قصص تليجرام

غلطة عمرى(كاملة)

الجزء1 الضحايا


نظرت"سمية"من الشرفة،ثم قالت لأمها بضيق:

- ها قد تأخر مجدداً..ربما لن يأت هذه المرة!

تنهدت أمها فى تعب و قالت محاولة تهدئتها:

- الغائب حجته معه يا ابنتى!

تمتمت"سمية"من بين أسنانها فى غل:

- إنه دائماً هكذا،لا يبالى بأحد! ما ذنب الولد حتى يكسر خاطره يوم العيد..بعد أن وعده بالذهاب إلى الملاهى؟!

أنعقد حاجبي أمها فى تأثر،و سألت:

- هل مازال يبكى فى غرفته؟!

حركت"سمية" رأسها يميناً،و يساراً فيما يشبه النواح

- لقد تقطع قلبه من شدة البكاء!

دق الباب فى نفس اللحظة..جرت"سمية"لتفتح،و هى تقول فى غضب:

- لما هذا الاستعجال يا بك ؟!ألم تقل أنك....؟

و صمتت محرجة عندما لاحظت أن القادم ليس طليقها..غمغمت معتذرة ،و قد أحمر وجهها خجلاً:

- معذرة يا"عثمان"لقد ظننتك"ياسر"..فهو قد وعد"مروان"أن يتنزها معاً أول أيام العيد..لكنه أخلف وعده مجددا!

لم يرد"عثمان"فوراً،و هو يحدق في شيء ما خلف"سمية"التى ألتفتت لترى ألما يحدق بهذه الطريقة..فوجدته ينظر إلى أبنها "مروان"ذى الثمانية أعوام،الواقف أمام باب غرفته-بثياب العيد-يمسح دموعه بأصابعه..قد ظن هو الآخر أن القادم أبوه..لكنه عاد إلى غرفته،باكياً بصوت مسموع عندما لم يجده!

هتفت"سمية"في غيظ:

- أرأيت ؟!..ألا يمكن لهذا الرجل أن يفعل شيئا جيداً-ولو لمرة واحدة-فى حياته كلها؟!

و انتبهت فجأة أنها تركت"عثمان"ابن خالتها واقفا على الباب..فقالت فى حرج و هى تفسح له المجال ليدخل:

- تفضل بالدخول يا"عثمان"..

- آسفة..أنت ترى ..حالة"مروان"تصيبنى بالارتباك و الحزن!

دلف إلى الداخل ،و هو يرد بحرج مماثل:

- لا عليك يا أختى..كل عام وانت بخير!

-كيف حالك يا خالتى..كل عام وأنتم بألف خير !

ردت أم"سمية"و هى تربت على كتفه السرور:

- و أنتم بخير يا ولدى..كيف حال"زينب"أختى؟و كيف حال اخوتك؟

رد"عثمان"مبتسماً:

- أنهم جميعاً بخير حال..و سيأتوا لزيارتكم بعد قليل!

-أهلاً و سهلاً بك و بهم فى أى وقت!

ناولها شنطة بلاستيكية بيضاء،و أضاف و هو ينظر ناحية"سمية"الواقفة بالشرفة:

- هذا نصيبكم من أضحية هذا العام!

- بارك الله بك و بهم يا بنى.. 

سأل"عثمان"بصوت خفيض:

- ألم يأن الأوان بعد؟..أننى مازلت أنتظر!

تنهدت الأم فى أسف:

- ليت هذا يحدث اليوم قبل غداً يا ولدى..أنا أساساً لا أعرف أين كانت عيناها حين تزوجت ذلك الأحمق؟!لكن كلما حدثتها بموضوع الزواج تحججت بحضانة"مروان"!

رد"عثمان"بسرعة:

- لقد سألت محام،و أخبرنى أن حضانة"مروان" من حق جدته أم والدته-أى أنت-فى حال تزوجت والدته.

- سأتحدث إليها،و ربنا يقدم ما فيه الخير!

كان هذا عندما دخلت"سمية"من الشرفة مضطربة الملامح،فظناها سمعت حديثهما عنها!

 و قبل أن يسألها أحدهم عن سر الإضطراب البادى على وجهها،تطوعت هى بالأجابة:

- لقد جاء"ياسر"!

***************

هرعت"سمية"لتفتح الباب لطليقها..ثم توقفت دقيقة لتساوى هندامها متضايقة-لأن ليس معها مرآة- قبل أن تفتح الباب،و تراه واقفاً أمامها!

ترى هل لاحظ لهفتها الزائدة؟..و دق قلبها بعنف عندما فطنت لأنها فتحت مع أول دقة على الباب

"أين كنت؟!"هتفت بغضب :

- ألم تعد أبنك أنك ستحضر لتأخذه فى الثامنة صباحاً..إنها الآن الحادية عشر!

أسبل جفنيه على السيجارة التى تتدلى من ركن فمه،و خطى إلى داخل الشقة و هو يسأل فى سخرية:

- أبنى!..أين هو؟!

- بابا! هتف"مروان"فى فرح،و هو يجرى ليطوق خصر أبيه بكلتا ذراعيه محتضناً أياه فى لهفة..بينما رماهم"ياسر"بنظرة مستهزئة..سأله"عثمان"فى سخط:

- ألا تظن أنه يجب عليك أن تحترم وعودك أكثر من هذا مع السيدة التى كانت زوجتك و أمها؟!

نظرت له"سمية"بغضب،فى حين رفع"ياسر"حاجبه متظاهراً بالدهشة ..سأل ساخراً:

- و هل عينوك محام لهما؟!

أنعقد حاجبا"عثمان"فى غضب،و قبل أن يسعفه ذهنه برد مناسب،أمسك"مروان"بملابس أبيه و أخذ يهز ذراعه و هو يقول متعجلاً الذهاب:

- هيا يا بابا!..ألن تأخذنى إلى الملاهى كما وعدتنى؟!

