قصص تليجرام

سر الحجاب كاملة

الجزء 1 (الشريكة)

  - ألحقيني يا"ريماس"..أبوكي أتجوز عليا!

قالتها السيدة الستينية"علا"لابنتها"ريماس"ذات الثانية و الثلاثين عام..هتفت"ريماس"بدهشة و إنزعاج:

- مش معقول!..مش معقول يا ماما بابا يعمل حاجه زي دي!

هتفت الأم بغضب :

- أنا متأكده من اللي باقوله..اتجوز واحده أصغر منك..أرمله و عندها بنتين..و كمان جابيلها شقه قريبه من هنا..علشان ما يتعبش فى المشاوير رايح جاي!

سرحت"ريماس"تفكر فى كلام أمها بصدمة..أذن لقد تزوج أبيها بالفعل..هذا منطقي..فهو أصغر من أمها بخمس سنوات كاملة..مازال بكامل صحته..فهو رياضي..لا يدخن..كما أن أمها لا تعطيه حقوقه الشرعية منذ مدة طويلة..طويلة لدرجة أنها لا تدري كم بالضبط..لكنها تجاوزت الأعوام!

و برغم أن هذا حقه..لكن"ريماس"و أمها كان لهما رأي مختلف..فهما يعتبران هذا الرجل من ممتلكاتهما..لن يقبلا بحال أن تأتى أمرأة غريبة لتشاركما فى ثروته الكبيرة..و الكارثة إذا أنجب منها ولداً أو بنتاً!

سألت"ريماس"أمها بقلق:

- هما بقالهم كتير متجوزين؟..ممكن تكون حامل..

هتفت أمها بهلع:

- دي تبقى كارثة!

قالت"ريماس"مهدئة:

- إن شاء الله ميكونش فيه حمل..بابا أصلاً كبير...

بترت عبارتها فى قلق..حين تذكرت أن سن أبيه لم يتجاوز الخامسة و الخمسين..و من الجائز جداً أن ينجب طفلاً..بعض الرجال ينجبوا بعد السبعين و الثمانين عام..بل أنها سمعت مرة عن معمر أنجب و هو بعمر المائة!

وجدت نفسها تتمتم بلهجة لائمة:

- أنتي السبب يا ماما!

صاحت أمها بغضب:

- نعم يا ست"ريماس"!..أنا السبب فأيه إن شاء الله؟!هوا أبوكي لسه صغير على المسخره دي؟! المفورض نسيب الحاجات دي للعيال!

- طب أهو راح يجوز عيله صغيره تدلعه..ممكن يخلف منه عيال كمان كذا فكرت"ريماس"فى نفسها..لكنها قالت و قد أحمر وجهها خجلاً:

- أسفه يا ماما..بس أتخيلت"حمزه"مكانه..أكيد لو كنت بأتهرب منه طوال الوقت..كان هايتجوز عليا برضه!

هتفت أمها بغيظ:

- أنتي جوزك لسه شباب..أنما أبوكي شاب و عقله خف!

- بعدين أنا جايباكي تساعدني..مش تربيني و تعلمني الأدب!

هتفت"ريماس"بحرج أكبر:

- العفو يا ماما..بس أنا ممكن أساعدك أزاي؟!

قالت أمها بلهجة أهدئ:

- أول حاجه.."حمزه"ما يعرفش حاجه عن موضوع جواز أبوكي ده..حسك عينك تقولي له كلمه واحده.

هزت"ريماس"رأسها متفهمة:

- طبعاً يا ماما..سرك فى بير!

هتفت أمها بلهجة منذرة:

- سرنا فى بير..أنتي معايا فى نفس المشكله..و مضروره زي و أكتر..علشان كده لازم تساعديني!

قالت"ريماس"بتوتر:

- أكيد يا ماما..بس أزاي أكلم بابا فى حاجه زي كده؟!..هوا مش صغير زي ما قلتي..و مش هيقبل مني كلام و لا نصايح!

قالت أمها بغموض:

- لا خلاص..وقت الكلام فات يا بنتي..دلوقتي وقت الفعل!

لم تفهم"ريماس"مقصد أمها على الفور..لكن بعد أن شرحت لها مرادها..أزدادت حيرة و إرتباك!

فقد كان ما تطلبه منها أمر بشع..بشع للغاية!

****

جلست"ريماس"فى سيارتها تنقر على مقود السيارة بقلق و ضجر..و بدأت تسأل نفسها لائمة..عما جاء بها إلى هنا..ما الذى جعلها تنساق وراء كلام أمها إلى هذا الحد؟!ماذا لو رأها أحد معارفها؟..سيسألها عن سبب وقوفها أمام هذه البناية السكنية الفخمة..بماذا سترد وقتها؟!و بينما هى غارقة فى تأملاتها خرج أبيها من مدخل البناية..فخفضت رأسها بسرعة حتى لا يراها..دق قلبها باضطراب..و عدت الله ألا يلاحظ أبوها سيارتها حمراء اللون..التى أهداها لها فى عيد ميلادها الأخير..رفعت رأسها ببطء لتجده يقود سيارته مبتعداً..تنفست الصعداء فى إرتياح..من الجيد أنها أبتعدت عن المدخل بمسافة كافية جعلته لا يراها..نزلت من سيارتها و قد عزمت على إنهاء المهمة القذرة التى جاءت من أجلها..

أجتازت المدخل الرخامي الفخم المهيب..متسائلة فى حنق عن شكل شقة زوجة أبيها..لابد أن ثمنها يتجاوز الخمسة ملايين..

أستقلت المصعد لتصل للطابق السادس عشر..ضغطت الجرس فى ثقة..فدوى صوت زقزقة العصافير..بينما أطمئنت"ريماس"على تنكرها غير المتقن-مجرد-نظارة و إيشارب..انفتح الباب لتظهر أمامها فتاة سمراء فاتنة..ترتدي حجاب يظهر أستدارة وجهها المليح

عينان سوداوان عميقتان لها بريق آخاذ..خدان يشتعلان باللهب..و شفتان لهما لون النبيذ الأحمر المعتق..و نشوة سكره!

مع قوام غزال شارد فى البرية..أين عثر أبيها على هذا الجمال فريد؟!

ليس غريباً إذاً أن تسرق لبه..و تجعله يشترى لها شقة تساوى ملايين!

