العروس الجزء 1(فارس أحلامي)
بسم الله الرحمن الرحيم..و الصلاة و السلام على سيد الخلق محمد عليه أفضل الصلاة و التسليم ..الحمد لله الذى يتم الصالحات بفضله و نعمته..قد اجتمعنا اليوم لعقد قران السيد أحمد بهجت منصور عبد الواحد..و الآنسة ضحى أمين محمد رزيق..على كتاب الله و سنة رسوله ومختاره من خلقه ومصطفاه
قالها المأذون..قبل أن يضيف:
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز:
و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة..
لم تكن ضحى تصدق فرحتها..حتى أنها لم تنتبه للدرس الذى بدأ المأذون فى إلقائه على الحاضرين..قبل مباشرة مراسم كتب الكتاب..عندما قال المأذون لأبيها الذى وضع يده فى يد أحمد:
قل ورائي يا حاج أمين:
-إنى استخرت الله و زوجتك ابنتي البكر البالغ الرشيد..
-إنى استخرت الله و زوجتك ابنتي البكر البالغ الرشيد..
- الآنسة"ضحى أمين رزيق"..على كتاب الله..و سنة رسوله..
- الآنسة"ضحى أمين رزيق"..على كتاب الله..و سنة رسوله..
- وعلى مذهب الأمام أبى حنيفة النعمان..و على الصداق المسمى بيننا..عاجله و آجله
- وعلى مذهب الأمام أبى حنيفة النعمان..و على الصداق المسمى بيننا..عاجله و آجله
ثم ألتفت الماذون ل"أحمد"قائلاً:
- قل ورائي يا عريس..و انا قبلت زواجها على ذلك
- و انا قبلت زواجها على ذلك.
تعلقت عيناى ضحى بشفتي أحمد الذى ردد كلمات المأذون..و قد التمعت الفرحة فى عينيه..و خفق قلبها طائرا من شدة الفرح..عندما دعى لهم المأذون بالختام الشهير..
حتى أنها رددت دعاءه فى نفسها بصوت خفيض..بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما فى خير!
دوت زغرودة فرحة من أم العروس..بينما قام أخوها الأكبر "على" بتوصيل المأذون حتى باب المنزل..بينما عانقتها ابتسام بنت خالتها و صديقة عمرها عناقاً حاراً..و هى تهتف بفرحة غامرة:
- ألف مبروك يا عروسة!
-الله يبارك فيكي يا بسبوسه..عقبى لك
سحبتها ابتسام من يدها متجهة نحو غرفة الأخيرة..و هى تقول بمرح:
- هيا يا احلى عروسة لتستعدي للخروج مع زوجك
خفق قلبها طرباً لكلمة زوجك..التى بدت جديدة على مسامعها..لكنها جديدة و جميلة جدا فى نفس الوقت!
فقد كان "أحمد"أكثر من مجرد عريس مناسب..فهو فارس الأحلام الذى تحلم به الفتيات..
فهو وسيم ،وطيب،و يعمل بوظيفة مرموقة بمرتب يحلم به أى شاب فى سنه..
فكرت فى أنها محظوظة حقاً لأنه أختارها هى..
***
جلست "ضحى" أمام مرآة التسريحة تطالع وجهها باهر الحسن..ببشرتها البيضاء المشربة بحمرة..وعينيها الفيروزتين..و شعرها الذى يبدو كأكليل من الذهب..قالت فى نفسها..و أين كان سيجد فتاة أجمل منك؟!
إن من لا يرى كل هذا الجمال..هو أعمى بالتأكيد..
و"أحمد"لم يكن أعمى !
بينما وقفت صاحبتها بجوارها تتأمل الألق المتراقص فى عيناي ضحى الفيروزيتين..قبل ان تلصق وجنتها بوجنة صاحبتها الموردة دون مساحيق تجميل..قالت ابتسام متعجبة من شدة سخونتها:
- تبدين فاتنة يا ضحى..و وجنتيك تشتعلان باللهيب !
أسبلت ضحى أهدابها الجميلة فى خفر .. قالت فى حياء :
-لا تنسي أن هذه هى المرة الأولى التى سأخرج فيها مع أحمد وحدنا!
أقبلت والدة العروس مع أختها الصغري..و معهما خالتها والدة ابتسام..ضمتها والدتها و خالتها و باركا لها..عندما مرت أختها الصغرى من أمامهم كالهائمة..فخطفتها العروس خطفاً..و ضمتها بقوة،و هى مشغولة بما فى يدها من طعام و شراب..
و عادت لتجلس أمام المرآة لتصلح زينتها..فأخذت ابتسام الفرشاة من يدها..و مرت بها على وجنتيها المزهرتين..و هى تسأل:
- هل استأجر العريس سيارة؟!
- و لما؟..سنخرج بسيارة عمي" بهجت"..و هو ينتظرنا هنا حتى نعود.
"الصوت يا بنات..أريد أن أتحدث مع أختي بموضوع!
تبسمت ابتسام و مالت لتهمس فى أذن صاحبتها متهكمة:
- مثل أيام المدرسة تماماً..لم تتغير حضرة ااناظرة..كأنما أخذت عهداً أبدياً على نفسها بأن تكتمنا لنهاية العمر!
جاوبتها ضحى بإبتسامة لطيفة و هى تضع حجابها ذي اللون الذهبي..قبل أن تضيف ابتسام توصيها - بعد قليل سيأتى العريس و يصطحبك لتسهرا قليلاً بالخارج ..أريدك بعد أن تعودي إلى المنزل أن تتصلي بي..و تخبريني بما جرى..لن أنام حتى تعودي و تحكي لي كل شيء!
قالت ضحى فى إحتجاج
- لكننى سأكون متعبة.. و أريد أن أنام!
ردت ابتسام مستسلمة على مضض:
- أمري إلى الله..سأنتظر حتى الغد..بعدها سآتى لأوقظك بنفسي..لتقصي على كل كلمة و همسة و نفس..أريد أن أشعر أننى كنت أجلس معكما!
هتفت"ضحى"بإندهاش:
- و لماذا كل هذا يا حشرية؟!
- لأننى حشرية يا ستي!..أتعلمين ماذا سأفعل إن لم تحك لى كل شئ؟..سأقرصك فى كل موضع من جسدك..حتى يتورم كله هكذا..
قالتها و هى تقرص"ضحى"من ذراعها بالفعل قرصة مؤلمة..حتى أنها صاحت متألمة:
- أي!..كفى سأخبرك بكل شئ يا مجنونة!
نظرت لها خالتها و أمها مندهشتين..فقالت بخجل:
- لقد قرصتني!
***
"حمداً لله على سلامتك"قالتها "أم "ضحى"لأبيها الذى عاد تواً من عمله..لم يرد عليها..و قد بدا شارداً
مهموماً..سألته أمها بدهشة:
- ما بك يا "أمين"؟!لما تبدو مهموماًٍ هكذا؟!
تطلع إليها بدهشة كأنما لاحظ و جودها للتو..قبل أن يمسك بيدها قائلاً بعجلة:
- تعالي معي!
قالها متوجهاً نحو غرفتهما..التى ما أن دخلها حتى أوصد الباب من الداخل بالمزلاج..
- ماذا هناك يا "أمين"؟!..سألته بدهشة وصلت منتهاها..قبل أن يقول بعصبية :
- أجلسي..
جلست على طرف الفراش..بينما أخذ هو يتحدث بصوت خفيض..كأنما يحدث نفسه:
- لماذا الآن؟!..لقد كان أمامه عام بأكمله!
- من هذا؟!..ماذا حدث يا"أمين"؟..لقد أقلقتني!
سرح مع كلماتها لحظة قبل أن يجيب بإندفاع:
- لقد تقدم عريس لخطبة ابنتك!
ابتسمت فى حيرة:
- عريس يريد خطبة"شوشو"..إنها مازالت فى التاسعة!
نظر لها باستنكار كأنما يرى مخلوقاً غريباً..سأل فى ضجر:
- و من قال أن العريس يريد خطبة"شروق"؟!
- أنت!..و هل لدينا سوى أبنتينا"شروق"و"ضحى"؟!
- لكنه لم يخطب"شروق"..إنه يريد الإقتران ب"ضحى"..
قالها كأنه يزيح صخرة ضخمة تثقل قلبه..لكنها هوت على رأس زوجته المسكينة فقتلها!
نظرت له و قد فغرت فاها فى ذهول..ثم قالت بعد فترة:
- لكنك رفضت..و أخبرته أنها متزوجة؟
لم يرد..فرددت فى جزع:
- لقد رفضت..أليس كذلك؟!
قال فى تردد:
- ليس الأمر سهلاً هكذاً..إنه عريس ممتاز!
- يال المصيبة!..هل ستزوج ابنتك برجلين؟!
- بل سأطلقها من"أحمد"..إنها فرصة لا تعوض!
كانت تستمع له فى دهشة،و هو يكمل:
- العريس الجديد لديه دخل أعلى..و سيارة آخر طراز..و شقة فاخرة.
سألت الأم المصدومة:
- و"أحمد"؟!..إنه شاباً ممتاز..مهندس معماري..و يعمل براتب صخم فى شركة إنشائات كبرى..و فوق كل هذا إنسان خلوق..و يحب ابنتنا..كما أنه ابن أعز أصدقائك؟!
رد فى جفاء:
- لا دخل للصداقة بهذا الأمر..مستقبل ابنتي أهم شئ عندي!