سحب"ياسر"نفساً عميقاً من سيجارته،و هو ينظر فى عينى"عثمان"بتحد..قبل أن يمسك بكف"مروان"قائلاً بسخرية:

- هيا يا"مروان"..هيا يا بنى!

نطق كلمته الأخيرة و هو يلوى فمه بسخرية أنعقد لها حاجبي"سمية"جميلان بضيق لتلميحه السخيف ،قبل أن تلوح بيدها  فى عصبية أمام وجهها كأنها تختنق من دخان سيجارة"ياسر"الذى طلبت إليه مراراً ألا يدخن أمام"مروان"- دون جدوى-و هتفت فى عصبية و غضب  شديدين:

- حاول أن تكون أكثر مسئولية،و تعيد الولد فى موعده هذه المرة..لقد جننت هلعاً حين تأخرتما أخر مرة!

تمتم بصوت خفيض،و السيجارة مازالت تتدلى من فمه:

- بل أنت مجنونة من الأساس!

سمعت ما قال،فصرخت مستنكرة:

- ماذا قلت؟!

تجاهل غضبها ،و رد  ساخراً و هو يمضغ طرف السيجارة:

- سأحاول!


 * يتبع*


الجزء2 فكرة مجنونة

"ماذا هناك؟..لماذا تنظر إليّ هكذا؟!سأل"ياسر"فى ضيق،حين لاحظ "مروان"الذى ينظر له في تركيز و هو يشعل سيجارة جديدة..فأجابه"مروان"ببساطة:

- لأننى أحبك يا بابا! ..ثم أضاف فى حماس:

- أريد أن أفعل كل شئ تفعله! حتى إننى-حين أكبر-سأشرب سجائر مثلك..رغم أن ماما تقول أن من يشرب سجائر شخص سيئ!

رد أبوه فى تهكم:

- أعرف رأى أمك فى كل أ أفعل!

- هل ستعود لتعيش معنا يا بابا؟

صمت"ياسر"يفكر فى"عثمان"و"سمية"فقد خلى لهما الطريق كى يتزوجا منذ سنوات..لكنهما لم يفعلا!

سحب نفساً عميقاً من سيجارته،و فكر فى أنهما-ربما- لا يحتاجان إلى عقد زواج!

فمن الواضح أنه يزورها دائماً..و إن كانت قد خانته و هى فى بيته..فما بالها ،و هى فى بيت تلك العجوز الفاسقة!

لابد أنه ينام معها بعلم أمها..يالهما من ساقطتين!

- بابا!

- أممم..!

- لم ترد عليّ..أريد أن نكون معاً..أنا و أنت و ماما!

تطلع "ياسر" لوجه"مروان"البرئ بدهشة..من قال أن"مروان يشبهه أحمق كبير..فهولم يكن يشبهه فى أى شئ!

كان يشبه أمه فى كل شئ..بل و يشبه ذلك اللعين "عثمان"بعض الشبه أيضاً!

- هل تحبه؟

سأل الطفل:

- من؟!

- ذلك الرجل"عثمان"؟

فكر الولد قليلاً،ثم أجاب فى حسم:

- لا!

نظر له"ياسر"فى دهشة،و سأل فى إستغراب:

- و لماذا لا تحبه؟!

- لا أعرف..هو لم يفعل لي شيئاً..لكنى لا أرتاح لوجوده!

رنت كلمة"وجوده"داخل رأس"ياسر" كرنة جرس  نحاس كبير..حتى الولد الصغير لاحظ، أن ثمة ما يريب بشأن هذا"العثمان"!

ترى ماذا فعل هذان الخنزيرين أمام الولد؟!

- بابا أنا جائع!!

سأله فى ضيق :

- ألم تطعمك أمك ؟ 

احمرت وجنتي"مروان" خجلاً و قال:

- لقد حاولت أن تطعمنى مراراً..لكنني قلت لها أننى أريد أن أفطر معك......اليوم أول أيام العيد...

كان الوقت قد صار ظهراً،وشعر"ياسر" ببعض الشفقة على الصبى الذى نظر إليه و قد التمع بريق حلواً فى عينيه..ثم تحولت شفقته إلى غصة مؤلمة فى حلقه..فقد شعر أن إمرأة خائنة مثل طليقته لا تستحق أن يكون لديها طفلاً مثل"مروان"!

تنحنح لينظف حلقه،ثم قال ل"مروان":

-انتظرنى هنا..سأذهب لأحضر شيئا نأكله.

- حاضر

اتجه"ياسر"إلى محل قريب يبيع الشطائر..مشى بضع خطوات ثم ألتفت ينظر إلى حيث جلس "مروان"..لا يعرف لما فعل هذا!..و تمنى من أعماق قلبه أن يعود فلا يجده..كأن يخطفه شخصا ما ،أو تدهمه سيارة مسرعة!

******************

بعد قليل عاد"ياسر" يحمل كيساً مملؤاً بشطائر الكبدة و السجق..سأل"مروان"، و هو يناوله علبة عصير:

-أنت تفضل عصير التفاح؟..أليس كذلك ؟

فتح"مروان"العلبة،و رشف رشفة كبيرة من الماصة،قائلا:

- أجل ..شكراً يا بابا..أحبه كثيرا!

فتح"ياسر" الكيس بينهما،و ناوله شطيرة التهمها بسرعة،فضحك"ياسر"في عجب:

- على مهل..ستختنق هكذا!

رشف"مروان"رشفة أخرى، قبل أن يقول:

- إننى جائع جدا!

- واضح!

- أتعرف يا بابا؟ ماما  مازالت تحبك!

تبسّم"ياسر"في سخرية متشككة:

هى أخبرتك بذلك؟!

ثم ناوله شطيرة أخرى،و هو يهز رأسه فى أسى:

- كل قبل أن تبرد الشطائر.

سأل"مروان"بفم مليئ بالطعام:

- و أنت يا بابا ألن  تأكل؟!

نفث"ياسر"الدخان من أنفه ببطء،قبل أن يرد بلهجة متأسية:

- أكلت كثيراً زمان!