ابتسمت الفاتنة..و سألت برقة:

- أيوا مين حضرتك؟

تلعثمت"ريماس"..قالت بارتباك:

- أنا مدام"جيجي"كان عندي ميعاد مع الدكتور..هوا هايجي أمتى؟

ردت الفتاة فى عجب:

- هنا منزل مش عياده..مفيش و لا عياده فى العماره دي!

- أنا حاجزه بالتليفون!..هيا مش دي عماره 104؟!

قالتها "ريماس"مبدية الإنزعاج..ثم تظاهرت بأنها أصيبت بدوار مفاجئ..فأسرعت الفتاة تساعدها على الإتزان..أدخلتها شقتها و أجلستها على أقرب كرسي..سألتها بقلق:

- مالك.. أنتي تعبانه؟!

قالت"ريماس"متظاهرة بالموات:

- عندي سكر حمل..لو ممكن شوية ميه بسكر!

هرعت الفتاة إلى المطبخ لتحضر لها ما طلبت عندما هبت"ريماس"مسرعة تبحث عن حجرة نوم الأخيرة..فتحت باب أحدى الغرف فوجدت طفلتين نائمتين فى سريرين منفصلين..لم تتبين ملامحما بسبب الظلام..

اسرعت تفتح باب الغرفة المجاورة..و قلبها يكاد يثب من فمها من شدة الذعر..أضاءت النور..و قبل أن تفتح خزانة الملابس..شعرت بدبيب أقدام صغيرة..مع صوت ناعس ينادي:

- ماما!

يتبع

الجزء 2(الأثر)

أصيبت"ريماس" بالفزع..و لم تدر كيف تتصرف..بدت فى تلك اللحظة مستعدة  لأن تقتل الطفلة ذات الثلاثة أعوام-وأمها-ثم تهرب مسرعة لا تلوي على شئ..لكن لم يكن بمقدورها أن تقوم بهذا الفعل الشنيع..صحيح أن ما أتت لتفعله أمر سيئ..

لكن القتل أمر مختلف!

هتفت الفتاة-زوجة أبيها-بدهشة مذعورة:

- أنتي مين؟!

قالتها و هى تحيط كتفي أبنتها الصغيرة بكفيها حماية..قبل أن تضيف بصوت مضطرب و به رنة خوف:

- و أيه إللي دخلك أوضة نومي؟!

قالت"ريماس"بإرتباك و حرج حقيقيين:

- كنت بادور على الحمام..أنتي عارفه السكر....

قاطعتها مشيرة بذراعها المفرودة نحو الباب ..بلهجة حاولت أن تجعلها حازمة،فخرجت كصرخة حادة مرتعبة:

- بره!

- أستني بس هافهمك!..أنا كنت..

صرخت الأخيرة فى هستيرية و هى تحتضن ابنتها فى فزع:

- أطلعي من بيتي فوراً..يلا بره!

- صدقيني.. أنا تعبانه بجد..أنا مش عارفه أنتي خايفه مني ليه؟...حاولت"ريماس"أن تقنعها بمحاولة أخيرة يائسة..لكنها قطعت عبارتها المتوسلة ..و اتجهت للباب بكتفين منحنيين بإستسلام ويأس..رقت الفتاة لمرأها على هذا الحال..خطت"ريماس"خطوتين قبل أن تستوقفها الفتاة..قائلة بعطف:

- أستني!..ممكن تستعملي الحمام قبل ما تمشي..

نظرت لها"ريماس"مستغربة كم هى ساذجة هذه الفتاة..تأملت عينيها البريئتين المتسعتين بدهشة طفولية-للحظة-شعرت فيها بالإشفاق عليها..لكنها سرعان ما نفضت عنها هذا الشعور الساذج..و استعادت حقدها السابق كله..

فهذه الفتاة التى ستدمرها هى و أمها..و تستولي على أغلب مال أبيها..

- متشكره جداً يا مدام....قالت"ريماس"للفتاة فى تملق..قبل أن تصمت متظاهرة بالحرج..

- أنا معرفش أسمك..متعرفناش!

قالت الفتاة بسرعة:

- أنا"فرح"..أسمي"فرح عبد الكريم"

- أنا متشكره جداً يا مدام"فرح"ربنا يخليكي..قالتها"ريماس"بحماس و أكملت فى سرها بخبث:

- تلفّي حوالين نفسك إن شاء الله!

***

شعرت"ريماس"بالإرتياح بعدما أستعملت الحمام..و بدأت تجيل بصرها فى حمام غرفة أبيها الفاخر بحسرة!..و تملكها شعور من ضاعت ثروته فى الهواء..لقد صار أبيها كطفل غير مدرك يلقي بأموال ذويّه من نافذة الطابق الأخير من ناطحة سحاب!

كل هذا البذخ من أجل تلك الطفلة الرعناء!

..إنها غير أمينة على ماله..إنها-حتى-غير أمينة على نفسها و ابنتيها..-برغم-جمالها الفاتن-كم هى جاهلة و حمقاء!

أدخلتها دون أن تعرفها..و هى وحيدة معدومة الحيلة..و لديها طفلتين صغيرتين..كان من الممكن أن تخدرها و تسرقها أو حتى تقتلها-لابد-أن لديها الكثير مما يُسرق تلك البلهاء!

أنتابها شعور عارم بالأسف على أبيها-الرجل الرشيد-يقع فى حبائل فتاة ليس لديها أدنى قدر من الذكاء..

يمكن لأى شخص أن يخدعها باسم الحب.. لينهش مفاتن جسدها المغوي..و يستولي على مال زوجها -كبير السن-شعرت بسخونة مفاجأة فى وجهها بتأثير من الغيظ و الغضب..

صفحت وجهها بالماء البارد -أكثر من- مرة حتى هدأت حرارتها..أخرجت منشفتها التى تحملها فى حقيبتها لتجفف وجهها..فهى لم تكن تستعمل متعلقات الآخرين أبداً..

لكنها أحضرت -أيضا-مقصاً لتقص به طرفاً من ملابس زوجة أبيها

لتأخذ الأثر ..بحثت حولها فى عجلة..فلم تجد سوى منشفة الحمام..و قبل أن  تقص طرفها تراجعت فى  اللحظة  الأخيرة..ربما كان أبوها يستعملها..فقد يتأذى هو الآخر!..

و عندما  فكرت  بهذا لم تجرؤ على أخذ الأثر من المنشفة..

