الجزء1.. التيس!
"وله"زيكس"نفسى أشترى توكتوك تمليك!"قالها"وحيد"ابن الأسطى"عطية" النجار لصديقه "الصايع""زكى"فرد عليه الأخير:
- ربنا يديك!..ده لسه سعره غالى عليك..طب ما تخليك أما اللفه تبقى بجنيه و نركب كلنا!
واصل"عاطف"طريقه متصنعاً البله ..متجاهلاً ما ينطوى عليه كلامهما من أهانة..مر عليهما و هو ينظر للاًرض..فأمسكه"وحيد"من ذراعه..و قال بإبتسامة وقحة:
- روح يا"قرن"حضّر الزفّة للمعلم"عجينة"بدال ما يزعل منك!.
رد"عاطف"و هو يصًر على أسنانه فى غل و هو ينفض يده الممسكة بذراعه:
- أبعد عن طريقى يا"وحيد..لولا مراعي خاطر المعلم"عطية"اللى ربّانى..و بعتبره زى أبويا..كنت قطعت لك لسانك على اللى أنت قولته ده!
أصدر"وحيد"صوتاً قبيحاً من أنفه،و نعر:
- أبو مين يا.........؟!.أ....عايز تجيب المعلم"عطية"اللى جزمته أنضف من وشك ل"فؤاد أبو قرون اللى .....على أختك السايب...
قاطعه"عاطف"بلكمة جعلته يبتلع باقى كلامه..و تفادى ركلة سددها له"زكى"فلم تصب بطنه.. طوّقه"وحيد"من خلف ظهره بكلتا ذراعيه..ليكيل له"زكى"ثلاثة أو أربعة لكمات فى بطنه..حاول"عاطف"الإنزلاق من بين ذراعي"وحيد"فلم يساعده وزنه الخفيف..هتف"زكى":
- أمسكه يله"حوحو"..متخلهوش يفلت ابن القحبة ده!
و بينما استعد لتوجيه لكمة خامسة..طوح"عاطف"ساقه نحو وجه"زكى"فأصابت صدره
"- الله..الله..ده الكتكوت طلع عنده ضوافر!..و عايز يخربش بيهم كمان!"قالها "وحيد"وهو يشدد ضغط ذراعيه،على ذراعيّ"عاطف"و خصره، بسنوات عمره العشرين،وغله الأعمى تجاه"عاطف"..لم تبرد نفس الوغد يوماً من ناحيته!..
حتى بعدما غادر-عاطف -ورشة والده الأسطى"عطية"منذ نحو العامين مطروداً،كالكلب الأجرب!
و بكل ما يعتمل فى نفسه من غيظ طوح"عاطف"برأسه للوراء لتصيب أنف"وحيد" بضربة قوية..أجبرت الأخير على أفلاته..و قبل أن يستوى"عاطف" واقفاً..ألقى"زكى"بنفسه عليه"فطرحه أرضاً،و جثم على صدره بكلتا ركبتيه..مثبتاً ذراعيه إلى الأرض.. بقبضتيّ رجل فى منتصف العشرينات..عندما برق النصل اللامع فى يد"وحيد"..مطواة!
*****************************
تعرقت فروة رأس"عاطف"و هو يرى النصل المرهف يهوى نحو رقبته..شعر برثاء بالغ لنفسه !..و خطرت له فكرة وامضة كالبرق..أن الأسطى"عطية" سوف يندم يوماً - إن لم يكن قد ندم بعد - على أنه طرده..ليحتفظ بهذا الأبن العاق!
عندما وجد يديه - و لا يدرى كيف تحررتا - فجأة تمسكا يدا"وحيد"فى الهواء..فتوقفت المطواة على بعد سنتيمترين من رقبته..و أقشعر جسده رعباً!
فلو أنه تأخر لثانيتين أضافيتين لغاب النصل فى عنقه حتى المقبض!
لماذا يكرهنى الوغد كل هذه الكراهية؟!..إلى هذا الحد؟!.. يريد أن يقتلنى؟!كان هذا ما دار فى ذهن"عاطف"
كل هذا لأن أباه مدحنى أمامه..أثنى على ذكائى و سرعتى فى التعلم..و قال أنه يتمنى لو كنت ولده!..و خطر ل"عاطف"أن "وحيد"هذا أحمق!
فحين خيّر "وحيد"أباه بين بقائه فى المنزل..و أحتفاظه ب"عاطف" عاملاً فى ورشته أختار ولده على الفور..
ديك البرابر!..الحوحو!..الولد الوحيد على أربع بنات.
-عامل عليا دكر يله؟!..روًح أسترجل على أختك"هبة"توكتوك..صاح"وحيد"و هو يحاول أن يضغط على المطواة أكثر لتخترق رقبة"عاطف"الذى تصلب ذراعاه وتحولتا إلى فولاذ، لتمنعا النصل من الوصول إلى عنقه ..
- سيبه الله يخرب بيتك!..أحنا متفقناش على كده!
صاح "زكي"الذى قام من فوق "عاطف"وهو يتشبث بيد "وحيد"محاولاً انتزاع المدية منها
- أووعى يا"زكي"صرخ"وحيد"وهو يجذب يده..