لم يفهم الطفل ما يعنيه..لكنه قال بمرح:

- لذيذة جداً هذه الشطائر!

واصل "ياسر"نفث الدخان ،و قد شرد مفكراً فى  أنه-حتما-هناك سراً  يجعل الوجبة الأخيرة ذات مذاق رائع دائماً!

و سرت قشعريرة باردة كالثلج  فى ظهره!..هل ما يقوم به الآن هو الشئ الصحيح فعلاً؟!

صرخ  صوت بداخله:

- لقد قطعت نصف الطريق..لا تتراجع الآن!

نظر إلى الطفل الباسم و أزداد غماً..ما ذنبه فيما جنت أمه؟!

عاد الصوت يصيح به:

- يجب أن تدفع أمه الثمن!..و كما ظللت تتعذب و أنت تراه يكبر أمامك، يجب أن تأخذه منها حتى تتعذب و هى لا تعلم أين هو!

و فجأة سقط الصبى نائماً..بهذه السرعة!

لقد كان المنوم قوياً حقاً-كما قال-الصيدلانى!

و فجأة تذكر رحلة الملاهى التى وعده بها،و أقشعر جلده!..ليته أخذه إلى الملاهى أولاً!

تحسس وجه الصبى النائم بيد ترتجف..لقد أحب الشطائر..ربما من الأفضل أن  يأخذها معه!

ربط الكيس ثم أنحنى ليحمل الطفل النائم،قبل أن يمضى فى طريقه!


* يتبع*

الجزء3غرفة الفئران!

حاولت"سمية"النوم ساعة القيلولة-و قد كانت معتادة عليها-فلم تستطع..و ظلت تتقلب فى فراشها بقلق!

و قد شغلها هاجس غامض بشأن -خروجة-"مروان"وأبيه..كانت فى العادة تقلق من تأليب"ياسر"ل"مروان"عليها..إذ لم تكن تعرف ماذا كان يقول له بالضبط..فيعود الولد ليلومها على بعد أبيه عنه،و أنها السبب فى الطلاق..حتى إنه صار يغضب و يصرخ و يحطم ألعابه-تماماً مثل أبيه-لدرجة أنها صارت خائفة منه!

حتى أن أمها كانت تقول لها فى لوم-أمام الولد-:

- هذا هو الذى رفضت الزواج من أجله..لقد صار مثل أبيه!

و كم ضايقتها ملاحظة أمها!..فحتى لو كانت تشعر-سمية- بنفس الشعور الذى وصل أمها..لم يكن التصريح بهذا الكلام مناسب-خاصة-أمام"مروان"فمن جهة سيظنها تريد الزواج،و من جهة أخرى سيشعر أكثر بقربه من أبيه،و أنه يشبهه..و كان هذا أخر ما تريده"سمية"..ف"مروان"بحاجة لقدوة-مثل باقى الأطفال-و أبيه لا يصلح قدوة للأسف!

لكن لم يكن هذا فقط ما يقلقها أو يشغل بالها فى هذه اللحظة.. فقد كانت تشعر أن "مروان"في خطر كبير!

ولم تدر لماذا سيطر عليها هذا الهاجس..و خطر لها أن "مروان"محبوس في مكان مظلم!

ربما خطفه"ياسر"كما كانت تخشى منذ مدة.. ربما هو الآن في حجرة السطح التي عاشت فيها حين تزوجت "ياسر".. الآن هي مجرد خرابة مهجورة.. حيث ورث شقة أبيه -الايجار القديم-بعد أن توفي أبوه - سامحه الله - ذلك الذي استقبلهما على السلم يوم زواجها ببصقة!

وقتها لم تدر ماذا تفعل -وهى التى هربت-مع "ياسر"ليتزوجا،سوى أن تصعد إلى حجرة السطح التي ظنت يومها أنها ستكون عشهما السعيد.. بينما أبوه يلاحقها بالسباب:

- كلبة!..أنت الكلبة التى تليق فعلاً بهذا الكلب!

ليتنى لم أتزوج أبنك!..كان موتى و دخولي القبر أفضل من دخول بيتكم.

قامت لتنظر في الساعة،فوجدتها الواحدة و النصف..هذا يعني أنه لم يمر سوى نحو ساعتين منذ غادرا المنزل!

كيف ستصبر على الإنتظار حتى يعودا بعد المغرب إذن؟!

ثم عادت تطمئن نفسها بأن قلقها هذا مبالغ فيه..ف"ياسر"لن يؤذي أبنه حتماً!

لكن هذا لو أقتنع أنه ابنه من الأساس!..أليس هو من صرح لها-و لغيرها- أنه يظن أن "مروان"ليس ابنه؟! ماذا لو عادت إليه تلك الظنون الغريبة؟لقد كان يلمح للأمر بطريقته الإستفزازية قبل خروجهما بالفعل..ليتها منعت"مروان"من الخروج معه بدلاً من هذا القلق!

و فى قرارة نفسها أعترفت أنها ما كانت ستقدر على منعه لو حاولت..لكن ليس لديها الآن سوى الندم و الهلع المجنون!

و تمنت فى قرارة نفسها أن يكون صاحب العمارة قد استرد غرفة السطح من"ياسر"..تلك الغرفة التى شهدت أسوء سنة عاشتها فى عمرها كله..

سنة!..و أندهشت"سمية"حين فطنت أن مدة زواجها لم تتجاوز السنة..

لقد ظنتها أكثر!..كيف لا وهى لم تر خلال هذه السنة الغابرة سوى الذل و المهانة ..فقد كان"ياسر"-الذى فضلته على أهلها- يضربها كل يوم-قبل الحمل-و يلومها على كل فشل أو إخفاق فى حياته..حتى علاقته المدمرة بأبيه كان يحملها وزرها!

حتى الحمل الذى ظنته - يوم ما - الحل السحرى الذى سينقذ زواجها..كان السبب فى الطلاق!

و سألت نفسها فى دهشة..لقد كان سعيداً للغاية فى بداية الحمل-كأن-ذلك الطفل سيولد و معه كيساً مملؤاً بالجنيهات الذهبية!