و بينما تجيل بصرها فى  أرجاء  الحمام الواسع..رأت قطعة ملابس خاصة جداً منشورة على  منشر حريمي..

-حركه بيئة أوي!تمتمت"ريماس"لنفسها بغيظ و هى تأخذ اللباس الإرجواني  من على المنشر

مفكرة فى حركة الإغراء  الرخيصة التى تنم عن اصل زوجة أبيها و البيئة المتواضعة التى نشأت فيها

اخذت غنيمتها غير  المتوقعة و خرجت لتقابل غريمتها الغافلة..بابتسامة مغرضة..ربتت على رأس إحدى  الطفلتين..اللتين بدتا كالتؤام..  رغم أن  احداهن تكبر الأخرى بعام..

قالت موجهة كلامها ل"فرح":

- شكراً  يا مدام"فرح"..يا ريت لو كنا اعرفها فى ظروف أحسن من كده..و متأسفه لو ازعجتك . .

قالت "فرح"بلهجة أمزج فيها الشك بالخجل:

- خلاص  معلش..محصلش حاجه

رافقتها "فرح"حتى الباب كى تطتمئن بنفسها  أنها لم تسرق شيء..بينما  الأخيرة تكاد تنفجر-و هى-تكتم ضحكتها  بصعوبة..فقد  حصلت فى النهاية على ما تريد..

***

أعطت السيدة الستينية "أثر"غريمتها الشابة للدجال ..فتفحصه الأخير..و تشممه فى رضا و إستحسان..تحت نظرات"ريماس"المندهشة..

قال مبرراً تصرفه غير المفهوم:

- حاجه عظيمه خالص!

- حاجه لامسه الجسم..و كانت منشوره فالحمام!

نظرت له"علا"بإنبهار ،و تبجيل يقترب من حد التقديس..لأنها عرف -دون -أن تخبراه بمكان القطعة الأثيرة..

فهو -فى رأيها-يعرف عمله..ثم نظرت ل"ريماس"كأنما تقول فى ظفر

-أرأيت كم هو بارع؟!

لكن ريماس لم تكن تشاطرها الرأي..فهى تعرف أن أغلب هؤلاء الدجالين يجيد الفراسة و القراءة على البارد..بالأخص ذلك الشخص الأنيق ذا الأبتسامة اللزجة المقيتة..عنكبوت!

كان قريب الشبه من العناكب فعلاً..لهذا لم ترتح له و لنظراته المربكة..

كانت أمعائها تتلوى فى قلق من أن يكون محتالاً-خاصة-بعد المبلغ الكبير الذى دفعته له أمها،و سيضيع هدراً على الأرض!

و لامت نفسها على أنها لم تأخذ قطعة أو أثنتين من مجوهرات زوجة أبيه أو-حتى-أخذت مصاغها كله..فهو حقها و حق أمها..

ثم ثابت لرشدها..و زالت غشاوة الطمع من على عينيها..فلو فعلتها لكن أبيها سيتحرى الأمر بنفسه عندها..

و أرتعبت و هى تفكر فى ردة فعله!

..و الأسوء أن يعلم أبوها بما تفعله أمها هنا..و الكارثة الأكبر أن يعلم بدورها فى هذا كله..

عضت شفتها السفلى فى ندم،وهى تفكر فى أن زوجة أبيها ستلاحظ غياب لباسها و ستشك فيها..و تخبر أبيها بزيارتها المريبة..

و سقط قلبها بين قدميها-فربما-راجع أبوها الكاميرات..عندها لن يخطئ التعرف عليها..سيعرفها -حتماً- حتى و هى ترتدى الإيشارب و النظارة..و دعت الله ألا تلاحظ تلك البلهاء شئ

- يلا يا"ريما"خلصنا!

أنتزعها صوت أمها من لجة أفكارها المضطربة.. نظرت لها"ريماس"بتوهان و نظرة شاردة..

- يلا يا"ريماس"!صاحت أمها بضيق..فنهضت معها"ريماس" مبلبلة الأفكار..ألقت نظرة -متشككة-أخيرة على الدجال و هى تدعو الله أن تكون أمها محقة..و ألا يعرف أبيها عن الأمر شئ

و شغلتها أفكارها عن ملاحظة ما قام به الساحر..و لو لاحظته لرأت عجباً..لكن لم يكد يمضي أسبوع حتى رأت بنفسها!

يتبع

الجزء3(خطة ناجحة)

بعد أسبوع و بينما كانت"ريماس" مغمضة العينين تجلس بإسترخاء ..وهى تستمع لموسيقى هادئة من مشغل موسقى الخاص بها..فتحت عينيها-بالصدفة-فلاحظت أن شاشة هاتفها تضيئ بمكالمة من أمها..حولت البلوتوث لإستقبال المكالمة..ففوجئت بأمها تصيح سائلة بعصبية:

- أيه يا ست"ريماس"؟..فينك؟!..ما بترديش على تليفونك ليه؟!

- معلش يا ماما..كنت باسمع ميوزيك..ما خدتش بالي من الفون .

هتفت أمها بلهفة:

- أنتي تسيبي إللي فى إيدك..و تجيني حالاً!

-أنا فى النادي مع "لارا"و "ناردين".. يا ريت تجي تتفسحي معانا!

ردت أمها بلهفة:

- مش هاينفع..أنتي تعالي البيت ضروي!

سألت"ريماس"بإندهاش:

- ليه يا ماما؟..هوا فيه حاجه حصلت؟!

ردت أمها بغموض:

- حاجه واحده بس؟!..دا حصل حاجات كتييير!..بس مش هاينفع أقول حاجه فى التليفون..هاتي البنات و تعالي!

***

أحتضنت"ريماس"والدتها و قبَلتها..قبل أن تسألها بقلق:

"خير يا ماما؟..قلقتيني!"

صاحت أمها بضحكة متعجبة:

- أيه مالك مخضوضه كده ليه؟!..و فين البنات؟

- البنات سبتهم مع الداده فى النادي..

توقعت"ريماس"أن تلومها أمها لأنها لم تحضر ابنتيها..لكنها تفاجأت حين قالت الأخيرة فى إرتياح:

- أحسن برضو!

- أصل مش هينفع يسمعوا الكلام إللي هيتقال!

أزداد فضولها أشتعالاً..سألت فى لهفة:

- هوا أيه اللي حصل؟!