عندما مرقت المطواة من فوق كتف"عاطف"..و كشطت جزءاً من لحمه.. ليسيل خيط رفيع من الدم بلا ألم..حتى أنه لم يلاحظ و قام واقفاً..و بينما اشتبك"زكي"مع "وحيد"استغل"عاطف"الفرصة ليركل المدية فطارت بعيداً..قبل أن يعود بنفس الساق محاولا اصابة وجه"وحيد"بكعب قدمه..لكنها مرت من فوقه دون أن تصيبه..و تعلق"وحيد"بساقه..ليختل توازنه و يسقط بجوار الأول ..قبل أن يشتبك معه.. و يتمرغ الاثنين على الأرض الترابية..قبل أن يمتلأ المكان بسيقان الرجال..الذين هرعوا نحو مكان المعركة..يسألون بأصوات مختلطة،عما يجري
ميز"عاطف"صوت"زكي"من بين الأصوات يقول:
-"عاطف"هوا اللى بدأ..هوا إللى ضرب "الحوحو"باللكميات فى وشه!
و امتدت يداً قوية ،تمسك بكتف"عاطف"ابن الخمسة عشر عاما..و ترفعه بسهولة من فوق"وحيد"الذى نهض ينفض التراب عن ملابسه..بينما هوت صفعة..من اليد الأخرى على خد"عاطف"تطاير لها الشرر من عينيه..
- يا عم"حامد"!صرخ"عاطف"بصوت متهدج محاولاً تفسير موقفه..قبل أن يتلقى"وحيد" صفعة مماثلة على عينه بظهر نفس اليد..التى كانت يد الاسطى"حامد" الميكانيكي..الذى زعق فى غضب:
- أيه ؟..هوا فيه إيه ؟!..هوا محدش عارف يلمكوا؟ و لا ايه؟!
اندفع"وحيد"نحو الاسطى"حامد"صارخاً فى غضب كأنه سيضربه..فاحتجزه الواقفين
- روّح يله يا ابن"عطيه"لولا أبوك الراجل الطيب..كنت ضربتك بالجزمة!
بحث"عاطف"عن"زكى"بعينه..و هو يغلى غضبا..فوجد اللعين قد فر مستغلا الزحام،و الفوضى!..عندما لمح مطواة"وحيد" المفتوحة ملقاة على الأرض!
فانحنى يلطقتها..قبل أن يراها أحد الواقفين..طواها بسرعة،و دسها فى جيبه دون أن يلاحظ أحد..و أسرع يبتعد..و هو يحث الخطى نحو بيته.
********************
وقف"عاطف"على باب بيته محتاراً..بين الدخول أو العودة من حيث أتى!..فكر فى أنه مادام الجو هادئ على هذا النحو..و السماعات لا تهدر بأغانى الأفراح الصاخبة..فلابد أن"فؤاد"مازال نائماً-سكراناً كعادته-و تمنى من أعماق قلبه،ألا يستيقظ أبداً!
طرق"عاطف"الباب بيد ترتجف غلاً!..فتحت له أخته الصغرى"فاتن"..مرتدية بيجامة بيضاء مليئة بالقلوب و الدباديب الصغيرة..حددت صدرها الذى تكور - كأنما ليضاعف همه!- واعداً بفرص إستثمارية جديدة..للنخاس الذى هو أبوها!.."شخطت"فيها بغضب:
-غورى يا بت..غيرى الزفت اللى أنت لبساه ده!
جرت البنت من أمامه فى هلع..قبل تصيح أمه..و هى تضرب صدرها براحة يدها المفرودة:
-يا لهوى!..أيه يا بنى اللى مبهدلك كده؟!..و أيه الدم اللى على هدومك ده؟!
ضرب"عاطف"الباب برجله اليسرى،من خلف ظهره..قال فى حنق:
- جوزك.
- أبوك؟!
سألت أمه فى شك..و هى تنظر -لا أرادياً - إلى باب غرفة"فؤاد"المغلق
صرخ فى جنون:
- متقوليش"أبوك"!..ابن الوسخة اللى فضحنا فى الحته ده..و"الجنازة"دى لو تمّت.أناهقتله!..أنت فاهمه؟
- وطى صوتك..ليقوم يمسح بيك البلاط!..البت صاحيه فأوضتها..متكسرش بخاطرها ..مش يمكن دى تبقى جوازة العمر!
نظر نحو باب غرفة شقيقتيه الموارب بعين كسيرة..لمح ثوب الزفاف الذى أشتراه لها أول "عريس"منذ أربع سنوات..فبدا فى عينه كالكفن!..أغلق باب الغرفة بهدوء..ثم دخل الحمام..تحسس جيبه ليطمئن على غنيمته..و أحس بثقل المطواة الراقدة فى جيبه..فقد كانت أول مرة يمتلك فيها سلاح!..أخرج المطواة و "فركها"كما فعل "وحيد"أمامه..منذ أقل من نصف ساعة..و برق النصل المرهف فى الحمام شبه المعتم!
الجزء2..الكمين!