لكن بعدها بأشهر عاد ذات يوم يضربها بكل وحشية، و هو يتهمها بالحمل سفاحاً من غيره!

فقدت وعيها - ذلك اليوم - من شدة الضرب..و لم تدر بنفسها إلا و هى فى شقة والده..و والدته تحاول إسعافها..بعدها بأيام ولدت"مروان"مبكراً- فى الشهر السابع -فى منزل جده - أبى ياسر- حيث قامت أمه بتوليدها بنفسها حين فاجأها المخاض!

و بالطبع ما أن حملتها قدميها،حتى تركت بيت أبيه،و عادت إلى بيت أبيها..تحمل"مروان"يكاد نفسها ينقطع من شدة الوهن!

فأشفق أبيها عليها-بسنواتها التسعة عشر و رضيعها الخادج الذى يزن أقل من كيلوجرامين..لم يطردها - كما زعم - من قبل..و رعاها -هو و أمها-حتى أستردت عافيتها..و تولى معركتها القانونية فى طلب الطلاق..و لم يصدق الوغد"ياسر"حين حلف بأغلظ الأيمان-فى المحكمة-بأن "مروان"ليس أبنه ..لأنه عقيماً لا ينجب!

بل أنه -الكاذب- قدم شهادة طبية تدعى بأن فرصته فى إنجاب طفل لا تتعدى نسبة العشرة بالمائة!

لكن المحكمة ألزمته بالطلاق و النفقة مائة و خمسين جنيه لم يدفع منهم مليم منذ أول شهرين دفعهما..و هى لم تعد تريد منه شئ..

معاش أبيها يكفيها،فقط لو تركها -و أبنها-فى حالهما!

نظرت فى الساعة فوجدت نصف ساعة أخرى- بالكاد -مرت ..أتصلت ب"ياسر"و هى تدعو الله أن يرد لكن كان هاتفه مغلقاً كالعادة..

لا مفر إذاً من الإنتظار!

********************

أستيقظ؟"مروان"يحرق جوفه الظمأ..فتح عينيه ببطء ،و أصابه الهلع حين وجد نفسه فى مكان شديد الظلمة..حتى أنه جاهد لألتقاط النفس..فقد كان الظلام يصيبه بالإختناق.. بالإضافة لرائحة العطن القوية التى كادت تزهق روحه!

- أين أنا؟!تسأل داخل نفسه بخوف شديد..فقد كان يظن نفسه فى غرفة الفئران التى تخوفه بها أبلة"عطيات"مدرسته فى المدرسة !

تقلصت أمعائه فى رعب،و أحس بثقل فى معدته..لابد أنه أخطئ بشئ ما حتى يحبسه أبوه فى غرفة الفئران الرهيبة تلك..

لكنه لا يذكر أنه فعل شيئاً خاطئاً!

كل ما يذكره أنه كان يأكل و يشرب العصير..و كان سعيداً جداً!

و ظل يعصر ذهنه عن سبب غضب أبيه منه فلم يجد!

ثم خطر له أن أبيه يلعب معه لعبة ما- ليمزح معه- لابد أنه مختبئ فى مكان ما ليرقب ماذا سيفعل إذن يجب ألا يخاف!

ربما كان أبوه يختبر شجاعته بهذه الطريقة!

- أنا أعرف أنك هنا..و أنا لست خائفاً على فكرة!

قالها"مروان"متظاهراً بالشجاعة-و قد ظن أن أبيه سيخرج من مكمنه..ليحتضنه معجباً بشجاعته..لكنه لم يفعل!

نادى"مروان" بصوت راجف:

- بابا..يا بابا أخرج لقد بدأت أخاف!

مضت دقائق لم يصدر فيها حس و لا حركة من حوله..فصاح منزعجاً :

- بابا أخرجنى من هنا أرجوك!

جرى على قدمه فأر ضخم افزعه صراخه.. فأطلق صرخة بدوره و سقط على الأرض..و جاءت سقطته على كومة من الحجارة..غالب"مروان"ألمه،و وضع يده على الأرض ليقوم.. عندما شعر بملمس فقرات عظمية كسلسلة ظهر الخروف حين تجف!

و دق قلبه بعنف.. هل الفئران هى التى التهمت ذلك الخروف على هذا النحو؟!

أسند يده على الأرض ..فلامس بطن كفه صخرة ناعمة..ما أن أستند عليها حتى سمع صوتها تنشرخ!

تفحصها بدهشة فوجد بها ثقبان واسعان.. و ثقب صغير بينهم!

و أرتعد بدنه حين وجد ثلاثة من أصابعه بين صفين من الأسنان البشرية!


*يتبع*



الجزء4 مخطوف!

تجاوز الوقت المغرب دون أن يعود"ياسر"أو يتصل..أو حتى يفتح هاتفه!

وصارت"سمية"متأكدة من أن"ياسر"خطف "مروان"و أخفاه..كانت "سمية" تتصل بطليقها للمرة الخمسين،و هى ترذع  الصالة جيئة و ذهاب فى توتر و قلق ،بينما تحاول أمها تهدئتها:

- يا ابنتى الغائب حجته معه..كما أنها عادته و لن يشتريها!

من متى و هو يعيد"مروان"في الموعد المتفق عليه؟!

- قلبى يحدثني بأن هذه المرة مختلفة!هتفت"سمية"بضيق بينما كانت تسمع الرسالة المسجلة

- الهاتف الذى طلبته قد يكون مغلقا.....ضغطت زر إعادة الإتصال...بينما سألت أمها:

- هل تظنى أن... ؟

أشارت"سمية"بيدها،و هى تقول فى لهفة:

- انتظرى يا أمى..الهاتف يرن...

رد طليقها على الهاتف ، فبادرته بالصراخ مهددة:

-أين"مروان"يا"ياسر"؟أين اخفيت ابنى؟..قسماً بالله لن ترى منى خيراً...

