدوغ إلى المطبخ،و أمسكتها بيدها و جررتها جراً إلى غرفة النوم،و هى تسأل بدهشة:

- مالك يا رجل؟!

- أنظرى تحت السرير.رفعت الملاءة بيد،وباليد الأخرى دفعتها لتجلس على ركبتيها قسراً!

سألت متعجة:

- ماذا يوجد تحت السرير؟..أنا لا أرى شيئاً غريباً!

نظرت مذهولاً إلى المكان الخالى ..لم يعد الرجل موجوداً!..متى استيقظ و رحل؟!..منذ قليل كان يبدو و كأنه لن يقوم سوى يوم البعث!

- ماذا يوجد تحت السرير يا"فاروق"؟!أفقت على سؤالها المُعاد،أنتفضت مذهولاً..وصحت:

- الفأر..كان هناك فأراً ضخماً تحت السرير!

- و لماذا لم تقتله؟!..هل ظننت أنه سينظر عودتك ؟!

قالتها،و انصرفت..و صدى كلماتها يتردد فى أذني..

***

فى الأيام التالية صرت استأذن من عملى مبكراً كل يومين أو ثلاثة..أعود إلى المنزل ، و أدخل على أطراف أصابعي..أحيانا أستطيع المغادرة دون أن تلاحظ عودتي ..و أحيانا أخرى تفاجئ بى أمامها فترتبك..لكن فى جميع الأحوال لم أجد عنها أحد!

لكن كل هذا الجهد لابد أن يسفر عن شئ فى النهاية..

كان ذلك يوم أربعاء و الحر شديد فى المكتب..استئذنت فى الانصراف من"أيمن"بك رئيس مباحث القسم..عدت للمنزل و تسللت كالعادة إلى غرفة النوم..فلم أجد ما يريب..كدت أن أعود إلى القسم،عندما سمعت صوت خرير المياه في الحمام!

اقتربت و نظرت من فتحة فى زجاج الباب العلوى المكسور-كنت كسرته فى مشاجرة مع "حورية" -فرأيت رجلاً ضخماً،و مشعر الجسد كالغوريلا!

فتحت الباب و دخلت..لم أدع له فرصة للدهشة و التساؤل..فقد هجمت عليه مباشرة لأضربه..لكنه تنحى عن طريقى بخفة لا تتناسب مع ضخامة حجمه..فانزلقت على السيراميك متأثرا بقوة الأندفاع،و سقطت على الأرضية المبتلة..ركلته فى ساقه القوية،فلم يسقط أو يهتز!

أمسك بى و رفعنى من ثيابى.. و كال لكمة مؤلمة فى فكى..ثم خبط رأسي بالحائط ،فاظلمت الدنيا بغتة أمام عيني..

عندما استعدت وعيي وجدت نفسي في فراشي ارتدى ثيابا جافة!

"لا أعرف ماذا حدث..لقد كنت فوق السطح أطعم الدجاج!"كانت هذه"حورية"الباكية تحكى لإحدى الجارات

- عندما نزلت..وجدته فاقد الوعى على أرضية الحمام،و الماء ينزل من الدش فوقه و هو مرتدياً ثيابه!

كانت تتقمص دور الزوجة الملهوفة على زوجها ببراعة..حتى إننى كدت أصدقها! 

لولا أننى رأيت بأم عينى دليل خيانتها..لكننى أثرت الصمت..!

حتى عندما سألني الجيران عما حدث. .قلت لهم إننى اصبت بهبوط مفاجئ،و فقدت الوعى..فليس فى يدى دليل و لا اريد ان يظن الناس بعقلى الظنون! 

*** 

فى اليوم التالى فوجئت بأن"أيمن"باشا يريدني فى مكتبه..ذهبت إليه فبادرنى بالصياح سائلاً فى سخط:

- أين كنت بالأمس يا"زفت"؟!

لم أفهم سبب غضبه..كنت قد استئذنته فى الانصراف مبكراً.. و قد أذن لى..فلماذا يصرخ في وجهي الآن؟! 

 و من كلامه فهمت أنه بحث عني فلم يجدني..ذكرته بما كان منه بالأمس، و أنه قد أذن لى بالانصراف حين استأذنته..

فصاح فى غيظ:

- أنا لم أرك بالأمس أصلا أيها الحشاش!..منذ مدة و مستواك فى تراجع مستمر..و انا اتغاضى عنك من أجل العشرة..لكن أقسم بالله لو لم تعد لسابق عهدك سيكون تسريحك من الخدمة على يدى!

انصرفت من مكتبه شاعرا بالغبن..لم أتوقع هكذا إهانة و من من؟!

من "أيمن"باشا الذى لم اعص له أمرا أبداً..أحضر هذا ..حاضر

أضرب هذا..حاضر!

حتى إننى علقت له"شعبان"الاحمر-قبل أن يصبح صديقي-من قدميه ستة عشرة ساعة كالذبيحة،حين أمر..و حتى الآن لو أتاني الأمر،بتعليقه و ضربه لما ترددت عن التنفيذ!

و بينما كنت عائدا إلى المنزل معتكر المزاج،لدرجة أنه لو وضع أحدهم سيجارة أمام وجهي لاشتعلت دون كبريت..

قابلت"حواء" لأول مرة...

يتبع

  الأفعى و المجنون3

قصص تليجرام