ردت أمها بابتسامة إرتياح كبيرة:

- خلاص خلصنا من البومه مرات أبوكي..

دق قلب "ريماس"بعنف..سألت بعجب:

- بسرعه دي بابا طلقها؟!

يبدو أن الشيخ "أبو السعد"هذا لا يلعب..و إنه يجيد عمله حقاً! كذا فكرت"ريماس"قبل أن تشعر بالصدمة..عندما أضافت أمها بابتسامة واثقة:

- لسه ما طلّقهاش.. بس فاضل على الحلو دقه!

سألت"ريماس"بفتور:

- أمال أيه إللي حصل؟

قالت أمها بثقة :

- تعالي أسمعي بنفسك!

***

قال والد"ريماس"بصوت متعب:

- أيوا يا"فرح"..عايزه أيه تاني؟..مش كفايه كل اللي حصل؟!

- عاوزه فلوس!..ما سبتش مصروف الأسبوع ليه؟!..بتعاقبني؟

أنتابت"ريماس" رعدة مفاجأة عندما سمعت الصوت الأجش المنبعث من هاتف والدتها..و أخذتها الدهشة مما طرأ على صوت زوجة أبيها الخفيض الشبيه بصوت قطة تموء..

قال أبيها بحزن:

- سبتلك 17 ألف جنيه فى درج التسريحه...

- كداب! أخترقت كلمتها أذن"ريماس"..قبل أن تضيف زوجة أبيها فى ثورة:

- أنا دوّرت فى كل حته..مفيش حاجه يا كداب!

كانت"ريماس"تستمع لمكالمة أبيها و زوجته..بينما قالت أمها بإنتصار:

- شوفتي؟.. الحجاب أشتغل!

لم تكن"ريماس"تريد أن تصدق أن التغيير المخيف الذى طرأ على سلوك زوجة أبيها اللطيفة..إنما هو بسبب السحر..

كانت تريد سبباً لتكرهها..لكن أمها ظلت تذكرها فى كل لحظة بأن حجاب الشيخ"أبو السعد"و سره الباتع هما السبب!

ظلت تستمع لتسجيل مكالمات أبيها و زوجته على مدار الأسبوع الفائت..و قد أنتابها شعور غير مريح لتلصصها على مكالمات والدها..من الجيد أنه لم تحضر الطفلتين..فقد جلست هى و أمها قرابة ساعتين تستمع مكامات والدها الشخصية،التى سجلتها والدتها على هاتفها..و قد غمرها شعور من التقزز جعلها موشكة على الغثيان..حتى أنها نسيت أن تسألها كيف حصلت على هذا التسجيل؟!

نظرت لوجه أمها المتشفي بخوف حقيقي..فمن الواضح أنه ما من شئ سيردعها أو يمنعها مما تريد..لم تكن تلك أمها التى تعرفها..حتى أنها تسألت فى سرها:

- من تلك السيدة المخيفة؟!

- شوفتي بركات الشيخ مسعود؟..سألتها أمها بابتسامة ظافرة ثم أضافت دون أن تنتظر ردها:

- خدتي بالك لما قالّها..و الله كدب اللي سمّاكي"فرح"..كان لازم يسمّوكي نكد!

الحاجه الوحيده اللي خوفتني لما كانت بترجّع..أفتكرتها حامل!..بس الحمد لله..طلع الحجاب عمل عمايله!

***

خلال شهر كامل ظلت "ريماس"و أمها تتابعان التطورات التى أدت فى النهاية لأن يطلق والدها عروسه الشابة الحسناء..و هو مقتنع-تمام الإقتناع-أنها تعرفت على شاب من سنها جعلها تتحول عليه و تحيل حياته جحيماً،لتحصل على حريتها..فطلّقها آسفاً على سوء إختياره..فلم يكن جديراً به أن يتزوج فتاة فى عمر ابنته-كما-قال لصديقه فى الهاتف..و النهاية عاد لزوجته القديمة نادماً..و قرر أنه لن يتزوج مرة أخرى..

و ظنت"ريماس"أنها أستراحت أخيراً من تلك القصة..حتى عادت أمها لتفاجأها مفاجأة جعلت قلبها يدمي ألماً..و تقضي الليلة تلوالليلة فى عذاب و أرق!

يتبع

الجزء 4(كشف المستور)

بحثت"ريماس"عن والدتها وسط الحفل الصاخب الذى أقامته بمناسبة عيد زواجها الخامس و الثلاثين..فوجدتها تقف مع بعض من صديقاتها..و برغم أنها رأتها منذ قليل بفستانها السواريه الأبيض..إلا أنها كانت مستغربة من حيويتها..و ضحكاتها العالية..

و تسألت فى قلق..إن كان أبيها لن يلاحظ تصرافتها الغريبة تلك..

حتى أنها أنتحت بها جانباً لتقول بقلق:

- مش كده يا ماما!..كده بابا ممكن ياخد باله!

- ياخد باله من أيه؟!..هى أول مره نحتفل فيها بعيد جوازنا؟..

تسألت أمها فى عجب..قبل أن تضيف بابتسامة فيها رنة سخريه، و هى تريها خاتم سوليتير أنيق ترتديه فى أصبعها:

- شوفتي أبوكي جابلي أيه هديه بمناسبة عيد جوازنا؟

- بس الهديه اللي جبتها لنفسي السنه دي أحلى..و أغلى!

فهمت "ريماس"ما قصدته أمها..و حاولت أن تبتسم..لكنها لم تفلح..فقد بدأت تشعر بالذنب و تأنيب الضمير-خاصة-حين رأت الحزن و الإنكسار فى عيني والدها الذى يتظاهر بالمرح..

قالت بتقطيبة مهتمة:

- أيوا..بس...بابا؟!

قالت أمها بتشف و رنة سخرية واضحة:

- بابا خلاص أتعلم الدرس..و رجع لعشه و مراته حبيبته اللي هى أنا!..

- شوفتي بقى أيه اللي حصل للكتكوته إللي كان متجوزها؟..أتجننت!

سألت "ريماس"بدهشة:

- عملت أيه؟!

قالت أمها و بريق عينيها يزداد توحش:

- البركه فى الشيخ مسعود أبو رزق..أبو الرزق و الخير كله!..الحجاب إللي عمله لها..جننها..سابت بيت أبوها و بناتها مابقتش عارفاهم..و هى دايره فالشوارع زي كلاب السكك!