فقال لها متظاهرا بالدهشة:

- أنت تتصلين بى لتسألى عن"مروان"؟!..لقد أوصلته إليك منذ نحو ساعة!

-كاذب!صرخت"سمية"،قبل أن تضيف فى ثورة:

- إنه معك!..لقد خطفته أيها الكاذب الفاشل..و سأبلغ عنك الشرطة! 

هتفت أمها:

- انتظرى يا "سمية"..دعيني أكلمه!..

رد"ياسر"ببرود:

- أفعلى ما يحلو لك!..لكنني لم أخطف"مروان"..و هو ليس عندى!

هتفت أمها تحاول محادثة"ياسر":

- يا ابنى حرام عليك !..أعد الولد إلى أمه..إنه أبنك فى النهاية و أنت هكذا تؤذيه!

هتفت"سمية" بنفاذ صبر :

-أنتظرى يا أمى!ثم أضافت تحدث "ياسر"

- تحلف على هذا؟!

قال"ياسر" بضيق:

- و الله ليس عندى!..

أرتبكت"سمية"و لم تدر ماذا تقول أو تفعل..و لم يدم ترددها أكثر من بضع لحظات ،حتى فوجئت ب"ياسر"يغلق الخط فى وجهها!

أتسعت عينا"سمية"و قد تجمدت مكانها من شدة الصدمة و الذهول..حتى أنها لم تسمع أمها و هى تسألها فى لهفة:

- ها..ماذا قال لك"ياسر"؟..بماذا أخبرك يا"سمية"؟!

لم ترد"سمية"فأمسكت أمها بكلتا ذراعيها و هزتها ،و هى تصيح بدهشة:

- لماذا تقفين جامدة هكذا؟!..أين ذهب "مروان"؟!

أنتبهت"سمية"كأنما أستفاقت من إغماءة،و جرت دمعة من عينها اليمنى،قبل أن تصيح متألمة،و هى تضع يدها على قلبها الذى أنشق بألم لا يطاق!

-ضاع!..لقد ضيع"ياسر"أبنى!

و أظلمت الدنيا بغتة أمام عينيها

***************************
أنتبه عم "يعقوب"على صوت صرخة بعيدة..جعلت قلبه يرتجف،فبرغم سنوات عمله الطويلة كلحاد-وقد رأى الكثير-من الموتى و أحوالهم العجيبة..روعته تلك الصرخة التى ظنها صرخة طفل!

قام لينظر ما الخبر، و قد غربت الشمس منذ نحو ساعة..نزل  من فوق سريره الضيق،ليرتدى خفه،و يحمل مصباح الغاز-الكلوب-و ذهب ينظر بين شواهد القبور، التى ألقت بظلالها الكئيبة على الأرض من حوله.

لم يكن يعلم عما يبحث بالضبط..لكنه قدر بسرعة أنه ربما توهم سماع ذلك الصوت..و بينما كان يتأهب للعودة إلى حجرته سمع الصوت مجدداً..و كان صوت طفل بالفعل يصرخ و ينادى أمه!

- لا حول و لا قوة إلا بالله!

طفل تائه فى المقابر!..طمئنه ذلك الخاطر قليلاً ..فهى لم تكن أول مرة على كل حال..لأن بعض الأولاد يأتون من حين لأخر ليلعبوا فى حوش المقابر خاصة أيام الأعياد-و كان اليوم عيداً-فربما نام أحدهم و هو مختبئ ،و ظنه رفاقه عاد إلى الدار وحده..أو ربما ضلله بعض الأطفال الأشقياء و تركوه و فروا،و هو لا يعرف طريق العودة وحده!

كان يعرف أن هذا وارد الحدوث،لكن..هل يعقل ألا يبحث عن ذلك التائه أى شخص حتى تغرب الشمس؟!

و بينما وقف عم "يعقوب"محتارا لا يدري من أين يبدأ البحث..سمع صوتا جعله يتجمد من الرعب.. فقد كان ياتى  من تحت!

تحديداً من القبر الذي كان يقف بجوار شاهده!

* يتبع *



الجزء5 العائد

"هل أنت متأكدة من أن"ياسر"خطف الولد؟!"سألت أم"سمية"ابنتها في حيرة و ارتباك

فردت الأخيرة في غيظ و الدموع تغرق وجهها:

- بالتأكيد خطفه !.. أنه يكذب ليدارى فعلته.

و أضافت في انهيار كأنها تقنع نفسها:

- لو كان أعاده كما قال.. فأين هو؟!

أضاف"عثمان"مؤيداً كلامها:

- كما أنه لم يقلق عندما علم بعدم عودته حتى الآن..لابد أنه معه!

نظرت له"سمية"في أمل..و تمنت أن يكون "مروان"بخير ،و إلا يصاب بأذى حتى تجده..

- و ماذا سنفعل الآن يا بنى؟

سألته أم "سمية"فأجاب بسرعه:

- يجب أن نبلغ الشرطة..و نبحث عنهما في كل مكان..

هتفت"سمية":

-هيا بنا أذن!

نظرت لها أمها بدهشة بينما سأل"عثمان"فى إستنكار:

- إلى ستذهبى فى هذه الساعة؟!سأذهب أنا للبحث عن "مروان"..و لن أعود إلا و هو ممسكاً بيدى.

هتفت"سمية"فى عناد:

-كلا..لن أجلس هنا نهباً للخوف و القلق..سوف أتى معك!

قال"عثمان"بلهجة قاطعة:

- لن تذهبى إلى أى مكان..سأقوم بالبحث وحدى..و أطمئنى سأخبرك بالتطورات أولاً بأول بالتليفون.

- لكنه ابنى!

هتفت"سمية"معترضة قبل أن يقاطعها"عثمان"فى حزم:

- نزولك لن يضيف شئ..

أضافت أمها :

- معه حق يا ابنتى أتركيه يبحث عن الولد حتى يبيت الليلة فى حضنك بإذن الله.