- و"أحمد"؟!..إن "ضحى"تحبه!
ثم أضافت كأنما تذكرت شيئاً غاب عن بالها:
- أنت تتحدث كأن"ضحى"ستوافق على هذا الخرف!..لما لا تسأل ابنتك أولاً؟!
أنا متأكدة من أنها سترفض!
***
فتحت والدة"صحى"باب غرفتها،و دخلت..قبل أن تنهى الأخيرة حديثها بالهاتف المحمول
- حسناً..غداً إن شاء الله..مع السلامة.
بادرتها أمها بالسؤال:
- هل"أحمد"من كان على الهاتف؟
ردت"صحى"بإنزعاج:
- نعم هو يا أمى..هل هناك مشكلة؟!
- مشكلة!..بل قولي كارثة!..أبوك يريد أن يطلقك من زوجك!
- ماذا؟!و لماذا يفعل أبى هذا؟!..بماذا أخطئ"أحمد"؟!
- لقد قلت له أنك لن توافقى..لقد كنت متأكدة!
كانت أمها تتحدث بسرعة،و إنفعال لا يتيح لها فرصة لتلتقط أنفاسها اللاهثة..ربتت"ضحى"على كتفها مهدئة..و قالت و قد أصابها القلق عليها:
- أهدأي قليلاً يا أمي..لابد أن فى الأمر سوء تفاهم أو خطام ما!
فى تلك اللحظة دخل أبوها..و أغلق الباب الذى نسيته أمها مفتوحاً..و هو يقول:
- أنت محقة يا"ضحى"..إن أمك مخطئة..
ثم أستطرد يكمل بعد برهة:
- لأنها لم تستمع لباقى كلامي..
قال ل"ضحى ملاطفاً..و هو يمسك يدها و يجلسها على طرف الفراش..و يجلس جوارها:
- أجلسي يا ابنتي..
- هل تشكين لحظة فى أننى أريد لك الأفضل أنت و أخوتك الثلاثة؟
هزت رأسها نافية..فإبتسم..
- جيد..استمعي إلي جيداً قبل أن تقطعي برأي..لقد تقدم لخطبتك عريس..إنه"حاتم"جارنا..
همت بالكلام..فقاطعها مسرعاً:
- أسمعى كلامي للنهاية..أنه عريس لقطة كما يقولون..تعرفين أنه كان مسافراً ليدرس الإخراج فى أمريكا..و قد عاد منذ بضعة أشهر..
و لحسن الحظ لم يعلم بأمر زواجك..فهو لديه مكتب فى القاهرة..و قد كان هناك ينجز بعض الأعمال..و ما أن أنتهى من عمله..حتى عاد لمنزل أسرته هنا..و قد وصل بالأمس فقط..اليوم زارني بالمصلحة..و طلب يدك..و قد وافقت!
هتفت أمها منزعجة:
- و لم تخبره أيضاً بأمر زواجها!
رد الأب عليها محنقاً:
- لم أجد داعياً لأخباره.. لقد كان هذا الزواج غلطة..و أعمل على أصلاحها الآن!..لقد حمدت الله أنه مقطوع من شجرة..و ليس له علاقة بالجيران حتى لا يخبره أحد!
هتفت أم"ضحى"فى عناد:
- لكنه سيعرف حتماً..و أنظر كيف سيكون شكلك وقتها!
هزت الأم رأسها فى صدمة..غير مصدقة..و قد وقر فى نفسها أنه لا فائدة ترتجى من هذا الرجل الذى أعماه الطمع..قبل أن تتوجه لأبنتها ضارعة..و هى تمسك يدها اليسرى ترفعها أمام وجهها..لتريها دبلة زواجها..
- أستحلفتك بالله يا ابنتي ..إلا تخوضي فى هذا الأمر..فلن يسامحك الله ؟إن غدرت ب"أحمد"بعد كل هذا!
قالتها قبل أن تقبل أصابع ابنتها اللدنة..و هى تضيف بحرقة..و الدموع تغزو عينيها..
- أقبل يديك و قدميك ألا تفعلي!
سحب الأب يد ابنتها من يد أمها..و هو يصيح فى ثورة:
- ألم تقولي أترك لها حرية الإختيار؟!..فلماذا تلحيًن عليها بهذا الشكل ؟..أتركيها تتاخذ قرارها بنفسها!
صاحت الزوجة بثورة:
- أنت لا فائدة فيك!
- كيف تجرئين؟!
قالها "أمين"و قد أتسعت عيناه فى صدمة..و قام يهم بضرب زوجته..لولا أن صاحت"ضحى"مرتاعة،و قد أحاطت وجهها بكفيها:
- كفى يا أمى..كفى يا أبى..ماذا جرى لكما؟!..
أحتضتها أمها..بينما ربت أبيها على كتفها مهدئاً..قال متطيباً خاطرها:
- لا بأس عليك يا حبيبتي..لا تنزعجي من كل هذا الهراء..فقط فكري فيما عرضته عليك بهدوء..
قالها قبل أن يلتقط هاتف ابنته المحمول من فوق الفراش، و يعابث أزراه..قبل أن يمتقع لونه..عندما أضاءت شاشة المحمول برقم "أحمد"المسجل بأسم my love كأخر متصل..ردد فى آلية:
- فكري يا"ضحى"فكري..و إلى أن تتخذي قرارك سيظل هذا الهاتف معي!
نظرت له"ضحى"بعين دامعة و هو يخرج من حجرتها..و تسألت فى نفسها لما أخذ هاتفها؟..لكنها لم تسأله ،و أكتفت بالبكاء على كتف أمها..التى علا صوت نحيبها هى الأخرى ..و أنخرطا معاً فى بكاء حار!
يتبع
العروس الجزء 2(الطمع)
علق"أحمد"أصبعه على جرس الباب..كأنه سيستجيب لألحاحه،ويُفتح من تلقاء نفسه..فرن الجرس رنة متصلة..قبل أن يفتح"مصطفى" الباب..و بينما صاحت"شروق" بفرحة..و هى تجرى نحو حجرة شقيقتها الكبرى:
- العريس جاء.. العريس جاء!
أبتسم"بهجت"لفعلها..قبل أن يربت على رأس"مصطفى"ملاطفاً..و هو يسأله:
- كيف حالك يا بني؟..و أين الرجل العجوز؟
- الحمد لله يا عمي..أبى بالداخل..تفضلا بالدخول و سأخبره بحضوركما..تفضلا فى الصالون
تقدم"بهجت"..و تبعه "أحمد"الواجم دونما سبب..ليجلسا فى الصالون- كما قال الصبى آنفاً-عندما لاحظ"بهجت"عبوس"أحمد"و شروده..فسأله مندهشاً:
- ما بك؟!.. هل تشاجرت مع"ضحى"؟!
تنهد"أحمد"فى ضيق..قال ناقياً فى حيرة:
- لم نتشاجر..لكنها لا ترد على أتصالاتي منذ يومين..أخشى أن تكون قد أصابها مكروه!
ضحك"بهجت"فى إستهانة..قال:
- ربما أغضبتها بشئ..دون أن تقصد..و هى تعاتبك بتلك الطريقة!
هز"أحمد"رأسه نافياً..قال فى هم:
- لا أعتقد ذلك..أنت لا تعرف"ضحى"..هذا ليس طبعها!
قال أبيه بثقة:
- بل أنت الذى لا تعرف طبع النساء!..إنهن ينبشن عن النكد بأبرة!..
هز"أحمد"رأسه بطريقة قد تعني الرفض أو القبول لمنطق أبيه..و قد بدأت قدمه تهتز بتوتر،و طريقة عصبية..
لم ينقذه من حيرته و غضبه سوى مجئ"أمين"والد عروسه..الذى ما أن رأه"أحمد"حتى هب واقفاً..ليصافحه بتوتر..ظهر فى شدة أصابعه القوية على كف الأخير..حتى أنه سحب يده من يد"أحمد" المتشنجة بصعوبه..بينما الأول يسأله فى قلق:
- كيف حالكم يا عمى؟!..أهناك خطباً ما؟
رد"أمين"بوجه مغلق:
- أجلس يا بني..
جلس"أحمد"متحفزاً..و هو يسأل بلهجة متوترة:
- هل"ضحى"بخير؟..إنها لا ترد على هاتفها!..أين هى؟!
سأل"بهجت"بمرح:
-أجل أين هى عروستنا الحلوة؟..لقد جئنا لنصالحها..
صمت"أمين"و قد علا وجهه هم كبير..قبل أن يقول بلهجة غامضة:
- لا تصعبا علي الأمور اكثر من ذلك!.."ضحى"بخير..و جميعنا بخير..سنكون كذلك..لو نفذ لي"أحمد" طلباً واحداً..
سأل:"بهجت" فى عجب:
- و ما هو هذا الطلب؟!
و أضاف"أحمد"محتاراً:
- و لماذا لا تطلب"ضحى" ما تريد بنفسها؟!
صمت"أمين"نحو دقيقتين..قبل أن يقول بأسف مصطنع:
- أنت لا تفهم!..هذا ليس طلب"ضحى"..أعنى ليس طلبها ،وحدها..أعتبره رجاء شخصي مني..من رجل فى عمر والدك..
- لقد أقلقتني يا عمي!..ما الأمر؟!
قال"أمين"بلهجة منكسرة:
- أنت تعرف أن هذه الأمور فى النهاية مسألة قسمة و نصيب..لهذا..لهذا أريدك أن تطلق أبنتي!