هتفت "ريماس"بهلع:

- بتقولي أيه يا ماما؟!..

- عشان تعرف إن نابي أزرق..و أي حد يحاول ياخد حاجه بتاعتي مش هارحمه!

فكرت"ريماس"فى البنتين الصغيرتين-كانتا-أصغرمن ابنتيها..كيف يعيشان من دون أمهما..و أعتصر الأسى قلبها على حاليهما..

- طب البنات ذنبها أيه؟!سألت"ريماس"دون وعي..فردت أمها بقسوة:

- ذبنهم فرقبة أبوكي..حد قالّه يجوز عليا!

- و بالمناسبه يا"ريماس"..أنا رايحه بكره للدكتور..و عايزكي تجي معايا..

سألت"ريماس"بدهشة:

- دكتور ليه؟..أنتي تعبانه؟!

ردت أمها بلا أحتفال:

- عندي مغص من كام يوم و مش عارفه سببه..و قلت أحجز عند الدكتور ميعاد..كان مفروض أروح أمبارح..بس أجلت الميعاد علشان ترتيبات الحفله!

****

تطلع الطبيب للأشعة فى قلق..قال بإستغراب..الأمعاء ملفوفه على بعضها بطريقة غريبة..دي حاله نادره جداً.. أول مره أشوفها!

سألت "ريماس"بقلق:

- يعني أيه يا دكتور؟..يعني مفيش علاج؟!

- على قدر علمي الحاله دي مالهاش علاج فمصر..مفيش حل غير عند الساحر!

غمغمت أم"ريماس"بذهول:

- معقول؟!تكون بنت الكلب دي عملتلّي عمل؟!

تطلع لها الطبيب فى ذهول مستنكر..بينما قالت"ريماس"بلوم متوتر:

- عمل أيه يا ماما؟..الدكتور أكيد يقصد حاجه تانيه!

قال الطبيب بجفاء:

- فعلاً..أنا كان قصدي ساحر الجراحين د."كريم أبو المجد"..

هتفت"ريماس"بأمل:

- طيب كويس.. فين المستشفى اللي د."كريم"بيشتغل فيها؟..ممكن نروح له فوراً

هز الطبيب رأسه نافياً..قال:

- المشكله إن د."كريم"مقيم بصفه دايمه فى أمريكا!

***

تطلعت"ريماس"للساحر بقلق..بينما أمها تهتف بتوتر:

- يعني عايز كام و تعالجها؟!

رسم الساحر بعض الخطوط الوهمية على منضدته الصغيرة المصنوعة من الأبنوس..و على وجهه تقطيبة جادة..و شفتاه تهتزان بسرعة كذيل البرص..قال بلهجة قاطعة:

- مية ألف جنيه..

همت أم"ريماس"بالكلام عندما مالت الأخيرة نحوها..وسألت بضيق:

-أحنا أيه اللي جابنا هنا؟!..الدكتور قال علاج حالتك فى أمريكا!

همست أمها بضيق:

- أستني يا"ريماس"!..أنا حاسه إنى ظلمت"فرح"علشان كده ربنا بيعاقبني..و أنا متأكده يا بنتي..إننا لو عالجنها،و رجع لها عقلها أنا كمان هاخف!

هزت"ريماس"رأسها بغير إقتناع..قالت بحزم:

- لأ يا ماما..ممكن نكون ظلمنا"فرح"..لأ ده مش ممكن..ده أكيد..بس حتى لو أتعالجت..ده مش هيخليكي تخفّي!

- الحل هناك..فالجراحه فأمريكا!

هتفت أم"ريماس"بضيق:

- أسكتي..أسكتي يا"ريماس"..السفر و الجراحه هيعدوا المية ألف..و بعدين ممكن أموت فالعمليه..و ذنب البنت دي فرقبتي!

تطلعت"ريماس"لأمها بدهشة..فقد كانت-أول-مرة تتذكر فيها الموت!

و أهتز قلبها بخوف..فالموت ليس بعيداً كما كانت تحسب..من الوارد أن تموت أمها أو-حتى-هى فى أي وقت!..

كيف لم تحسب له حساب..قبل أن تتورطت فى أمراً كهذا؟!

و ها هى أمها تتجادل مع ذلك المشعوذ،محاولة تخفيض أتعابه المبالغ فيها..دونما جدوى..

من أين سيجلبا كل هذا المال؟..

***

أنهت أم"ريماس"مكالمتها الهاتفية مع زوجها..عندما سألتها"ريماس":

- بابا كان عايز أيه؟

تنهدت أمها،قبل أن تقول شاردة..وعاملة الكوافير تغسل شعرها:

- بيقولك بيطمن عليا!

- هاتقولي له على العمليه؟..بابا ممكن يتصرف فى الفلوس المطلوبه..

تنهدت بأسف:

- لو قولت له على العمليه..هاقوله على موضوع"فرح"أزاي؟

هتفت"ريماس"بغيظ:

- يا دي"فرح"!..خليكيك فنفسك دلوقت..و هى ربنا يتولًها!

عضت أم"ريماس"شفتها السفلى فى ندم..قالت بعصبية:

- طول السنين اللي عشتها مع أبوكي..محاولتش أعمل قرشين لنفسي على جنب زي الستات الواعيه..اللي بيبقى رصيدهم فى البنك أكبر من رصيد جوازهم!

- كانت الفلوس نفعت دلوقت..كنت أديت للشيخ زفت الفلوس اللي عايزها علشان يعالج الزفته مرات أبوكي..مش عارفه أيه الجشع ده!

يعمل لها حجاب علشان تتجن بخمسين ألف..و عايز يعالجها بميه!

فكرت"ريماس"بفداحة المبلغ و تسألت -مندشة-كيف ورطتها أمها معها فى هذه الحماقة؟!

لكنها لم تكن تدرى أن الأسوء قادم..فقد نسيت أمها هاتفها مفتوحاً..و أن أبيها قد سمع دون تخطيط منه -أو قصد- كل كلمة قالتاها!

يتبع

عقاب ألهي


- حمد الله على السلامة يا"ريماس"هانم!قابلها أبوها بتلك العبارة الساخرة..قبل أن يضيف فى مرارة:

- أزيي الصحه يا"علا"هانم؟!

نظرت له"علا"شذراً،و لم ترد..بينما سألت"ريماس"بقلق:

- هوا فيه حاجه يا بابا؟!..حضرتك زعلان مني أنا و ماما فحاجه؟!