***********************************

بعد ثلاث ساعات رن جرس الهاتف للمرة السابعة فى تلك الليلة، فأسرعت "سمية"بالرد..و كان"عثمان هو المتصل أيضاً

سألته فى لهفة:

- هل وجدت"مروان؟

بدت إبتسامة أرتياح كبيرة فى صوته و هو يجيب:

- الحمد لله..إنه معى الآن ،و هو بخير..نحن فى الطريق.

- أين كان كل هذا الوقت؟!كيف هو؟..هل هو بخير؟!

سألت"سمية"بصوت منفعل ،قبل أن تهتف فى لهفة :

- أعطيه الهاتف يا "عثمان"..أريد أن أسمع صوته،و أطمئن عليه!

رد"عثمان"ضاحكاً :

- أنتظرى قليلاً..سنكون عندك فى غضون دقائق!

و بالفعل لم تكد تمضى ربع ساعة،حتى رن جرس الباب..و ما أن فتحت"سمية"الباب،و طالعت وجه"مروان"الشاحب المرهق..حتى أحتضنته فى لهفة،و أغرقت وجهه بالقبلات المبللة بالدموع،بينما وقف الولد صامتاً لا يتحدث أو يتحرك أو حتى يبكى!

- أين كنت يا"مروان"؟..ماذا فعل بك ذلك الوغد؟!..وما كل هذا تراب الذى يغطى ثيابك؟!..أخبرنى بالله عليك..لا تقف جامداً هكذا مثل التمثال!

ثم التفتت ل"عثمان"تسأله بدهشة،و هى ما تزال تحيط"مروان"بذراعيها

- ما بال الولد ، لا يتكلم أو ينطق؟!

رد"عثمان"فى كياسة:

- أعذريه.. فما مر به لم يكن قليلاً..لقد و جده رجل يدعى عم"يعقوب"..و عم "يعقوب"هذا رجل هرم يعمل لحاداً فى مقابر البساتين..و قد وجد"مروان"مدفوناً فى أحد هذه القبور!

                                                   

                                                * يتبع *                                                   



الجزء6 بابا"عثمان"

سرحت"سمية"تفكر فى مصير"ياسر"المحبوس، على ذمة قضية خطف أبنه و الشروع فى قتله..إنه يستحق ما جرى له بعد أن دفن ولده الوحيد أكثر من ثمانى ساعات فى قبر!

الحسنة الوحيدة من كل ما جرى ..أنها لن ترى"ياسر" أو تسمع عنه شيئاً فى المستقبل..أطلقت تنهيدة إرتياح، و قد شعرت أخيراً بالخلاص..

أخيراً انتهى هذا الكابوس!

و فى قرارة نفسها شعرت بالفرح..لكنه فرح مشوب بالأسف على ما حدث ل"مروان"..فلم تكن تتمنى أن يتعرض لتلك الصدمة المروعة، لأى سبب..تطلعت إلى وجه"مروان" الهادئ،بينما ينام على ذراعها،-فهو لم يعد ينام فى حجرته-وضمته ضمة قوية..ربما على سبيل الإعتذار!

نظرت لساعة المنبه فوجدتها قد تجاوزت العاشرة صباحاً..لكنها لم تتحرك خشية أن يستيقظ "مروان"،و يصاب بالفزع..فهو بعد ما حدث صار يحلم بكوابيس..و يستيقظ باكياً أغلب الأوقات!

مضى ما يقرب من نصف ساعة أخرى،قبل أن تنقر أمها على الباب نقرة خفيفة،و تنادى بصوت خفيض:

- "سمية"..لقد جاء"عثمان"!

- بابا"عثمان

أجفلت"سمية" عندما قفز"مروان"-الذى لم يكن نائماً-من السرير مسرعاً..يسابقها ليقابل"عثمان"..يبدو أنهما قد صارا صديقين مقربين،بعد كل ما حدث..هزت رأسها  فى عجب ..سبحان مغير الأحوال!

"مروان"الذى لم يكن يطيق"عثمان" يجرى  عليه ملهوفاً بتلك الطريقة!

ارتدت ثيابها،و خرجت..لتجد"عثمان"يجلس مع أمها فى الصالون..و قد ارتدى بذلة أنيقة.و قد انهمك مع أمها بالحديث ...فانقبض قلبها..فقد بدا كعريس ينوى خطبتها،و هى غير مستعدة لتكرر تجربة الزواج..غير مستعدة،و غير راغبة..فقد اتخذت قرارها منذ مدة بأنها ستعيش من أجل ابنها
"لا أعتقد أن"سمية"ستوافق"قالتها أمها ل"عثمان"مبتسمة..

"السلام عليكم"حيتهما"سمية"قبل أن تجلس معهما،و قد لاحظت عدم وجود"مروان

- وعليكم السلام و رحمة الله .

ردا عليها السلام ،قبل أن يضيف"عثمان"مبتسماً:

- لقد قالت ماما أنك سترفضى..لكننى....

قاطعته"سمية بسرعة:

- من الجيد أن فتحت الموضوع،لأننى غير موافقة..لقد لاحظتك عدة مرات و أنت تتحدث مع أمى لتفاتحنى بموضوع الزواج،لكننى أرفض عرضك-و بشكل نهائى-..ليس هذا لعيب فيك لا سمح الله.. لكننى لا أريد أن يتعرض"مروان"لصدة جديدة..يكفيه ما عانه فى الفترة الأخيرة.

بدت الصدمة واضحة على وجه"عثمان"،فى حين قالت أمها مستغربة:

-لكن يا ابنتى....

قاطعه"عثمان"هذه المرة،و هو بيقول بخيبة أمل:

- أتركيها على راحتها يا خالتى..

قالها ثم صمت كأنما يفكر فيما يجب قوله..بعدها فرك وجهه  المحتقن بالدماء..و قد بدا موشكاً على البكاء بعينيه المحتقنتين..لبرهة قصيرة أخذ يتنفس بعمق ليسيطر على إنفعاله،قبل أن يقول بأقصى ما يستطيع من هدوء:

- أعذرانى..يجب أن أنصرف الآن.!