****
- أطلق من؟!سأله"أحمد"بعدم فهم..فأجاب الأخير بسرعة و حماس:
- أريدك أن تطلق"ضحى"طبعاً!.. ظننت هذا مفهوماً!
سأله"أحمد"بهدوء، هبط عليه لا يدرى من أين:
- أجل..و لماذا يجب أن أنفذ أوامرك؟!
هتف"أمين"بعصبية:
- لأننى أبوها..و الأدرى بمصلحتها..و أنت لست الزوج المناسب لابنتي!
- ما هذا الكلام الغريب يا"أمين"؟!سألها"بهجت"مستنكراً..بينما صاح"أحمد"بعصبية:
- ما هذا العبث؟!..لا تختبر صبري يا عمي..هذا أمر لا أقبل المزاح فيه!
- و من قال أننى أمزح؟!..أننى أريدك أن تطلق"ضحى"الآن قبل أن تقوم من هذا المجلس..لا تضطرني للجوء للمحاكم!
هب"أحمد"واقفاً..و صاح محتداً:
- أنت تعلم أن"ضحى"زوجتي..زوجتي أمام الشرع ،و القانون..و يمكنني أن أذهب الآن و أسحبها من يدها..و أخذها معي للبيت دون زفاف..لكنني مازلت أحترم كلمتي معك..فلا تجبرني على التقليل منك!..
سأل"أمين"مصدوماً:
- تأخذها دون رضاي؟!
- سبحان الله!..لقد زوجتها لي بنفسك منذ أقل من أسبوع..و قد كنت راضياً تمام الرضا..فما الذى غير رأيك؟!
صاح"أحمد"منفعلاً..فرد"أمين"بتحفظ:
- كنت راضياً..لكنني الآن لست براضٍ!
- أجل لاحظت!..هل لي أن أعرف السبب؟
تمتم"أمين"ساخطاً:
- أريد الأحتفاظ بأسبابي!
- ليكن!.. فلتحتفظ بأسبابك أذن..و سأحتفظ أنا بزوجتي!قالها"أحمد"بهم..و هو ينظر لوالده الذى ألتزم الصمت منذ بداية الحديث تقريباً..
عندما تكلم أبوه أخيراً..قال منزعجاً:
-"أحمد"على حق..ثم أين هى"ضحى"؟! ..و ما رأيها فى هذا الكلام؟.
تلقف"أمين"كلمته..كما يتعلق الغريق بالقشة مظنة أنها ستنجيه..سأل بلهفة:
- لو كانت"ضحى"تريد الطلاق..هل سيطلقها؟
صمت"بهجت"هنيهة..ثم قال ببطء:
- إن كان هذا رأي أبنتك..فلا يمكننا إجبارها..رد المهر الذى دفعه ولدي..و سيطلقها!
****
تطلع"أحمد"نحو شرفة حجرة"ضحى"المغلقة..و خيل إليه أنها واقفة وراء الشيش تراقب إنصرافه كاسف البال..
و سأل نفسه فى حنق..لما فعل أبوها ما فعل؟!..لماذا يريد التفريق بينهما؟!..و لماذا يدعي أن"ضحى"لا تريده؟..لماذا يكذب؟!..
- "أحمد"..لما أنت واقفاً عندك؟!..هل سنظل هنا طوال الليل؟..أم ماذا؟!
ناداه أبوه متعجلاً..فركب إلي جوار أبيه..قبل أن يصفق باب السيارة بعنف،كاد أن يحطم زجاجها!
لم يتبادل مع أبيه كلمة واحدة طوال الطريق الطويل.. الذى بدا- له- فى تلك الليلة أطول من ذى قبل..
كان يغلي غضباً بسبب تصرفات والد"ضحى"غير المفهومة ..و ضايقه أكثر أن والده لم يهتم إن كان سيحتفظ بزوجته أم سيطلقها..لم يهتم سوى بالمهر!
لم يلاحظ - لشدة غضبه -الحزن البادي على وجه والده..و يده التى تشنجت فى غل على مقود السيارة..
لكن ما أن وصلا شقتهما..حتى ألقى أبوه جسده المكدود على أقرب كرسي صادفه..منكس الرأس..منحني القامة..حزيناً- ربما أكثر منه-..و أعتصرالألم قلب"أحمد"أسفاً على حاله..فقد كانت أول مرة يراه محطماً،بائساً على هذا النحو..فهو - أبيه- دائم المرح و الإبتسام حتى فى أسوء الظروف!
حاول مواساته بكلمة لطيفة..لكنه لم يستطع..فلم يكن فى باله إلا موقفه المتخاذل..و شعر أنه لو فتح فمه..سيلوم على أبيه..و لن يحسن هذا مزاجه بل-على العكس- سيضايقه أكثر..
ذهب ليحضر له كوب من الماء البارد من الثلاجة شبه الفارغة، التى وجد فيها بعض الليمون..و علبة حليب تبقى فيها القليل..تشممها ليتأكد من صلاحيتها..كى لا يحدث مثلما حدث فى المرة السابقة..حين قضى أجازة العيد بالمستشفى بجوار والده الذى كاد التسمم الغذائي يقضى عليه بسبب أكلة من الشارع..لم يبد الحليب فاسداً..لكنه لم يكن يعلم متى فُتحت هذه العلبة فتخلص منها على سبيل الإحتياط!
تنهد فى أسف..على حالهما البائس-فهما وحيدين تماماً..منذ وفاة أمه.. غسل الليمون و قام بتقطيعه،قبل ان يضعه فى الخلاط
،و يضيف له سكر،و مياه من الصنبور
****
راقب"أحمد"الخلاط ،وهو يعصر الطماطم التى ستضعها زوجة أبيه ،على طعام الغداء..الذى لم يكن يدري هل تأخرت فى أعداده..أم أن أبيه هو الذى عاد من عمله مبكراً ذلك اليوم..
كل ما كان يعرفه أنه جائع جداً..و بطنه يؤلمه كأن كلباً يعض أحشائه..لكن لم يمنعه هذا من الشماتة بزوجة أبيه التى كانت تبكي!
بينما أبيه الواقف على باب المطبخ يصيح بغضب:
- ماذا جرى لك؟!..لقد كنت تعامليه بكل عطف و حنان قبل أن نتزوج.. هذه ليست أول مرة يتصل بها أحد الجيران ليشتكي !
هتفت زوجة أبيه فى سخط:
- أجل..فعندما كان يأتى معك ..كان يجلس فى مقعده دون حراك كالملاك.. لم أكن أعلم أنه بهذه الشيطنة و قلة الأدب!
..هل أنت غاضب لأننى أربيه!
صاح"بهجت"مستنكراً:
- وهل هذه تربية؟! لقد نبهت عليك عدة مرات ألا تضربيه بهذه القساوة ..أليس فى قلبك رحمة؟!..إلا يرق قلبك لحاله ؟!إنه لم يرى أمه..و ليس له أماً سواك!
صرخت الزوجة فى حنق:
- و هل تعلم ماذا فعل حتى ضربته؟..لقد س...
- أياً كان ما فعله..لا يحق لك أن تضربيه بالعصا!..و أين؟!..لقد تركت العصا علامات فى ظهره و كتفيه..حتى رقبته مجروحة..أتريدين قتله؟!
صاح"بهجت فى حنق..فردت زوجته محتجة:
- أنا لم أضربه على رقبته..لقد جرحته أظافري دون قصد!
أمسك"بهجت"يديها ذات الأظافر المصبوغة بقسوة..و هو يسألها مستهجناً:
- و هل هناك أمرأة مسئولة عن طفل تطيل أظافرها بهذا الشكل؟!
- أترك يدي.. ستكسرها!..هل تستكثر علي أن أهتم بنفسي و أنا مازلت عروساً فى شهور زواجي الأولى؟!
صاح فى ثورة:
- لم أتزوجك من أجل أن تتدللي.. لقد تزوجتك من أجل هذا الصبي..و لم أكذب عليك....
قاطعته هاتفة بسخط:
- أنت تريد مجرد خادمة لك أنت و شيطانك الصغيرهذا أذن!
****
نظر"احمد"لأبيه بعطف ،و قد تندت عينه بدمعة..نجح فى إحتجازها بصعوبة..و هو يناوله كوب العصير
- تفضل.
- ما هذا؟..تناول منه الكوب شاكراً..قبل أن يقول فى أسف:
- سامحني يا بنى.
- أسامحك على ماذا؟
تنهد"بهجت"فى أسف:
- ما كان يجب أن أنخدع فى ذلك الرجل..أليس صديقي و عشرة عمري؟..و لأنى وثقت فيه نحن الآن تحت رحمته!
- رغم معرفتي بطمعه..لكن لم أتصور أن يكون أنانياً إلى هذا الحد!
ربت"أحمد" على ركبة والده..و قد أدرك - تواً- حجم الورطة التى وقعا فيها لكنه قال مهّوناً:
- الحق عليه هو.. ما ذنبك أنت؟
رشف"بهجت"رشفة من كوب عصيره المر..بينما "أحمد"يسأله :
- هل العصير مر؟
هز"بهجت"رأسه ،و قال متأسياً:
- ليس أمرّ مما حدث!..كان أملي أن تتزوج و تتذوق طعم الحنان الذى حرمت منه صغيراً.. فقد ظننت أن تلك الفتاة تحبك..لكن يبدو أنها بلا قلب!
