قصص تليجرام

ألعاب صيفية



أقرأ أيضاً:سمك و جمبري و قطة

            أحلى حب


ألعاب صيفية(صيد السمك)الحكاية الأولى


جرى"عمار"يلاحق الطابة القماشية و هو يتصبب عرقاً..و قد كان الوقت ظهراً..بينما رفاقه -الأكبر سناً-يتقاذفونها بينهم بخفة

..كان يقوم بدور الكلب الحيران فهو أصغرهم سناً ..عمره لا يتجاوز الأربعة أعوام..و قد تعب من الجرى دون أن يقطع تمريرة واحدة..


-"عمار"!نادته أمه من نافذة صالة بيته المصنوع من الطوب اللبن كأغلب بيوت القرية..قالت بجد:


- فوت ع البيت..كام مره حكيت إلك ما تلعب والشمس حاميه؟!


تطلع لرفاقه و هم يواصلون اللعب غير عابئين ببقائه أو رحيله..ثم نظر إليها مستعطفاً:


- بلعب شوي كمان ..و بعدين بجي!


ابتسمت أمه..سألته مستغربة:


- و بعدين معاك يما!..بعدين الشر عنك بجيتك ضربة شمس..


عندها و كأنما أنتبه الأطفال-لأول مرة- لحديث "عمار"و أمه..توقفوا عن اللعب..قال"أحمد"و هو يضع يده على عاتق"عمار":


- احنا بنلعب هان فى الظله..خليه يلعب معانا كمان شوي..ألله يديمك يا خاله!


واندفع الأطفال يؤيدون أقتراحه بحماسة كبيرة..فقالت أم"عمار"مذعنة:


- ألعب حبه و بعدها بتجي من دون ما نادي عليك..


عاد"عمار"للعب..و هو يعرف أن أمه ستنشغل-كالعادة- ربما حتى العصر الذى أقترب- لو- كان محظوظاً..


عندما يعود الرجال من البحر- و معهم-أبيه..يجرى ليقابله هو و"زهيرة"أخته محتفلين بعودته

.يلاعبهما قليلاً..ثم يغتسل و يؤدي صلاة العصر..ثم يذهب-الأب- لينام..


بعدها يمكنه العودة للعب حتى المغرب دون مقاطعة..


بعدها يعود كل الأطفال لبيوتهم الطينية ،معتدلة الحرارة..

لتجتمع كل أسرة حول مائدة العشاء الذي سيكون سمكاً طازجاً-كالعادة-هو يحب السمك


-نعمة-كما دأب أبيه و أمه و جدته يكررون فى كل مناسبة..لكن أحياناً كثيرة كانوا يحرمون من هذه النعمة

.. فقد كان اليهود يمنعون الصيد فى البحر..كذا قالت أمه ذات مرة ..لكنه لم يعرف سبب المنع!


لكنه-على الأقل-لم يكن قلقاً بشأن عشاء الليلة..


و مازال لديه العديد من الألعاب المسلية ليلعبها مع أصحابه..بعد قليل ستخرج البنات ليلعبن بعد العصر..


و لربما أحضر"زيد"سحلية ليخيفهن بها بدلاً من تلك التى هربت منه بالأمس..


و بالتأكيد سيلعبون بعدها يا عمي وين الطريق و الغماية..و البنات يلعبن الحجلة و نط الحبل..


و أخته "زهيرة"التى لم تكمل عامها الأول تتفرج عليهن و هى تصفق مسرورة..


مازال أمامهم يوم حافل!


بعدها سيعود كلاً منهم إلى داره..و يحصل على حمام دافئ..بعد العشاء


كم يحب الاستحمام!


خاصة فى هذا الجو القائظ..يحب يدا أمه الحنونتين و هى تغسل جسمه الصغير و هى تغني له بصوتها الرخيم:


حدوثهْ بدوتهْ *** طلع الشيخ ع التوتةْ

والتوتة بدها فاسة *** والفاسه عند الحداد

والحدادْ بده بيضة *** والبيضةْ عند الجاجة

والجاجة بدها علَفِةْ *** والَعلَفِةْ بالطاحونةْ

والطاحونهْ مسكّرةْ *** فيها ميّةْ معكّرة


أقرأ أيضاً:جيراني وحوش

            العروس

***

".باااو""بانج."

توقف الأطفال عن اللهو فجأة..على أثر سماعهم دوي رصاصتين يتردد فى المكان..

اتسعت عينا"عمار"بدهشة..بينما قال"إبراهيم":

-هاد صوت رصاص!

تبادل الأطفال نظرة متوترة..ما الذى جاء بالرصاص إلى هذه القرية الهادئة؟!

و فجأة و من دون أتفاق جرى عدد كبيراً منهم كلاً على بيته..

***

على مقربة من هذه البيوت الأمينة وقف ثلاثة مجندين بزي الميدان..شبان نحيفان ..و فتاة خمرية ممتلئة الأرداف..يراقبوا الصبية اللاعبين

قالت الفتاة التى تدعى"ناعما"بحقد:

-هؤلاء الملاعين!..لماذا هم كثر هكذا؟

-اللعنة على نسائهم..إنهن ولودات كالأرانب!قال"أشكول"قبل أن يضيف بسخرية شبه غاضبة:

- لن أستغرب إن اتضح أن كل هؤلاء أنجبتهم أمرأة واحدة!