رد أبوها بضيق ساخر:

- لا أبداً!..هوا أنتوا عملتوا حاجه تزعل؟!

- عايزك بس يا"ريماس"هانم تسمعي الأغنيه الحلوه دي وبعدين تقوليلي رأيك!

قالها و هو يفتح تسجيل حديثها مع أمها عند الكوافير..

بهتت المرأتان و هما يستمعان لمحادثتهما..بينما علق أبو"ريماس"بسخرية:

- متستغربوش..ربنا لما يريد حاجه لازم تحصل..علشان كده خلاني أتصل بيكي..و خلاكي تنسي الخط مفتوح..علشان أعرف بتعملوا أيه من ورا ضهري

- فلوس أيه يا"علا"هانم اللي عايزها تاني؟!دا أنتي شاريه من المزادات أنتيكات و تحف بملايين!

ألتفت الأب ل"ريماس"صائحاً بغضب:

- و أنتي مش لسه جايبلك عربيه بي إم دبليو بتلاته مليون جنيه فى عيد ميلادك؟نقصك أيه علشان تعملي كده؟!

أنتفضت "ريماس"بخوف وخفضت عينها تنظر للأرض فى خجل..

- أنتي "ريماس"يا خريجة الجامعه الأمريكيه!..تعملي كده؟!هز أبوها رأسه فى إستغراب لائم قبل أن يقول آمراً:

- هاتي مفاتيح العربية!

ناولته المفاتيح..بينما صوت أمها فى التسجيل يقول فى ثقة:

- أنا ممكن أبيع العربيه الرمادي بتاعتي..و كفايه البيضا..و تمنها هيكفي ....

- مفاتيح العربيتين يا"علا"هانم!..يا مهندسه!..بالذمه سبتوا أيه للستات الجاهله؟!

- هتاخد حاجتي أنا كمان؟!هتفت"علا"فى سخط..

خطف حقيبة يدها..أفرغ محتويات الحقيبة على الطاولة و هو يسأل مستنكراً:

- أمال أسيبك تبيعي العربيه اللي شاريها بفلوسي؟!..و تعملي بيها ليا حجاب و لا عمل..أتشل و لا أتجنن أنا كمان زي"فرح"!

صرخت"علا" بغضب:

- أنتا السبب!..أنتا اللي أتجوزت عليا !

بس يا ماما!

هتفت"ريماس"بخوف..قبل أن تضيف بضراعة:

- ماما تعبانه جامد يا بابا!..ممكن تموت..و محتاجه تسافر تتعالج بره!

- سيبيه يا"ريماس"..

قالت أمها بلوم:..قبل أن تضيف:

- أبوكي شكله عايز يخلص مني!

قال الزوج بتحد:

- أيوا عايز أخلص منك!..و هاروح أدور على"فرح" و ارجعها بيتها و أعالجها..

- و من النهارده أنتوا الأتنين مش هتشوفوا مني مليم تاني..أنتي طالق يا هانم!

***

"أيه القمر ده!"هتف"حمزة"بإنبهار،مبدياً إعجابه بتصفيفة شعرها..ما أن ألتفتت إليه"ريماس"حتى لاحظ آثار البكاء البادية على وجهها..

مسح الدمعة المرسومة بالكحل على وجنتها الناعمة..و هو يقول بتأثر:

- ينفع العيون الحلوه دي تعيط كده؟!..مال القمر؟..زعلان ليه؟!

- كنت باقرا رواية مرتفعات وذرينج..

تطلع"حمزة"لكتابها الضخم..و ربت على وجنتها براحة يده بلطف..

- تاني يا" ريمي"؟!..أيه اللي عاجبك فالروايه الكئيبه دي؟!

سألت بدهشة:

- مش عجباك؟!

تربع بجوارها على السرير..و هو يقول ببساطة:

- قصه مقبضه أوي.. ماعرفتش أحبها..خاصة"كريستين"بطلة الروايه!

قالت"ريماس"معترضة:

- دي تحفه!..و بعدين البطله أسمها"كاثرين"..دي حتى شبهي!

رد ضاحكاً:

- أحنا مش هاناسبها يا"ريماس"!..

- و بعدين كفايه إنها زعلتك و جيت لقيتك معيطه!

- مش هيا اللي زعلتني..أصل بابا زعقلي و أخد مني العربيه قالت"ريماس"و فوجئت ب"حمزة"يبتسم:

- تصدقي؟.. دي أحسن حاجه بابا عملها!

سألت"ريماس"محتدة:

- أزاي يعني؟!و اروح مشاويري أزاي؟

همس بحب:

-علشان القمر يركب عربيتي..و أشوفه كل شويه!

- طيب و شغلك؟!

- ما تشغليش بالك..أنتي بس قولي جزر هتلاقيني طلعتلك زي عفريت العلبه!

تأملت ملامحه الوسيمة بإرتياح..و غبطت نفسها على أن حظها كان أفضل من"كاثرين"بطلة مرتفعات وذرينج..فقد تزوجت حبيبها على عكس"كاثرين"البائسة!

داعب"حمزة"أرنبة أنفها بسبابته..و قال:

- و بالنسبه لبابا هاعرف أتفاهم معاه و أصالحكم مع بعض.,أنتي عارفه هوا بيحبني قد أيه..

هتفت"ريماس"بهلع:

- لأ يا"حمزه"..بلاش أنتا تدخل!

سأل بإستغراب:

- ليه؟!

لم تحرى جواباً على الفور-فلو-كلم أباها سيخبره بكل شئ عن"فرح"و أمها والدجال..و دورها هى فى كل هذا..لهذا قالت فى تبرير مرتبك:

- أصل المشكله ماما تعبانه و محتاجه تسافر بره..و بابا مش موافق..و ممكن ماما تزعل..لو عرفت يعني إني قولت لك..

- و أيه اللي يخليها تزعل؟..هوا انا غريب؟!سأل مستغرباً فقالت"ريماس"بسرعة:

- مش غريب و لا حاجه..بس أنتا عارف ماما..سيبلي الموضوع ده،و أنا هاتصرف!

***

- أنتا ما بتردش عليا ليه؟!أرسلت"ريماس"رسالة واتساب لزوجها..و هى تتميز قلقاً..فهى أول مرة لا يجيب فيها على مكالماتها-منذ-خطوبتهما و زواجهما من ثمانية أعوام..سمع"حمزة"الرسالة،بينما هو يقود سيارته و لم يدر بما يرد!