قال"أحمد"مدافعاً عن"ضحى"و قد تذكر وقفتها وراء الشيش المغلق تراقب ذهابه:
- لا أعتقد أن"ضحى"قد توافق على أفاعيل أبيها المنكرة تلك..متأكد أن لديها رأي مختلف!
جرع"بهجت"نصف كوبه على دفعة واحدة،كأنه يتجرع دواء..و سأل متشككاً:
- حقاً!.. و لماذا لم تخرج من حجرتها- لو لدقيقة - لتعلن عن هذا الرأى المختلف؟!
هز"أحمد"رأسه فى رفض..قال بتبرير متوتر:
- بالتأكيد منعها من الخروج..كما منعها من محادثتي فى الهاتف سابقاً!
هز"بهجت"رأسه فى غير إقتناع..بينما رشف"أحمد"جرعة من كوبه..ليرطب حلقه الذى جف..حين فكر فى أن كلام أبيه من الممكن أن يكون صحيحاً..لكنه تظاهر بالمرح..و هو يجلس على ذراع مقعد أبيه..و يضع ذراعه عل كتف أبيه فى مودة..قال هامساً بحنو:
- و من قال أننى لم اتذوق الحنان؟..و عندي أحن أب فى العالم!
- أتذكر طنط"تحية"؟..لقد أصبناها بالجنون!
أتلفت إليه ابوه مندهشاً..سأل:
- كيف تذكرها أنت ؟!..لقد كنت فى الرابعة حين طلقتها!
- لا أتذكرها جيداً..كل ما أتذكره هو يديها ذات الأظافر الملونة بطلاء أحمر فاقع..و و وجهها المحتقن..و عيونها المنتفخة بالبكاء!
و عبارتها المستنكرة ،التى كانت ترددها فى كل مناسبة..هل تظن أنك أنجبت ولداً؟..إنه شيطان!
- يبدو أننى كنت شقياً جداً فى ذلك الوقت!
هز رأسه نافياً..قال:
- كنت طفلاً بريئاً مثل باقى الأطفال..لكنها لم تستطع أن تكون أماً لك!
- يوماً أخراً لا أستطيع نسيانه..كنتما تتشاجران بسببي كالعادة..ثم تطورت المشاجرة بسرعة..و قررت طنط"تحيه"الذهاب إلى بيت أبيها-كانت أخر مرة أرها-بعدها حدث الطلاق!
- وقتها كنت خائفاً جداً!..فبشكلاً ما كنت أظنك غاضباً مني..و كنت خائفاً من أن تعود"تحية"..و من ألا تعود فعاقبني أنت.. و فجأة بدأت أبكى بصمت!
- عندها أحتضنتي بحب ..طمئنتني و طيبت خاطري..و مسحت دموعي بأصابعك..كما أفعل أنا الان!قالها و هو يمسح دمع والده الذى غلبه التأثر ..
- سألتك هل أن غاضب مني.. فقلت لي..بل غاضب منها ومن نفسي أكثر!.. لقد تزوجتها من أجلك..لأجد من تعتني بك فى غيابي..و من أجلك سأطلقها!
*******
"حمداً لله على سلامتك يا أبى"قالها"على"لوالده الذى تفاجئ لمرأه..رد عابساً:
- الله يسلمك!
- هل من الممكن أن أتكلم قليلاً مع حضرتك؟
- لا !
سأله"على"بدهشة:
- لماذا يا أبى ؟
- مزاجي ليس رائقاً!
قال"على" بتوسل:
- ارجوك أن تسمعني لأجل خاطري..فليس لدي الكثير من الوقت..يجب أن أعود للوحدة خلال ساعتين!
- أنت تعرف أن موعد أجازتي لم يات بعد.. لكنني استأذنت من المقدم"رأفت"لأستطيع المجئ إليكم!
سأله"أمين"بضجر:
- و ما هى الضرورة المحًلة التى دفعتك للمجئ؟!
- لقد أخبرتني أمى أنك تريد أن تنفصل"ضحى"عن زوجها..قالها"على"مباشرة..قبل أن يضيف فى تساؤل حائر:
- لماذا يا أبى؟!
ألتفت"أمين"لزوجته التى كانت حاضرة و تلتزم الصمت منذ البداية..و صاح بها مستنكراً:
- هل شكوتيني لولدي؟!
ردت فى قنوط:
- و هل لدي من أشكو له-من بعد الله- سواه؟!
هتف"امين"بغضب:
- تعنين أنني ظالم!
قال"على"محاولاً تهدئته:
- عفوك يا أبى ليس هذا ما قصدته أمى بالتاكيد!
رد"أمين"بغلظة:
- بل هذا ما تقصده أنت و أمك!..أتدري شيئاً؟..لا يهمني رأيكما!..إنها أبنتي..و سافعل ما أراه صواباً لها !
- لكن أمي تقول ان"ضحى" لا تريد الطلاق!
غمغمت أمه فى ألم كبيرمؤمنة على كلام"علي:
- لقد تبدل حال المسكينة..لم تعد تأكل او تشرب،أو تنام!
غمغم"أمين"بجفاء:
- إنها طفلة حمقاء لا تعي مصلحتها!..
ثم ألتفت ل"على"مضيفاً بتسؤل مستنكر:
- هل تعلم أن"احمد"و أبيه أيضاً..لا يجدان غضاضة فى طلاق أختك..بشرط إستعادة كامل المهر الذى دفعه المحروس زوجها!
سأله"على"بصوت مخنوق:
- و لماذا يتم الطلاق اصلاً؟!
- أين هى"ضحى"؟..لماذا لا أراها؟!..سأل"على"فاجأبت امه بسرعة..و هى تنظر ل"أمين"لائمة:
- إنها فى حجرتها التى لم تعد تغادرها..لقد صارت كالوردة الذابلة..منه لله من كان السبب!
كذا تكلمت الأم..قبل ان تفتح"ضحى"- التى سمعت مناقشهم المطولة-لتخرج إليهم..و بالرغم الشحوب و الأرهاق البادي على وجهها..بدت فاتنة الجمال..و قد علت وجنتيها حمرة- من شدة الإنفعال..و ألتمعت عيناها ببريق آخاذ..
سألها"على"بلهفة و قلق :
- ماذا حل بك يا أختى؟!
- قولي رأيك بصراحة أمام أبى..و لا تخشي شيئاً..سأقف بجوارك و أدعمك قرارك!
نظر له ابوه شذراً..بينما تعلقت عيني"على"و امه بشفتي "ضحى" المتشققتين من الجفاف ..ينتظران ردها- المعروف سلفاً -و أخيراً تكلمت"ضحى"و كان كلامها مفاجئاً و صادماً للجميع ..
و بلا إستثناء!
يتبع
العروس الجزء 3 كلمة حق
احتضنت"إبتسام"ابنتة خالتها و صديقة عمرها"ضحى"قبل أن ترسلها..و تتطلع لعودها الناحل فى قلق..سألت فى جزع:
- ما بك يا"ضحى"؟!..لماذا هاتفك مغلق؟و ما هذا الذى يفعله عمي"أمين"؟!..
سألتها"ضحى"فى شك:
- ألم تخبرك أمى؟!
ردت"إبتسام"نافية بإندهاش:
- بل لم تتحدث معي أصلاً !..فتحت لي الباب و قد بدت مرتبكة مصدومة ..و حين سألتها عنك..غمغمت بكلام غير مفهوم..و أشارت إلى حجرتك!
قالت"ضحى"بنبرة محايدة:
- لقد تقدم لأبى رجل أخر يريد أن يخطبني..لهذا طلب من"أحمد"أن يطلقني!
صاحت"إبتسام" مصدومة:
- ما هذا الجنون!.. و أنت كيف تستسلمي على هذا النحو؟!..إنها حياتك أنت ..و ليس من حق أحد ان يعبث بحياتك على هذا النحو!
ردت عليها"ضحى"بابتسامة مرة..
- و هل لي رأي من الأساس حتى تسأليني؟!..فليفعل أبى ما يحلو له!
هتفت"إبتسام"مغتاظة من سلبيتها:
- فقط قولي لأبيك لا..أنا أريد"أحمد"،و أنا واثقة أن عمي"أمين"ستراجع عن قراره..
سألتها"ضحى"فى بلادة:
- و لما؟
سألت"إبتسام"فى حيرة:
- ماذا تعنين؟
ردت"ضحى"سائلة فى لا مبالاة:
- و لما يجب ان أفعل هذا؟
- من اجل زوجك..من أجل الرجل الذى أخترتي ان تتزوجيه عن حب و إقتناع!
- عن إقتناع ربما..لكن ليس عن حب!قالت"ضحى"ببرود..فسألتها"إبتسام"بإستنكار:
- لماذا قبلت أن تتزوجيه إذاً؟..إن لم تكونى تحبيه!
هزت"َضحى"كتفيها فى إستهانة:
- شاب وسيم ..و متعلم..و لديه شقة و ،وظيفة تدر عليه دخلاً معقولاً..كان عريساً مناسباً..فوافقت عليه..مثلما يفعل الجميع..!
هتفت"إبتسام"سائلة فى حنق:
- فقط؟!
ردت"ضحى"ببرود مستفز:
- ليس هذا بالقليل كما ترين!..كما قلت لك..كان عريساً مناسباً..لكنه لم يعد كذلك الآن بعد ان ظهر"حاتم"!