كانت هذه مبالغة منه بلا شك..فقد كانوا عشرين طفلاً

- ليس إلى هذا الحد يا زميلي!قالت"ناعما"دون أن تلتفت و هى تتطلع للأطفال وزميلها "هارون".ينظر إليها

و قد ضيقت عينين لهما لون العسل الجبلي..فبدت له عينيها ماكرتين كعيون الثعالب..فاتنتين مثلهما!

قالت فى حنق:

- ما أشد الحر هذا اليوم!

قال"أشكول"ساخراً:

- لماذا لم تحضري محجب الشمس خاصتك؟!

نظرت له بإشمئزاز واضح..بينما قال "هارون"لهما بتلك المسكنة التى يجيدها الصهاينة:

- ما باليد حيلة!..هم يوزعونا للعمل و المراقبة هذا الحر الشنيع..لأننا سفارديم!

ألتوي فم"أشكول"ببسمة ساخرة من كلام رفيقه ذى العوينات الزجاجية..لاحظتها"ناعما"في افتتان فهو من أصول مصرية كأبيها

.."أشكول"عنقود العنب..و هي تحب العنب و تحبه!

.. تحب نزقه و تعليقاته الساخرة-بل-و السخيفة فى كثير من الأحيان..فهى تمنحه مذاقاً لاذعاً كالحصرم!

كانت تحب الحصرم الذى يذكرها بطبيخ جدتها سورية الأصل..

بينما لا تميل لرفيقهما الثالث الشاعر مرهف الأحساس..يمني الأصل

قال الوغد"أشكول"بذات الصوت المشاغب:

- ما رأيكم أن نلعب مثل هؤلاء الأولاد؟

نظر رفيقيه للصبية العشرين الذين يلعبون بالكرة فى ظلال البيوت..سأل"هارون"مغتاظاً:

هل تريد أن نترك حراستنا و نعلب الكرة فى هذا الجو؟!..أنني لا أستطيع أن أفتح عيناي اللتان يحرقهما العرق!

رد"أشكول"بخبث:

- بل سنلعب صيد السمك..

- هل ترون هؤلاء الصبية؟سأل"أشكول"رفيقيه..قبل أن يضيف دون أن ينتظر أجابة:

- سيكونون هم السمك الذي سنصطاده!

- اللعنة!..إنها فكرة رائعة..هتفت."ناعما"بحماس و هى تكاد تصفق طرباً

قال"أشكول" شارحاً فكرته:

- سنتراهن على من سيصيب الطفل الأصغر.

جذبت"ناعما"إبرة ضرب النار فى سلاحها،و شرعت فى تهيئة السلاح للإطلاق عندما أمسك"أشكول"السلاح من يدها ..قال ضاحكاً:

- مهلاً يا"سالومي"!..هذا الرهان بيني و بين"هارون".

قالت"ناعما"فى غضب طفلة حرمت من لعبتها المفضلة:

- أجل..و أنا؟هل سأتفرج عليكما؟

هتف"هارون"-و قد-وجدها فرصة طيبة ليبدو بمظهر متحضر :

- أجل يا"أشكول"..لما لا تتركها تتسابق معنا؟..إن لها كامل حقوقها و واجباتها كمواطنة إسرائيلية!

قال"أشكول"بذات الإبتسامة الساخرة:

- لأنها هى الرهان نفسه! فالجائزة التى سيحصل عليها الفائز..قبلة من شفتيها الجميلتين!

- من حقي أن أراهن أنا أيضاً..لأنني سأفوز و جائزتي أن أجعلك تجلس على هذا!هتفت"ناعما"بحنق

و هى تصنع بأصابعها أشارة بذيئة ل"أشكول"الواقف بجواها

..لهذا لم يلاحظ"هارون"يد"أشكول"التى ربتت على مؤخرة"ناعما"..

و هو يهمس بشئ فى أذنها جعلها تتراجع خطوة للوراء،و قد غاض لونها!

تتطلع إليها"أشكول"ليطمئن إن كانت ستشكوه لقائد الوحدة-لكنه- قدر أنها لن تفعل -غالباً-فالجزاء سيكون من نصيب المجندة الشاكية

-ربما-تحرش بها القائد كذلك!

تابع بعينه اليمني..تحركات الصغار بالساحة..و باليسرى تتبع أم"عمار"من نافذة مطبخها وهي تروح و تجئ حاملة"زهيرة"على ظهرها.


.و الطنجرة بها الماء بين يديها..تضعها على الكانون..تلتقط عبلتي التوابل من على النملية العتيقة..تخرج من المطبخ ثم تعود..

و هى تتحدث مع الطفلة المستيقظة..

لم تكن تحادث الطفلة..

بل كانت تغني لها،و هى تبتسم بسمة حانية..