و بينما هو يستعد للأنصراف..أقبل"مروان"متهلل الوجه..ثم عبس فجأة حين لاحظ أن"عثمان"على وشك الرحيل

- إلى أين ستذهب؟!

سأل"مروان"بإحباط،فربت"عثمان"على رأسه فى حنو،و هو يقول:

- أنا مضطر للذهاب الآن..لكننى سأعود لاحقاً!

راقبت"سمية"رحيله فى أسف بينما صاحبه"مروان"إلى باب البيت..عندما سألتها أمها فى سخط:

- لمااذا فعلت هذا يا"سمية"؟!لماذا كسرت خاطره؟!ثم إنه لم يكن يخطبك كما ظننت..فكل ما أراده أن يأخذنا فى رحلة إلى البحر!

شعرت"سمية" أنها تسرعت..لكنها لم تكن نادمة على حسمها مع"عثمان"..فهى تكره الأمور العالقة..و الأبواب المواربة..لهذا قالت فى عناد:

- هذا أفضل!..فما أظن تقربه من"مروان" إلا لرغبته فى إقناعى بالزواج به.

صاحت أمها فى عصبية:

- و ما عيب"عثمان"؟!و الله لن تجدى خيراً منه أباً ل"مروان".

قالت"سمية"فى تقرير:

- أنا واثقة من أنه سيحاول..لكنه لن يستطيع،فهو فى النهاية ليس أباه!

سأل"مروان"فى ضيق و دهشة:

- هل رفضت الرحلة؟..لماذا يا ماما؟!

- إذا كنت تريد الذهاب إلى البحر..يمكننا أنا و أنت و تيتة الذهاب فى أى وقت أخر.

ضرب الولد الأرض برجله فى غيظ،وقال فى غضب:

- لا أريد الذهاب معك..أنا لا أحبك!

قالها ثم جرى إلى غرفته مغضباً،و هو يبكى بصوت مسموع

تمتمت"سمية"بصوت خفيض:

-يوماً ما ستفهم أننى ما فعلت هذا إلا من أجلك!


                                                             * يتبع *                                                              



الجزء الأخير الحب الخالد

تململت"سمية"فى جلستها بانتظار قدوم"عثمان"فهى لم تكن مرتاحة لزيارته المتكررة..خاصة بعد ما صارحته بعدم رغبتها فى الزواج منه-أو من غيره 

لكنه كان يتذرع بزيارة"مروان"..و هى لم يكن بوسعها منعه من الحضور..فهو بالنهاية  أبن خالتها..كما أنها قد لاحظت سرور"مروان"الكبير بهذه الزيارات..و فسرته بحاجة"مروان" لنموذج أبوي ..خاصة بعدما فعله به أبوه.

"ما بك؟"سألتها أمها حين لاحظت قلقها..فردت بغيط:

- حقيقة لست مرتاحة لما يحدث..منذ متى و"مروان"و"عثمان"متقاربان بهذا الشكل؟!

سألتها أمها فى ملامة:

- و هل هذا التقارب أمر سيئ برأيك؟

بللت"سمية"شفتيها بلسانها،قبل أن تقول فى حيرة:

- ليس سيئاً..لكنه مربك على نحواًما!..لا أعرف ما يخطط له"عثمان"بالضبط..لكن يبدو أنه مازال يتودد إليّ...

قاطعت أمها  كلامها نافية بلهجة واثقة:

- غير صحيح..

و تابعت بينما"سمية"تطلع لها فى حيرة

- ألم أخبرك أن"عثمان"سيتزوج؟..إنه آتياً ليصتحب"مروان"ليخطب له!

أنعقد حاجبا"سمية"فى حيرة يغلب عليها الغضب

إنه يرغب فى مكايدتى أذن!

كذا فكرت فى نفسها..و إلا فما معنى ما يفعله لو لم يكن مكايدة صريحة!..فلو كان"مروان"ابنه لبدا الأمر أقرب للياقة

صاح"مروان"الذى كان واقفاً فى الشرفة يترقب قدوم"عثمان"

- لقد جاء بابا"عثمان"العريس!

قالها و هو يهرول نحو الباب ليفتح ل"عثمان"الذى وصل بعد بضع دقائق..متأنقاً كما يليق بعريس..أقتاده"مروان"إلى الصالون-حيث تنتظره"سمية"و أمها

- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

حياهما"عثمان"مبتسماً بسعادة بالغة،أزعجت"سمية"التى ردت بغم:

-و عليكم!

بدا كأنما سره أن لاحظ ضيقها،فاتسعت أبتسامته

"- مبروك!"قالته"سمية".. فرد ضاحكاً:

- مازالت المباركة سابقة لأوانها..فلم نعرف بعد رأى العروس!

صدمتها فرحته المبالغ فيها..كل هذا و العروس لم توافق بعد،فما باله لو أنها وافقت!

و شعرت بغصة فى حلقها..فهو يبدو سعيداً بتلك الزيجة..كأنه لم يطلب يدها هى-و فى ذات المكان-منذ أقل من شهر!

سألته بضيق لم تنجح فى إخفائه:

- و هل العروس بكر أم سبق لها الزواج؟..

- بل تزوجت مرة و لديها طفل 

و أكمل مبتسماً:

- على كل حال لست صغيراً لأتشرط!

كانت العروس فى مثل ظروفها تقريباً..و للحظة تمنت أن يكون"عثمان يقصدها هى بكلامه..لكنها فوجئت به يقول ل"مروان":

- هيا يا فتى لا نريد أن نتأخر على الناس!

*******************************************

وقفت"سمية"تراقب "عثمان"و"مروان"من الشرفة،و هما يركبان السيارة،ليذهبا لخطبة العروس ،و قلبها يتمزق ألماً..ماذا كنت تنتظرين يا"سمية"؟ بل و ماذا كان سيصنع"عثمان"أكثر من أن يظل أكثر من ثمانية أعوام ينتظر موافقتك؟!

و فى النهاية صدمتيه بالرفض!.. تفرجى عليه الآن و هو يضيع من بين أصابعك..تفرجى و حاولى أن تبدى قليلاً من البهجة..