-"حاتم"؟!غمغمت"إبتسام"مصدومة..فردت صاحبتها فى تحد:
- أجل"حاتم"..إنه أوسم من"أحمد"و لديه شقة أفضل..و سيارة باهظة..و طفقت تعدد مزاياه التى بهرتها و بهرت أبيها من قبل..قبل ان تضيف بلهجة حالمة:
- كما أنه يعمل فى مجال الأعلانات..و يمكنه أن يخرج لى أعلان أو فيديو كليب..يفتح لى أبواب الشهرة و الثراء!
قالت"إبتسام"فى يأس:
- يبدو أنه لا فائدة ترتجى من الكلام معك!..لكن إلا تتذكري حتى حين ضحى"أحمد" بفرصة للعمل بفرع الشركة بالسعودية براتب أعلى..حتى لا تبتعدي عن أهلك؟!
قالت"َضحى"معاندة:
- هذا سبب أخر يجعلني أرفض الإستمرار معه..لقد تخلى عن طموحه من أجل إعتبارت حمقاء!..كما أنه قدم هذه التضحية لأمى..و أنا لا أحب من يتخلى عن فرصته فى الترقى!
ألتقطت"إبتسام"حقيبتها..قبل أن تقول بضيق:
- ما دام الأمر كذلك..فلتفتحي هاتفك ،و تتصلي ب"أحمد"لتخبريه بقرارك..لقد جائنى بالمحل الذى أعمل فيه ..و طلب إليّ أن أسألك إن كان يرضيك ما فعله والدك!..المسكين مازال يظنك مجبرة!
غمغمت"ضحى"بصوت متغير-كأنما ضايقها-أن تحدث"أحمد"مع صاحبتها فى شئونها الخاصة:
- "أحمد"من أخبرك!..و هل يظنك ولية أمري؟!..أنا سأعرف شغلي معه!
- سأتصل به و أخبره بنفسي..ثم أضافت لتغيظها:
- و لو كان يعجبك إلى هذا الحد..فسأخلي لك الطريق..بل و يمكنني حتى أن أزكيك له..لا يهم..فليست أول مرة تلبسين فيها من دولابي!
صاحت بها"إبتسام"بتسؤل مستنكر:
- و هل تحسبين زوجك ثوباً زاد عن حاجتك،ستعطيه لي؟!
ردت الأخيرة ببرود:
- لا أعتبره ثوباً بل حذاء ضيق ..لا يناسبني.ولن أجد أفضل منك ليأخذه..فأنت أفضل أصدقائي!
******
-"أحمد"؟!غمغمت أم"ضحى"بالكلمة بحرج شديد..و هى تتمنى أن تنشق الأرض،و تبتلعها..
- كيف حالك؟سأل"أحمد"بصوت مهموم..فأجبت بحرج:
- حمداً لله على كل حال!
نظر"أحمد"لحقيبة السوق فى يدها..قبل أن يسأل:
- هل أنتهيت من التسوق؟
- أجل..إننى فى طريقي إلى المنزل..
- أريد أن أوصلك،و نتحدث قليلاً.. هل تمانعي؟..
و قبل أن ترد قبض على الحقيبة..و أخذها من يدها..بينما غمغمت هى فى حرج:
- لا داعى لأن تتعب نفسك!
قال بوجه جامد:
- لن يتعبني حمل حقيبة كهذه..خاصة أن ما فيها قد تم شراءه بمالي!
صمتت أم"ضحى"فى مذلة..و بعد ما ساروا بضع خطوات..قالت فى تردد و وجهها يحترق من شدة الخجل:
- لا أدرى ماذا أقول لك..إننى أتمنى أن..أن تنتهى تلك المشكلة،و تعود الأمور طبيعية بينك و بين"ضحى"..أنت تعلم طيش الفتيات فى هذا السن..لكننى واثقة إنك إن تحدثت معها فسوف.......
توقف"أحمد"قبل أن يضع يده فى جيبه..أخرج دبلة ذهبية لامعة ..كان دبلة"ضحى"!..قربها من وجهها لتراها..قال بسخرية حزينة:
- لقد قابلتها،وتحدثت معها!
أصابتها الصدمة بدوار مفاجئ..غمغمت فى حزن ،وحرقة الدموع تغزو عينيها:
- أنا آسفة!
- لا تأسفي على شئ..أننى بخير تماماً..سأكون أفضل من دونها!
- لقد عرضت عليها أن تحتفظ بهذه..فلا حاجة لى بها!..فقط أريدها أن ترد المهر و باقى الشبكة..فلم أخطبها بدبلة- كما تعلمين-لكنها قالت أن مالي بحوزة أبيها..و هو- كما تعلمين- لا يريد أن يرده لي!
صمتت محتارة لا تدرى بما ترد عليه..بينما قال"أحمد"فى كياسة:
- أعرف أن ما حدث لا يرضيك..لقد حكى لى "على"..كما أخبرني بأن أبيه طرده لأنه تجادل معه..لأنه يريد فسخ العقد و الإحتفاظ بالمهر..لهذا أريدك أن تساعديني..
*****
أشتمت أم"ضحى"رائحة الحريق فانتبهت على أحترق البصلة فى حلة الطعام على الموقد..حاولت التخلص من البصل الملتصق بقعر الأناء،بحكه بملعقة، و هى تلوم عقلها الشارد..و تغمغم فى ضيق:
- سامحك الله يا "أمين"!
و أنفتح الباب فى نفس اللحظة..و دخل"أمين"..كأنما سمعها تذكره فجاء على السيرة!
لم يلق عليها السلام - رغم أنه رأها-..بينما خرجت متثاقلة من المطبخ لتقابله..قالت بفتور:
- عدت مبكراً اليوم!
نظر لساعة الحائط مستغرباً..قبل أن يقول بجفاء :
- أنه موعدي المعتاد!..ما رائحة الحريق هذه؟!سأل "أمين"مستغرباً..
- و أين الغداء؟!
- لقد قابلت"أحمد"فى السوق!
رد "أمين"سائلاً فى ضيق:
- و هل هذه أجابة سؤالي؟!
قالت بوجه جامد الأسارير:
- ألا تريد أن تعرف ماذا كان يريد؟..آه..لقد نسيت!..أنت تعرف ماذا يريد..
- لكن هل تعلم أنه سيشكوك أنت و ابنتك فى المحكمة؟!
جز "أمين"على نواجذه فى عزم..قال فى تحفز:
- لن يحصل على شئ..و تأكدي أننى سأعمل على أن يخرج خاوى الوفاض،بعد أن يخسر القضية!
قالت أم"ضحى"لتغيظه:
- لن يخسر.. لأن الله مع الحق!
- لقد طلب إلي أن أشهد معه فى المحكمة..
هتف مستنكراً:
- آمل أنك تصرفت بعقل،و رفضت طلبه!
لم تكن- فى الحقيقة-قد قطعت برأى..لكنها هتفت معاندة:
- لا لم أرفض..و إذا دعانى للشهادة معه فسأشهد بالحق!
هتف "أمين"بغضب:
- تشهدى ضدي و تضيعي مهر ابنتك..حقها؟!
- أفق يا زوجي!..أبنتك مالها حق فى هذا المال..مادامت لا تريد زوجها..فلا حاجة لها بماله!
- لم أر أماً تقف ضد مصلحة ابنتها مثلك!صاح مستنكراً..قبل أن يضيف بلهجة متغطرسة:
- سأطلقك..و لن أجعلك تري أبنائك..يمكنك أن تنسي أن لديك أولاد-بإستثناء-"على "فهو لم يعد ولدي بعدما صفع"ضحى"أمامي من أجل"أحمد"..
قالت الأم مصححة:
- بل من أجل حق"أحمد"الذ...
قاطعها "أمين"فى ضجر:
- ليكن..أعتبريني رجلاً ظالماً..لقد طردته و لن يدخل هذا البيت ما دمت حياً..و أنت ستلحقين به لو لم تتعقلي و تحافظي على بيتك!
******
"ما حكاية"أحمد"؟"سألت أم"إبتسام"ابنتها بتشكك:
- ما به؟!ردت"إبتسام"متصنعة الدهشة..بينما قالت أمها لائمة:
- أنت تعلمين ما به!
قالت"إبتسام"بتبرير متخاذل:
- لقد كنت أساعده فى مشكلته!
سألت أمها بشك:
- و هل يستدعى ذلك أن يحدثك على الهاتف كل يوم؟!
و قبل أن ترد"إبتسام"قالت أمها بلهجة قاطعة:
- على كل حال ،فقد انتهت تلك المشكلة فيما أرى..لا داعى أذن لأن يحدثك كل ليلة!
تطلعت"إبتسام"لأمها بفضول..يبدو أن أمها تعرف شيئاً لا تعرفه هى..و بينما هى تسأل نفسها ما الذى جد..أضافت أمها:
- لقد قرر"أحمد"أقامة دعوة قضائية ليسترد ماله..و قد طلب من خالتك الشهادة معه!
قالت"إبتسام"بتقرير:
- أجل لقد أخبرني أنه سيفعل..لكن هل وافقت خالتى على طلبه؟!
نظرت لها أمها فى دهشة قبل أن تقول فى لوم:
- إن هذا لا يعنيك كما أنه لا يعنيني!..لقد قالت أنها تفكر!..ربما كانت لديها أعتبارات تمنعها من الشهادة..لكن لو كنت فى مكانها لما ترددت فى شهادة الحق.