لم تكن تدرك أن شابين يقاربها بالعمر..يصوبان-الآن- سلاحهما الآلي نحو صدر و رأس أبنها البكر"عمار"!

سحبا إبرة ضرب النار..و أستعدا لإطلاق..

- الآن!

هتف"أشكول"و دوت رصاصتين!

 ***

دخل"عمار"منزله و قلبه يخفق كالطبل..كان يخاف من الرصاص..

و كيف لا يخاف منه و قد سمع أنه يقتل الناس!..

كما قتل سيدي"سمعان"صاحب المركب العجوز..لم يكن يعرف ما معنى "قتل"..لكنه بشكلاً ما كان يعرف أنه لن يراه مرة أخرى..

و كم أحزنه هذا!

فقد كان رجلاً طيباً للغاية..لا يفعل شئ سوى صيد السمك..و الشكوى من عدم قدرته على شراء السجائر!

فى الحجرة الجانبية وجد جدته مازالت نائمة..لكن"زهيرة"الصغيرة لم تكن بجوارها..

لم يستغرب كون جدته لم تستيقظ على صوت الرصاص-فهي-شبه صماء

..لكن ما أثار دهشته هو عدم بكاء"زهيرة"و-الأغرب- أن أمه لم تخرج أو حتى تطل من شباكها..لتناديه..

انتابه الذعر..ظنها خرجت لتشتري شيئاً ما..دون أن تصطحبه معها..لكنه أطمئن حين وجدها فى المطبخ..

كانت نائمة..و على شفتيها ابتسامة جميلة..جرى نحوها و احتضنها فى فرح..

لم يستطع أن يغلق ذراعيه الدقيقتين حول جسدها..عندما بلل كفوفه الصغيرة سائل دافئ و لزج..نظر لكفه الملطخ بالأحمر فى إستغراب!

مد ذراعه تحت جسد أمه المرتفع قليلاً عن الأرض..ليكتشف أن ما يرفعه ..هو جسد أخته البض الذى صار عجيناً أحمراً !

 صرخ"عمار"فى فزع و جاءت جدته لتعرف ما الخبر..عندما فوجئت بزوجة أبنها قتيلة!

- يا ويلي يا بنتي!

صرخت برعب وهي تجري نحو الجثة..هزتها بأقصى ما تستطيع يديها الضعيفتان من قوة..

- فيقي يا"سلوان"!..راحت وردة الدار!

- وين"زهيره"يا "عمار"؟

أشار بسبابته الدقيقة الملطخة من دم أمه و أخته نحو الجثة..قال و الدموع تترقرق فى عينيه:

- هون..تحت إمي!

***

.ما أن سمع الصغار دوي الرصاص حتى جرى أغلبهم كلاً إلى بيته.

.ما عدا بعض الأولاد الأكبر سناً عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة

..منهم"إبراهيم"الذى ضحك من ركضهم المذعور..قال ل"محمد":

- هربوا الزعران!

 طفق الباقون يبحثوا عن مظروف الرصاصة الفارغة..بينما سأل"هارون"ليداري إحراجه عما يفعله الأولاد:

- ماذا يفعل هؤلاء الحمقى؟

لم يرد"أشكول"بينما قال"هارون"حين لاحظ أنه ليس وحده من أخطأ هدفه:

- يبدو أننا مازلنا متعادلين!

- غير صحيح..لقد أصبت هدفي..و منتهى الدقة!

- قتلت رضيعاً و أمه التى كانت تحمله على ظهرها.

- أنت تكذب..لم تفعل!..قال"هارون"متشككاً..فقاطعته"ناعما":

- بل فعل..لقد أطلق الرصاص من تلك النافذة المفتوحة..و أصاب امرأة وطفلها..

لعلعت صرخة الجدة"زهيرة"..فانطلق الصبية الباحثين عن الرصاصة للبيت.

.ما عدا"موسى"الذى جلس منذ البداية يراقب لعب الأولاد دون أن يشترك فيه..

فما كاد يخطو خطوة خلفهم حتى وجد الرصاصة..وزن ثقلها بيده..ثم أتجه نحو الحجر الذى كان يجلس عليه..ازاحه..

نبش التراب ليخرج تنك سمن فيه عدد كبير من فوارغ الرصاصات..أضاف إليه الظرف الجديد..

قبل أن يعيده و يهيل عليه التراب مجدداً..و يعيد الحجر!

فمنذ قتل اليهود أخيه..و هدموا منزله،و هو يجمع رصاصهم..

و يعرف أنه سيعيد تصنيعه.,و يعيده لصدورهم!

فقد أقسم أن حق الشهداء لن يضيع..و أنه سيثأر لهم جميعاً بأذن الله..

 انسحبت فرقة الأنذال قبل أن يعود رجال القرية و ينتقموا منهم..قبل أن يتجه"موسى"لبيت"عمار"الباكي بين ذراعي جدته..

و بينما أخذ الجيران يواسون الجدة و"عمار"..تمتم"موسى"لنفسه:

- أبداً لن يضيع!


يتبع

قصص تليجرام