- ماشي يا"حمزه"!زهقت مني للدرجه دي؟!..بس أفتكر إنك أنتا إللي قولت من أسبوعين أنك هتوصلني فأي مكان عايزه أروحه!

- هاترجع البيت أمتى؟

لم يرد"حمزة"على سؤال"ريماس"الغاضب.. لم يكن عائداً للبيت..فهو لا يعلم كيف سيتصرف عندما يراها بعد ما علم ما تخفيه..

و يال بشاعة ما علم!

فبرغم تحذير"ريماس"له ..فهو لم يستطع الصمت طويلاً..و سعى بالصلح بينها هى و أمها و بين أبيها..و قد أخبره الأخير بكل شئ..

- أنتي طالق يا"ريماس"!

أنطلقت الكلمة من فمه كالرصاصة بدوي و لهب أحرق رئته..قبل أن تخترق أذن"ريماس"..و تمزق مخها..

جرت دموعها على وجنتيها..و ذكرياتها التى كانت سعيدة-حتى-تلك اللحظة مع"حمزة"و البنتين تمر أمام عينيها فى ومضات متلاحقة..

صمتت دهر قبل أن تقول بصدمة:

- بتطلقني فرسالة واتس يا"حمزه"؟!..بتتخلى عني دلوقت و أنتا عارف إنى مليش حد يوقف جنبي غيرك!..و بابا مخاصمني و ماما كل يومين فى المستشفى..

قال بمرارة:

- روحي للدجال اللي مامتك عرفتك عليه!

- و لو عايزاني أصرف على البنات..وديهم البيت عند ماما..غير كده ما تطلبيش مني حاجه!

- لأ معلش يا"حمزه"بيه..أنا هاتصرف ،و أصرف على بناتي و علاج أمي..و مش هاسيبك تاخد بناتي مني!

***

- مين جضرتك؟سألت أم"فرح""حمزة"الذى يزور منزلها لأول مرة..فأجاب الأخير:

- أنا"حمزه"من طرف"شريف بيه العوامري"

هتفت المرأة بلهفة،تدعوه للدخول:

- أنتا"حمزه"ابن"شريف بيه" أتفضل أدخل يا ابني!

- لقيتوا"فرح"؟!سألت المرأة بلهفة..فأجابها"حمزة"محرجاً،و هو يدلف للمنزل بخطى مترددة:

- لسه يا ماما مالقينهاش..بس إن شاء الله نلاقيها فى أقرب وقت..

و تسأل فى نفسه - محرجاً-إن كان حضوره سيفيد بشئ..فالبحث جار عن "فرح"المختفية من قبل الشرطة..و لم يكلفه أحد بالبحث عنها..لكنه أب ..أب لطفلتين..

و لا أحد يعلم ما فيه أهل"فرح"من كرب إلا أبا البنات!

أجال"حمزة"ناظريه فى المكان حوله بحثاً عن شئ يساعده فى البحث عن الفتاة المفقودة..صورة أو شئ..لكن لم يكن ثمة صور أو براويز معلقة أو موضوعة فى أى مكان!

- أتفضل يا أستاذ؟..قالتها أم"فرح"و هى تناوله كوباً من عصير الليمون..

- ليه تتعبي نفسك؟.. ماكنش ليه لزوم..قال"حمزة" وهو ينظر للطفلتين اللتين تعلقتا بثوب جدتهما:

- بنات مدام"فرح"؟

هزت أم"فرح"رأسها أن نعم..قبل تضيف فى شكوى:

- بقالها شهرين من ساعة ما خرجت..مانعرفش عنها أي حاجه..كل يوم أبو"فرح"ما بيرجعشي البيت غير علشان ينام..و"أحمد"أخوها حلف ما هيرجع البيت غير لما يلاقيها و ...ويرجعها البيت!

و لم تخبر"حمزة"أنه حلف بأغلط الأيمان أنه سيعدها جثة!

لأنه و - بمجرد أن يراها- سوف يذبحها كما قال..

هزت رأسها فى رفض،و هى تدعو الله ألا يجدها أخوها بالذات..ثم قالت بنغمة متأسية:

- مش عارفه ليه البنت دي طول عمرها حظها وحش..رغم إنها طول عمرها غلبانه،و ملهاش طلبات!..و كل ما أقول حظها أتعدل و هاطمن عليها ترجع تاني!

- الأول تترمل فعز شبابها،وهى معاها بنتين صغيرين..و لما تتجوز تاني يحصلها كل دا!

***

تأمل"حمزة"ملامح تلك المجموعة الغريبة من البشر مشمئزاً من شعورهم المتسخة و ملابسم القذرة..قبل لأن يسأل الضابط بإستغراب بلغ منتهاه:

- مدام"فرح"كانت مع دول؟!..هى فين؟

أشار الضابط نحو فتاة منكوشة الشعر تجلس بجوار الحائط متكورة على نفسها كقطة خائفة..دقق"حمزة"النظر فيها مصدوماً..

فبرغم جمال ملامحها السمراء..كانت معالم الفزع المرسومة على وجهها تثير الرعب فى نفس من يراها..و فى أعماق عينيها السوداء الواسعة.. سكن جنون غريق و استغاثة حزينة!

- هيا دي يا باشا!

نطقها الضابط بنبرة متشككة..بينما"حمزة"يغطي جسدها المرتجف بجاكت بذلته..

- ما تخافيش يا مدام"فرح"..أيوا يا باشا هيا

تطلعت إليه بعيون تتسع برهبة..كأنما ثابت لرشدها لحظة عندما سمعت أسمها..ثم تاهت نظراتها ..ضمت ركبتيها إلى صدرها قبل أن تخبئ وجهها بطرف الجاكت كأنها-تريد أن تختفى داخله!

لاجظ "حمزة"الحرق بالغ السوء على ظهر كفها المرتجف..فسأل الضابط بدهشة:

- من أيه الحرق ده يا باشا؟!

- علمي علمك يا "حمزه"بيه..أحنا أستلمناها كده!

- جايز ولاد الكلاب دول كانوا ييعذبوها،علشان ترضى تشتغل معاهم شحاته !

إنبرى أحد الشحاذين مدافعاً عن نفسه ،و عن الباقية:

- و المصحف يا باشا ما لمسناها!..هى اللي حرقت روحها..لحمها كان بيطشطش و هى و لا حاسه!