فطالما وقف الرجل بجانبك بكل المواقف..حتى"مروان"الذى تحججت به لترفضى الزواج..لم يكن أحد يذهب معك به لطبيب حين يمرض سوى"عثمان"..ثم من ذهب معه فى أول يوم مدرسة؟..حتى زملائه فى مدرسته القديمة كانوا يظنونه أبوه الحقيقي..حتى أنه-مروان- كان يحبه جداً،ولولا ظهور"ياسر"فى حياته ..و بث الكراهية فى نفسه من ناحية"عثمان"،و خوفها من أن يأخذ حضانة الولد منها لكانت هى و"عثمان متزوجان،و ربما لديهما طفلاً أخر أو طفلة..

دخلت من الشرفة لتجد أمها جالسة-كما هى-و توقعت أن تلومها على أنها ضيعت"عثمان"من يدها..فهى-أمها-تراه رجلاً طيباً..و هى تحبه..فهو ابن أختها البار الذى لم يكف عن السؤال عنهما..خاصة بعد وفاة والدها..لكنها-للعجب-لم تقل شيئاً!

و أنتبهت لتوها أن أمها لم تنطق بكلمة منذ كان"عثمان"عندهما..حتى كلمة مبروك لم تقلها!

الأعجب من ذلك أنه لا يبدو عليها الحزن ولا حتى الفرح..و برغم ما تعرفه عن أمها من فضول..لم يبدو مهتمة بمعرفة هوية العروس!

تلك الحالة الغريبة التى أصابت أمها جعلتها راغبة فى معرفة فيما تفكر..لهذا خاطرت هى بفتح باب النقاش

- أعرف ما ستقوليه..لابد أنك ستلوميننى على عدم موافقتى على الإقتران ب"عثمان".

- ما شاء الله!..هل لاحظت للتو ماذا أضعت من يدك؟!

شعرت"سمية"برغبة عارمة فى البكاء..لكنها قالت مدارية حيرتها و تخبط مشاعرها:

- لقد قال أن تلك الفتاة تسكن معنا فى ذات الحى..هل تظنين أنها"ياسمين"أرملة النقيب"إيهاب"؟..إنها فى السادسة و العشرين أو ربما فى الخامسة و العشرين،و لدية بنتاً عمرها عامين و نصف..أو ربما كانت"رودينا"فهى مطلقة بعمر الثلاثين..لكن"رودينا"لديها طفلين،و قد قال"عثمان" أن لديها طفلاً واحداً.

- كفى يا"سمية"..كل شئ قسمة و نصيب!

هتفت"سمية"فى يأس:

- ما الأمر يا أمى؟..ألا تريدين أن تعرفى من هى عروس أبن أختك؟!

ردت أمها فى ضيق و هى تقوم من كرسيها:

- كلا لا أريد أن أعرف..كنت أتمنى أنت تكونى أنت زوجته..لكن قدر الله و ما شاء فعل!..سأذهب إلى غرفتى لأرتاح قليلاً حتى يعود"مروان".

و ما أن خطت خطوتين تجاه غرفتها حتى رن جرس الباب الخارجى..ذهبت"سمية"لتفتح..فوجدت"مروان"عابس الوجه يمسك بالون هيليوم أحمر مكتوباً عليه بالأنجليزية تتزوجينى.. ?marry me..و من وراءه"عثمان"يحمل علبة ملفوفة بالسلوفان الفضى..و وجهه جامد الأسارير لا يفصح عن أى تعبير!

نقلت:سمية"بصرها بينهما فى حيرة..هما لم يغيبا كثيراً..كأنما تلك المرأة تسكن فى الشارع المجاور!

ثم لماذا كل هذا الوجوم؟..هل رفضت؟،و تمنت من صميم فؤادها أن يكون ما فهمته صحيحاً!

و تجاذبها شعورين مختلفين شعور بالأمل،و شعور بالغيظ من تلك المرأة التى رفضت"عثمان"..ألا يكفى أنها سبق لها الزواج؟،بل و لديها طفلاً أيضاً!

سألت فى حذر :

- ما الأمر؟كيف عدتما بهذه السرعة؟!

نظر"مروان"لجدته و ضحك،و ابتسمت جدته..بينما قال"عثمان"بجدية:

- ذهبنا لشراء الحلوي،و بعدها ذهبنا إلى بيت العروس.

- ثم؟سألت"سمية"تحثه على المواصلة

- "مروان"سيخبرك بالباقى!

تقدم"مروان"نحو أمه وٌقال بلهجة رسمية:

- سيدة"سمية"إنه ليسعدنى و يشرفنى..أن أطلب إليك الزواج من بابا"عثمان"..وأعدك بأنه سيكون أباً ممتازاً لأبنك!

سألت"سمية"فى عدم فهم:

- و ما خطب العروس الأخرى؟!

قال"عثمان:

- لا توجد عروس أخرى..أنت الأولى و الأخيرة!

و أشرق وجهها بالفهم ..فقد كان ما يحدث حيلة من‘عثمان"،قام بتنفيذها مع"مروان"..

تطلعت ل"مروان"سائلة بدهشة:

- أنت كنت تعرف منذ البداية؟!

رد"مروان"ضاحكاً:

- تيته أيضاً كانت تعرف!

حتى أنت يا مى!كذا فكرت "سمية"فى نفسها..قبل أن  تبادر أمها:

- لقد أخبرونى فى النهاية..أنت تعرفي لا يمكننى أن  أخبئ سراً عليك!..

سألها"عثمان"و هو يضع كفه على كتف"مروان"فى إعتزاز:

- لقد جئت،و مع ابنى لنخطبك هذه المرة.،فما رأيك؟

- موافقة بالطبع!

ثم أضافت بسرعة:

- لكن لدى شرطاً و احداً

سأل"عثمان قى قلق:

- و ما هو؟!

- أن تحضر المأذون حالاً!

                                               

*تمت*


قصص تليجرام