- و هل يستدعى الأمر تفكير؟!سألت"إبتسام"نفسها بحزن-ففى رأيها-كان من الواجب أن تشهد خالتها مع"أحمد"لكنها- الخالة-و رغم طيبتها الشديدة،و نقاء ضميرها..ليست حازمة،و قوية الشخصية كأمها..تعلم يقيناً أنها ستتردد..و تضيع فرصة"أحمد" الوحيدة فى أسترداد حقه..و قد أحزنها ذلك كثير!
و أعترفت فى قرارة نفسها أنها قد بدأت تميل ل"أحمد"..لكن شيئاً فى أعماقها صاح بهلع..كلا بالطبع أنت فقط تشفقي عليه بسبب ماحدث!.. ثم عادت لتكذب نفسها ..فكيف أذن زينت له عروسه منذ أيام و هى طائرة من الفرح..لو كانت تحبه حقاً لما فعلتها!
..أجل عروسه المتمردة الطماعة!..أغرب ما فى الأمر أنها ابنة خالتها..و صديقتها المقربة منذ الصغر..بل إن بينهما شبه كبير فى ملامحهما الشكلية..لكن ليس بينما تقارب فى الطباع..بينما هى سارحة فى كل هذه الأفكار و التخيلات..باغتتها أمها بصفحة معنوية أليمة..حين قالت:
- أعلم أن أمره يهمك..لكنه لا يصلح لك!
غمغمت"إبتسام"بصوت خفيض من الخجل:
- من تقصدين؟
ردت أمها لائمة:
- تعرفين من أقصد!
-"أحمد"قد خرج للتو من صدمة كبيرة..و يبحث عن مسّكن ينسيه أوجاعه..و لن تكون ابنتي هذا المسّكن..لن أسمح أن يتلاعب أحد بمشاعرك ..و يؤلم قلبك..حتى و لو من غير قصد..
فكرت"إبتسام"فى أن هذا الكلام قد فات أوانه..فقلبها يؤلمها الآن بالفعل..يؤلمها بشدة!
فربما كان"أحمد"- لا أرادياً- قد أستبدل"ضحى"بها..لأنها تشبهها فى الشكل..أو ربما أسوء!
..ربما يريد أن ينتقم من حبيبته السابقة بها،أو فيها!
و جرت دمعة لاهبة على وجنتها.. هبطت تحفر أخدوداً من الألم فى قلبها الغض البرئ.
رن عليهما صمت ثقيلاً يكسر الظهر..قبل أن يرن هاتف"إبتسام"ليقطع السكون ..أنتفض جسد"إبتسام"حينما رأت رقم"أحمد" يضيئ الشاشة..بينما ألتقطت أمها الهاتف لترد بدلاً منها!
- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
- أجل..أنا لست"إبتسام..أنا والدتها.
- أعرف من أنت..و لكن هل تعتقد أنه من المناسب أن تكلم فتاة فى هذه الساعة؟
- أجل..أعرف أنك شاباً محترم و لن تحاول الأتصال مجدداً بهذا الرقم..
- مع السلامة!
- لن يتصل مجدداً..هذا أفضل لك وله!
قالتها أمها و هى تغلق الهاتف..بينما ينتفض قلبها بين ضلوعها كالطير الذبيح..يرقص رقصة الألم الأخيرة..
- لماذا يا أمى؟سألت بغير صوت..و هى تبكى بلا دمع..
كانت مقتنعة أن أمها محقة فى أغلب ما قالت..إن لم يكن كله..لكنها تمنت أن يعود الزمن لتلك اللحظة التى خفق فيها قلبها الشهيد بالحب..و يتوقف هناك..لا تريد من الماضى و الحاضر و المستقبل سوى تلك اللحظة الفريدة..
لكن الزمان لا يعود للأسف!
*****
"القضية رقم1327 أحوال مدنية المنظورة أمام محكمة الأسرة لعام2019"صاح حاجب المحكمة..قبل أن يضيف :
أنعقدت الجلسة بحضور المدعى و المدعى عليه..و قد تقرر اليوم الإستماع لأقوال الشهود.
سأل القاضى محاميا الطرفين:
- هل الشهود موجودون؟
قال محامى"أمين" المدعى فى ثقة:
- لم يحضرأحد حتى الآن..واثقاً سيادة الرئيس أن المدعى عليه يحاول إضاعة وقت المحكمة،وليس لديه شهود!
رد محامى"أحمد"بتردد و لهجة متوترة:
- أرجو أن يتسع صدر المحكمة قليلاً..فلدى الشاهد ظرف خاص قد يمنعه من الحضور اليوم!
- صاح محامى"أمين"فى إنتصار:
- أرأيت سيادتك؟!..القضية واضحة لا لبس فيها..لكن المدعى عليه يحاول المماطلة كى لا تحصل نجلة موكلي على الطلاق!
قال"أمين"بلهجة تمثيلية متقنة:
- لم أكن أتصور أننى سأقف هذا الموقف أبداً..ثم أضاف بصوت متألم لائماً"أحمد":
- لماذا كل هذا العناء يا ولدي؟..لما لا تأخذ المهر الذى دفعته و تطلق ابنتي دون فضائح!
أضاف بتعاسة كمن أعيته الحيلة:
- إننى أحمل المال فى جيبي..هل يمكنك أن تأخذه و تطلقها؟!
- أجل..و هل تحمل معك ستين ألفاً من الجنيهات؟!سأل"أحمد"بصوت أختلطت فيه الدهشة بالحنق..فترنح"أمين"مبدياً صدمته..
سأل بصوت خفيض:
- ستون ألف!..لو كانت معى لدفتعها لك..مقابل أن تترك أبنتي المسكينة التى دمرتها..تصور!..كنت سأعطيك مكافأتك!..لكننى لا أملك هذا القدر الكبير من المال!
قال القاضى فى تقرير:
- لقد أدعى المدعى عليه أنه قد دفع ليدك مهراً يقدر بستين ألفاً من الجنيهات فى ظرف أبيض.
- أعلم ما قاله المدعى عليه..و لا أعلم لما هو مصراً على الكذب؟!قالها"أمين"و قد أحتقن وجهه و عينيه فى تأثر،و بدا موشكاً على البكاء..أخرج الظرف الأبيض من جيبه بيد تهتز..و وضعه أمام القاضى..قال بتنهيدة متعبة:
- هذا هو الظرف..به ألف جنيه مصري..المهر الذى طلبته من زوج ابنتي..كان لديه الكثير من المصاريف فى تجهيز شقة الزوجية..و رغم منزلة ابنتي عندي لم أرهقه بمهر أو شبكة!
مسح"أحمد"عى وجهه المحتقن-غيظاً- بيده..قال محنقاً:
- أنت ممثل بارع..لقد كدت أصدقك!..لكنك تعلم أنك كاذب..
قال محامى"أمين"فى كياسة:
- أنت من عليه أن يثبت إدعائه..لقد أوضح موكلي حسن نيته برد المهر المثبت فى عقد الزواج..بينما تدعى أنك قد دفعت مبلغ ستين ألفاً..فأين شهودك على ما تزعم؟
تدخل محامى "أحمد"معترضاً:
- أنت تعلم يا زميلي العزيز صورية المبلغ الذى يكتب عادة فى قسيمة الزواج!
سأله القاضى:
- و هل لديك ما يثبت زعم موكلك؟.. إيصال أمانة أو شيك..أو حتى أتفاق صوري؟
هتف المحامى بسرعة:
- لدى شاهد سيادة الرئيس..لكنه لم يستطع الحضور لظروف قهرية..لهذا أطلب التأجيل.
هتف"أمين"بثقة:
- لن يحضر الشاهد..لأنه غير موجود أصلاً!..ثم أكمل ،و هو ينظر ل"أحمد"مستعطفاً:
- ألا يمكنك على الأقل مراعاة صداقتى لوالدك..أن تشفق علي و ترحمنى!.. ترحم ضعف رجل فى عمر أبيك..و تنهى هذا الموقف السخيف!
- ليس ذنبي أننى وثقت فيك..و زوَجتك أبنتي الأثيرة إلى نفسي..أبنتي البريئة التى لم تعرف سواك..بينما أنت تغرر ببنات الناس ،و كل يوم مع صاحبة جديدة..أتق الله فى شبابك!
صرخ"أحمد"فى حنق:
- أتق الله أنت أيها المخادع!كيف نبتت تلك القصة الهابطة فى عقلك أساساً؟!..ما كل هذا الكذب و التخريف؟!
ثم ألتفت للقاضى..قال مدافعاً عن نفسه بلهجة يائسة:
- إنه يكذب يا حضرة القاضى!..حتى والدي..صديقه - كما يزعم - طلبت إليه ألا يحضر..لأن طبيبه أنبأنى أنه مهدد بالأصابة بذبحة صدرية إذا تعرض لإنفعال زائد..ضجت قاعة المحكمة بتعليقات الحضور..بينما "أحمد"يضيف بصوت عال محاولاً التغلب على الضجيج:
- لقد أصيب أبى بجلطة قلبية منذرة بعد الجلسة السابقة!
خبط القاضى بيده على المنصة هاتفاً:
- هدوء فى قاعة المحكمة!
- يمكنني أن ألزم شاهدك بالحضور بأمر من المحكمة..إن كان لا يريد الحضور.
قالها القاضى ل"أحمد"..عندما دوى صوت يهتف من أخر القاعة:
- لا داعى لذلك يا سيادة الرئيس..لقد جاءت للشهادة طواعية!