- أخرس يالا!..صاح الضابط بصرامة قبل أن يضيف هازئاً:

- قالوا للحرامي أحلف ياخويا..يعنى هاتقول على نفسك عملت؟ !

- و النعمه الشريفه يا باشا هوا دا اللي حصل ..قالتها أمرأة تربط رأسها بعصابة سوداء متسخة..أضافت قائلة:

- الظاهر عليها ملبوسه يا باشاا!

- بس يا وليه أنت كمان!..نزلهم الحجز يا أمين..

سحب أمين الشرطة أثنين من المتهمين من أقفيتهما،و الضابط يعقب:

- سيب مدام"فرح"و خد الباقى..

- أقدر أستلمها؟سأل"حمزة"الضابط..فقال الأخير ضاحكاً:

- لا يا باشا دى عهده!..فيه محضر تشرد لسه مفتوح..ممكن جوزها أو حد من أهلها يجي يستلمها.

***

فى وقت متأخر من ذلك المساء أجتمعت"فرح"بأسرتها..أبيها و أخيها،و أمها التى ظلت تحتضنها طوال الوقت..بينما أنكبت الصغيرتان على ركبتيها إحتضاناً و تقبيلاً..

و معهم"حمزة"و"شريف"والد"ريماس"الذى جاء ليراجع زوجته..لكن والد"فرح"لم يكن موافقاً..هتف"شريف"بدهش:

- ممكن أعرف مش موافق ليه؟..ماهى كانت مراتي قبل ما يحصل كل اللي حصل!

هتف أبوها بعناد:

- كانت مراتك،وبدل ما توقف جنبها و تعالجها..طلقتها..و خلاص بنتي فى بيتي أنا هعالجها..و مش هارجعها لواحد معرفش قيمتها..

قال"حمزة"مدافعاً عن حميه:

- لو كان بابا ميعرفش قيمة مدام"فرح"ما كناش هنبقى هنا دلوقت،علشان نرجعها بيتها!

نظر له والد "فرح"و سأله مستغرباً:

- أنتا أبنه؟!

- جوز بنته..قالها"حمزة"و هو يبتلع ريقه متوتراً،و قد فطن لتوه أنه لم تعد تربتطه بوالد"ريماس" صلة..لكنه فوجئ بالأخير يضيف، بمودة ظاهرة:

-"حمزه"ده أنا باحبه أكثر من بنتي..و هو كمان اللي فضل يدور على"فرح"لحد ما لقاها!

أنبرى"أحمد"يدافع عن موقف طليق أخته قائلاً:

- و بعدين يا بابا محدش فينا كان فاهم أيه إللي جرى ل"فرح"..

أطرق ينظر للأرض خجلاً:

-أنا شخصياً كنت فاكرها هربت مع حد!

نظر له أبوه شذراً ثم هتف فى عناد:

- لأه،يعني لأه..أنا غلطت مره و جوزتها لراجل قدي فالسن..و مش هاكرر الغلطه دي تاني!

أرتج القول على "شريف"بينما تضايق"حمزة"-فقد كان- يأمل أن تعود الأمور لسابق عهدها.. و قد راوده أمل ضعيف،فى أن يستعيد "ريماس"زوجته-فهو-مازال يحبها..كما ظل ذلك الأحمق هيثكليف يحب"كاثرين"التى فطن فجأة لمدى الشبه بينها و بين"ريماس"..و بينما كان يلوم والدة"ريماس"فى سره فهى السبب-برأيه- فى كل تلك المشاكل..
قطعت أم"فرح"تفكيره عندما تكلمت لأول مرة منذ بداية الحوار..عندما قالت لزوجها بحرج:
- الكلام ده فات أوانه خلاص..و محدش هيقدر يمنعه يرجع مراته!
ألتفت إليها غاضباً ..هتف بها محتداً:
- هياخدها غصباً عني يعني؟!
هتفت زوجته مهدئة:
- لأ مش غصب و لا حاجه..أنتا هتوافق علشان"فرح" حامل فى الشهر الرابع!
تفاجأ الجميع بالخبر..بينما سأل أبيها بثورة مستنكراً:
- و أنتي عرفتي منين إنها حامل؟ من أمتى؟..و أزاي ما تقوليليش؟!
- طب أهدى..لما جبت الدكتور يا"حمزه"يا ابني..قالتها و هى تنظر ل"حمزة"مستنجدة..قبل أن تكمل:
- أنا أتحايلت على الدكتور ما يقولش لحد!
تذكر"حمزة"الطبيب و هو يصافحه مهنئاً بسلامة"فرح"..لكنه لم يفطن لسبب التهنئة وقتئذاً..و خطر ل"حمزة"أن الأمر حل على أفضل نحو..و فى نفس اللحظة خطرت"ريماس"فى باله-لا يدري-لماذا؟!
فى ذلك الوقت إستيقظت"ريماس"على صرخات أمها المكتومة..و قد كانت تنام بجوارها..فجأتها لدغات حارقة فى رقبتها و ذراعيها..فأضأت النور لتفاجئ بنمل ضخم يغطي جسد أمها بالكامل..نفضت النملات من فوق ذراعيها..و سحقت نملة على رقبتها..قبل أن تجرى من الغرفة فى فزع لتبحث عن مبيد لقتل ذلك النمل الغريب..أخذت ترش المبيد على النمل لكن لم يبد عليه التأثر حتى فرغت العلبة!
و فطنت فى تلك اللحظة أن النمل يخرج من أذني أمها و فتحتي أنفها..حاولت أن تنهضها لتذهب بها إلى الحمام-ربما-أستطاعت إبعاد النمل عنها بالماء..لكنها فوجئت بجسم أمها متصلب كالمشلول
صاحت فى فزع و هى تهز أمها:
- قومي يا ماما!
حاولت أمها الكلام لكنها همهمت بصوت غير مفهوم و قد لوى الشلل لسانها!
 بكت"ريماس"بحرقة و قد إنتبها الفزع.. فقد أنتقم الله من أمها أشد إنتقام..و لا تدرى 
 كيف سينتقم منها-فهى-شريكتها فى جريمتها..و دعت الله أن يلطف بها و بأمها..فهى -"ريماس"-لم يعد بوسعها أحتمل المزيد!

تمت



قصص تليجرام