أختفت الأبتسامة الظافرة من على وجه"أمين"..و أستدار بإلتفاتة حادة إلى مصدر الصوت..قبل أن يهتف مستنكراً:
- أنت؟!
يتبع
العروس الجرء 4 (عقاب ألهي)
- لا داعى لذلك يا سيادة الرئيس..لقد جاءت للشهادة طواعية!
ألتفت الحضور نحو الجندى الشاب الذى دلف إلى قاعة المجكمة بلبس الميدان هاتفاً بالعبارة السابقة..وقد سرت بينهم همهمات عالية..تحولت إلى ضجيج حين هتف"أمين" مستنكراً:
- أنت؟!
فلم يكن الجندى الشاب سوى أبنه البكر"على"..كان متفاجئاً بحضوره..بعدما ظن أن القضية قد حسمت لصالحه -خاصة- أنه كان متأكد من زوجته أم"على"لن تجرؤ على الحضور- على غير رغبته- تبادل همسة متوترة مع محاميه..بينما سأل القاضى"علياً":
- أنت الشاهد؟!..لن أسألك لما تأخرت فى الحضور..فالسبب واضح من الزى الذى ترتديه!
- تقدم للمنصة و عرّف نفسك.قالها القاضى بلهجة رقيقة..بينما تقدم"على"نحو المنصة شاعراً بالإرتباك..لملاحظته شغف الحضور بدخوله الدراماتيكي المفاجئ..
- أسمك و سنك و مهنتك؟
رد"على"بصوت يغلب عليه الإنبهار:
- "على أمين محمد رزيق"..22 سنة..جندى مشاة أخدم فى واحة سيوة.
قال القاضى بإعجاب:
- يعنى هذا أنك قضيت ما يقرب من عشر ساعات فى الطريق!
رد "على"بصوت يفيض بالرهبة و الإحترام:
- تسع ساعات و عشرين دقيقة..لقد خرجت من الوحدة فى الثالثة صباحاً..لأتمكن من الحضور فى الموعد..
و قبل أن يتكلم أحدهم مجدداً..قال"أمين"بوجه مكفهر،و عينين مظلمتين:
- أجل..ف"الكيف" يذل صاحبه !
سرت همهمة متسائلة بين الحضور عن معنى كلمات"أمين"الغامضة..فوجدها فرصة طيبة ليضيف بصيحة متألمة محدثاً "على":
- يا خيبة أملي فيك!
أختطلت الأصوات و أزدادت أرتفاعاً..بينما رفع"أمين"يديه فى ضراعة..قال بصوت جهوري و أداء مسرحي مرتجل:
- كيف تبيع أبيك وأختك من أجله؟!..كل هذا من أجل جلسة حشيش!
أضاف عبارته الأخيرة ناظراً للحضور..و قد تصاعد أدائه..و أرتفعت ذراعه الممدوتان نحو السماء..كأنه يوسف وهبى يستنزل اللعنات على أبنه العاق..حتى توقع الناس أن يقول بقنوط:
- أغرب عن وجهي يا عدو الله!
هتف"على"بإندهاش و حرج:
- أنا يا أبى؟!
لم يرد أبوه..بل إمعاناً فى الإندماج..تهاوى عى مقعده مهزوماً..و أرتسمت على وجهه علامات الحزن العميق و التعاسة..بينما هتف القاضى بحسم آمر:
- هدوء فى قاعة المحكمة!
هدأت الدمدمات المختلطة - و ما كادت تخمد - حتى توجه محامى"أمين"للمنصة..قائلاً:
- ألتمس من سيادة الرئيس إستبعاد شهادة هذا الشاهد..لأنه ليس شاهد عدل!
رد القاضى بحسم:
- تجوز شهادته ضد والده..و المحكمة لا ترى بأساً فى الإستماع للشاهد..و بعدها يمكننا البت فى القضية خاصة أنه الشاهد الوحيد..
تعالت الهمسات من هنا و هناك..حتى أن القاضى خبط بيده..هاتفاً:
- الصوت!
- تقدم يا"على"لحف اليمين..
و بعدما ردد"على"القسم الذى لقنه القاضى أياه..سأله:
- هل رأيت أباك و هو يتسلم مهر أختك و زوجة المدعى عليه؟
- أجل يا سيدى!
- كم كان يبلغ ذلك المهر؟
رد"على"بثقة:
- ستون ألف جنيه..داخل ظرف أبيض مغلق!
عاد القاضى يسأله..متجاهلاً الهمهمات المتوترة التى سرت بين الحاضرين:
- و هل رأيت الستين ألفاً مبلغ المهر بعينيك؟!
- لا!..لقد كان المال فى الظرف و لم يفتحه أبى أمامنا..
****
عاد"أمين"و هو يكاد ينفجر فخراً..فقد ربح القضية..و أستطاع أخيراً..أن يتخلص من"أحمد"دون أن يرد له ماله..و قد أعتبر هذا نصراً مؤزراً..و أتسعت أبتسامته الظافرة..حين تذكر كيف ظن أنه سيخسر القضية - بسبب شهادة"على"- لكن القاضى حكم لصالحه فى النهاية..لأن"على" الأخرق أقر بأنه لا يعلم - يقيناً - كم كان المهر..لتعود الكرة لملعب أبيه..و قد أستطاع أن يحرز هدفاً..بل هدفين!
فتح"أمين"باب شقته..عندما سمع"شروق"تنهنه بالبكاء بقلب مفطور!
لابد أن"مصطفى"الوغد قد ضربها،أو حطم ألعابها..كذا تصور"أمين"و تضايق بشدة..
- صبراً أيها الشقى..سوف ألقنك درساً قاسياً!
كان صوت البكاء المكتوم يأتى من وراء الأريكة الموجودة بالصالة..نادى بصوت مرتفع..و هو ينظر وراء الأريكة:
- أين أنت يا"شروق"؟..فلتخرجى و لا تخا....
و بتر عبارته فى حيرة..فقد وجد المختبئ وراء الأريكة"مصطفى"نفسه!
سأله بلهجة تشابك فيها الغيظ و الدهشة :
- لماذا تبكى يا"مصطفى"و أين"شروق"؟!
و لم يدم تساؤله طويلاً فقد وجد "شروق"منزوية فى ركن الصالة تبكى بصمت..و قد أحمر أنفها و عينيها..
- لابد أن مصيبة ما قد حدثت..ترى هل ماتت أمهما؟!
سأل الطفلين بقلق:
- ماذا حدث يا أولاد؟!
هتف"مصطفى"بصوت مختنق بالبكاء:
- "ضحى"مريضة للغاية يا أبى..أمسكت بطنها و ظلت تصرخ..إنها تتألم بشدة!
و قبل أن ينبس ببنت شفة..خرج الطبيب من حجرة"ضحى"بصحبة أمها الباكية المحزونة..أندفع يسأل الطبيب الكهل بقلق:
- ما بها ابنتي؟!..هل هى بخير؟
- خيراً بأذن الله..لكن يجب أن نجرى لها بعض الفحوص أولاً..حتى يمكننى تشخيص الحالة على نحواً دقيق..
قالها الطبيب بوجه عابس و لهجة مهتمة..فسأله"أمين"بقلق و أضطراب:
- بماذا تشك يا سيدى الطبيب؟!
****
- آنسة"إبتسام"..ممكن كلمة لو سمحت؟
ألتفت"إبتسام"المندهشة لصاحب العبارة.."كان أحمد"..دق قلبها فرحاً،وتورد وجهها فى حياء..فلم تكن قد رأته أو سمعت صوته..منذ طلبت إليه أمها ألا يتصل بها.. أنقبضت نفسها بضيق مفاجئ حين تذكرت لهجة أمها الصارمة..و لم تدر كيف تعتذر منه..
- أرجو ألا أكن قد ضايقتك بحضوري ..
ردت بسرعة:
- كلا بالطبع!..أنا من تريد الإعتذار..عن..عن..تعرف ما قالته أمي لم يكن لا ئقاً....
أضافت بإرتباك:
- لم يكن ثمة داع لما قالت..لقد كنت تحاول إستعادة حقك و أنا كنت أساعدك..
سأل"أحمد"بخيبة أمل:
- فقط؟!
إضطربت ضربات قلبها،وتسارعت أنفاسها ،و بدت موشكة على الإغماء..و قد غاضت الدماء من وجهها..
هل ما فهمته الآن صحيح؟!
فقد بدت كلمته البسيطة تعبيراً عن مشاعر أكثر غوراً يكنها لها!
- هل أنت بخيريا إ..يا آنسة؟!سألها"أحمد"بقلق ملهوف..ردت بسرعة:
- أنا بحالة ممتازة!
بالمناسبة..ماذا حدث فى القضية؟
- لقد حصلت"ضحى"على الطلاق..و نجح أبوها فى الإستيلاء على المال!
شعرت"إبتسام"بالأسف لأجله..قالت بإحباط:
- إنها خسارة كبيرة!
رد"أحمد"بصوت هادئ:
- على العكس إن خسارة فتاة ك"ضحى"تعد مكسباً كبيراً..من خسر فعلاً هو خطيبها!
أشتعل وجه"إبتسام خجلاً..قالت متصنعة الدهشة:
- هل خطبت بهذه السرعة؟!..كيف عرفت؟!..هل رأيت خاطبها؟
رد"أحمد"بعدم إهتمام:
- لم أره..لكنه يستحقها كما تستحقه!..يقولون أنه عائد من السفر منذ أيام قلائل..لا يهم!
- لقد جئت لأخبرك أننى مسافر إن شاء الله..
- ستسافر!همهمت"إبتسام"بصوت لا يكد يسمع..بينما أضاف"أحمد":
- لقد أكتشفت أننى لم أعش حياتي على النحو الصحيح..شغلتنى دراستي العملية عن الإستمتاع بالحياة..تصوري أنه-حتى- ليس لدي أصدقاء!
- ليس لدي سوى أبى..
سألته"إبتسام"و هى تمنع دموعها من النزول بصعوبة..و قد أحمر أنفها وأختنق صوتها:
- هل سيسافر عمي معك؟
هز رأسه بالإيجاب..قال:
- لكن سيكون معنا ثالث..هذا إذا وافق طبعاً!
- و من هو ذلك الشخص؟!
و كان جواب"أحمد"مفاجئاً..فقد قال فى مودة ظاهرة:
- أنها أنت..إذا قبلتي أن تتزوجى بي!
******
عادت"إبتسام"إلى دارها و على وجهها أبتسامة حالمة سعيدة..لكن ما أن دخلت إلى المنزل حتى توترت فجأة!..فقد كانت أمها تتحدث فى الهاتف المنزلي مع خالتها التى كانت منهارة و تبكى..عرفت هذا لأن أمها كانت تقول لها مشفقة:
- حاولي أن تتماسكي يا"رحاب"..الأطفال يحتاجون دعمك!
- هى أيضاً..تحتاج لمن يواسيها و يشد من أزرها..
- فليكن أملك فى الله كبيراً.. لقد تقدم الطب كثيراً..
- كان الله فى عونك..مع السلامة!
سألت"إبتسام"فى قلق:
- ما بها خالتي؟
- ليست هى..بل"ضحى"..لقد أكتشف الأطباء ورماً ليفياً فى رحمها!
هتفت"إبتسام"فى إرتياع:
- يا الله!..كيف حدث لها هذا؟!..ومتى؟
- من خمسة أيام..فى نفس الوقت الذى ربح فيه أبوها القضية و أستولى على مال الشاب المسكين!
تفجرت إنفعالات"إبتسام"كلها عبر عينيها بدموع كالمطر المنهمر فى ليلة عاصفة..
لماذا الآن يا رب ؟..و هى طائرة بين السحاب تفاجئها تلك المصيبة!
ترى كيف حال"ضحى"الآن؟!..لابد أنها تحتاج لمن يقف بجوارها فى محنتها..و عزمت على عدم التخلى عنها..مهماً كان بينهم من مشاكل
- أنا ذاهبة إليها يا أمى..قالت"إبتسام"بصوت دامع..عندما صاحت أمها مستنكرة:
- هل جننتي؟!..كلا لن أدعك تذهبي..ليس بعد ما حدث!
هتفت"ضحى" سائلة بإندهاش:
- و ما الذى حدث يا أمى؟
-..أتفهم غضبك منها بسبب ما فعلت مع"أحمد"لكن..
قاطعتها أمها بصرامة:
- ليس بسبب"أحمد"..بل لأنها أهانتك عندما كنت فى بيتها..ألا تذكرين يوم عدت من عندها باكية منهارة..لقد أقسمت يومها ألا تطأ قدمك عتبة بيتها مجدداً.
شعرت"إبتسام"بالندم-لأنها-حكت لأمها تفاصيل مشادتها مع"ضحى"..قالت بخيبة أمل:
- لكنها ابنة خالتي ،وصديقتي المقربة و اعتبرها اختي..كيف اتخلى عنها فى محنتها؟!
- من لها غيرنا ليقف بجوارها فى شدتها ؟!
قالت امها بعصبية:
- ليساعدها ابوها الذي خرب بيتها و استولى على مال زوجها المسكين..ثم من أدراك أنها لن تظنك شامتة بها؟ !..
قالت"إبتسام"بصدمة:
- لا يمكن أن تظن"ضحى"ذلك ..فنحن بمثابة الاختين !
قالت امها باستنكار:
- أنت لا تعرفي كيف تفكر تلك المتعجرفة!
أردت "ابتسام" ان تعترض على كلام امها..لكنها كانت تعرف مدى صلابة رأيها فصمتت متظاهرة بالاستلام..لكنها قررت انها ستزور
"ضحى"دون ان تعلم والدتها.. انسحبت إلى غرفتها بضيق.. فهى لم تكن تفعل اى شئ دون موافقة والدتها..لكنها كذلك لم تكن تتخلى عن أصدقائها.. و "ضحى"بالنسبة لها ليست مجرد صديقة..و لا حتى قريبة عادية..انها بمثابة اخت لها..
فليسامحك الله يا أمي!
و أنت ايضا سامحيني..لأنني سأعصى أوامرك-لأول مرة-لكنك لم تتركي لي خيار!
******
-"ابتسام"؟!سألت "ضحى"بصدمة و اندهاش حينما رأت "ابتسام"..بينما احتضنها تلك الأخيرة في لهفة و حنان مشفق..
بكت"ضحى"بحرارة..و تركتها "ابتسام"تفرغ انفعالاتها على كتفها بينما هى تربت على شعرها الأشقر فى مودة..قالت"ضحى"
بمرارة:
- أرأيت ما جرى لي يا "ابتسام"؟..لقد قال الأطباء أ الورم فى حالة متأخرة و أنهم سيضطروا لاستاصل الرحم..
وضعت"ابتسام"يدها على فمها..تكتم صيحة مصدومة..و نزلت من عينها دمعة ساخنة.. بينما استرسلت كلمات"ضحى"النادمة المختلطة بدموعها
- لن أصير أماً أبداً يا"ابتسام"..أشعر ان الله يعاقبني على ما فعلته ب"أحمد "..
-ألا يوجد حل آخر؟!سألت"إبتسام"مصدومة..و قد شعرت بفداحة ذاك العقاب الهائل..و فكرت فى أن أبا"ضحى"يستحق العقاب أكثر منها..انها مجرد فتاة مسكينة..دمرها أبوها و جنى عليها قبل أن يجني على"احمد"..كانت راضية و سعيدة بزوجها..لكنه زين لها تركه و الإستيلاء على ماله-كأنه شيطان-و تمنت من الله ان يجازيه بأسوأ الجزاء
قالت"ضحى"بانهيار:
- لا يوجد أي حل سوى الجراحة و فى أقرب وقت!
ربتت"إبتسام"على شعر"ضحى" الأشقر..و ضمتها بقوة إلى صدرها،محاولة أن تحميها بجسدها من عدو وهمي..و هى تتمتم فى حيرة:
- لابد أن فى الأمر شئ خاطئ!
- قدر الله و ما شاء فعل يا ابنتي!
قالتها أم"إبتسام"..قبل أن تضيف فى قنوط:
- ربنا أسمه العدل..و نحن نستحق أن يعاقبنا على ما فعلناه ب"أحمد"..إن كنت مازلت على تواصل معه يا ابنتي..فأخبريه بأننا أستوفينا العقاب..و أطلبي منه أن يسامحنا!
أرتبكت"إبتسام"و لم تدر بما ترد على خالتها..فبشكلاً ما لم يكن متوقع أن تكون على أتصال ب"أحمد"..مما جعلها تشك أن خالتها قد علمت بشئ..لكنها عادت تطمئن نفسها بأنها هى نفسها لم تكن تتوقع أن يعرض عليها"أحمد"الزواج..حتى إنها لم تخبر أمها..و قد شغلتها صدمة مرض"ضحى"عن إخبارها..
- ليس الوقت مناسباً لهذا الكلام..قالتها "إبتسام"بلهجة مرتبكة..و هربت بعينيها بعيداً..فكرت أنه ستكون صدمة جديدة ل"ضحى"-إن علمت أن"أحمد"قد عرض عليها الزواج..
و بينما هى مشتتة لا تدري بماذا تتصرف أو تقول..دق أحدهم الباب..قالت"ضحى"بلهجة كسيرة:
- أدخل.
فدخل شاب يرتدى ملابس واسعة-كاجول- يحمل سلة أزهار أنيقة..خاطب"ضحى"بلهفة سائلاً فى جزع:
- ماذا حدث يا"ضحى"؟..كيف تدخلى المستشفى دون أن يخبرني عمى"أمين؟!
كان"حاتم"العريس الذى تقدم لخطبة"ضحى"منذ أيام..و الذى غمغم مرتبكاً حين رأي "إبتسام":
- معذرة يا آنسة لم ألاحظ وجودك من شدة قلقي على"ضحى"
تفحصته"إبتسام"بنظرات مزدرية..و هى تسأل نفسها مستنكرة:
- أهذا من تركت"أحمد" من أجله؟!
قالت متمهلة بلهجة بادية الضيق:
- لا عليك..لقد كنت أنتوي الذهاب على كل حال!
قالتها ثم حملت حقيبة يدها و انصرفت دون أن تهتم بتعريف عن نفسها لعريس الغفلة.فقط ألقت عليه نظرة عابرة وهى تغلق الباب خلفها..بينما هو يحدث "ضحى"بكلمات رقيقة..و صوت يشبه الهمس..هى تتذكر كلام"أحمد"عنه.. و فكرت كم كان محقاً فى ظنه..فهو-حاتم-ذاك يبدو-بالفعل- ناعماً..أملساً ..كالثعبان!
يتبع