لف"عاطف"المطواة من حلقتها على أصبعه..و قد شرد مفكراً فيمن يستحق أن يزرع له هذه"الوردة"فى قلبه!..إنه"فؤاد بالتأكيد..و ليس ذلك الفتى التافه المدلل..فبرغم أنه -"وحيد"- وغد مغرور،و عديم المروءة..فقد كان محقاً كلمة قالها فى حق"فؤاد"!
منذ أن وعت عينا"عاطف"على الحياة و هو-أبوه- سكير لا يفيق!..و فى نوبات سكره و هياجه..يضربهم-"عاطف و أختيه و أمهم- بضراوة و قسوة شديدة..لأى سبب تافه،أو حتى من دون سبب !
الغريب أنه ظل يحتفظ لأبيه بشئ من الحب و التقدير!..حتى جاء أبوه ذات يوم-تحديداً منذ أربع سنوات-بصحبة رجل عجوز-رجله و القبر-وقال ل"عاطف"المذهول و هو يشير إليه:
- سّلم على عريس أختك"هبة"!
يومها أنفطر قلب الصبية ذات الآعوام الستة عشر عاماً..عندما علمت أنها"ستتزوج"تلك المومياء المتحركة!..وبرغم سنه الصغير وقتها ..أدرك"عاطف"أن ما يحدث لم يكن زواج ..لقد باع"فؤاد"أخته لهذا الرجل السبعينى!..لم يكن لديه شك فى هذا..عندما وضع "سقنن راع"كومة النقود-ثمن"هبة"- أمام"فؤاد"الذى سال لعابه جشعاً..فلم يرحم توسلات ابنته،و لا دموع عينيها!..فى ذلك اليوم كره"فؤاد"من صميم قلبه!..و ازداد كرهه له بعد شهرين..عندما عادت"هبة"تحمل حقيبة ملابسها،.و لقب مطلقة!
و منذ ذلك الحين..و هو يزوجها وطلقها-عرفياً-حتى أنها فى أغلب الأحيان لم تكن حتى تكمل العدة!..حتى تناولها قرابة العشر رجال قبل أن تكمل عامها العشرين!
******************************
تذكر"عاطف"كل هذا و هو مازال واقفاً فى الحمام..كما تذكر الحزام و هى يهوى على جسد"هبة"منذ ثلاثة أيام..حين تجرئت على رفض"سيد عجينة"تاجر المخدرات-العريس الحادى عشر..ليترك لحمها مطبوخاً بالأحمرو الأزرق و الأخضر-و قد نال نصيبه-حين دافع عنها..و هو ما كان يحدث كل مرة!
و صمم على أن يمنع تلك الزيجة المشئومة..طوى المطواة و وضعها فى جيبه و خرج من الحمام..تلفت حوله فلم يرى أحداً فى الصالة الخالية..لابد أن أمه فى المطبخ..تعد الغداء لتيسها ذى القرون..فقد إقترب موعد إستيقاظه..باب غرفة "هبة"مازال مغلقاً كما هو..و"فاتن" لم تكن موجودة-لحسن الحظ-..تلفت حوله مرة أخرى ليتأكد أنه لا أحد قادم..ثم فتح باب غرفة"فؤاد"بيد ترتجف..دخل و أغلق على نفسه مع الغول النائم.
وقف لحظة بجوار الباب هنيهة يصغى لشخير"فؤاد"الذى يشبه شخير الخنزير..فتح مطواتة بحركة سريعة..فأصدرت تكة جعلته يجفل!..لبث فى مكانه بضع ثوان أضافية ليطمئن أن الخنزير السمين مازال نائماً..بعدها تقدم على أطراف أصابعه فى حذر..رفع المطواة..و هوى بها بكل ما يعتمل فى صدره من بغض و خوف نحو قلب"فؤاد"..و قبل تخترق المطواة صدره..أمسكت يد بيده ككلابة من حديد!
***********************
.كانت يد"فؤاد"الذى أستيقظ للتو!..ضغط على يده بقسوة كادت تحطم عظام يده..أجبرته على أفلات المطواة..فسقطت من يده على الملاط..قبل أن يثب"فؤاد"من فراشه،و هو ما يزال قبضاً على يد"عاطف" كالعفريت!..وقف أمامه غاضباً كمردة الحواديت..لطمه على وجهه بظهر يده الحرة..فسال الدم من فتحى أنفه..و ملأ طعم الدم فمه..طرحه"فؤاد على السرير..و ضغط على رقبته بيده القوية -بسنوات عمره الأثنين و الأربعين..
- عايز تقتلنى يابن الحرام!..خسارة فيك اللقمة يا كلب!
حاول"عاطف"تحرير رقبته من يد أبيه الذى تحول إلى وحش.. أخيراً أستطاع أن ينزع يد الأخير قبل تزهق روحه..شهق"عاطف"و قام يبغى الفرار من الغرفة..لكن"فؤاد"حجزه بجسده ..و منعه من الوصول إلى الباب..ثم دفعه دفعة قوية فإصتدم بالحائط!..
سقط"عاطف"على الأرض..فجثم"فؤاد"فوقه..حاول"عاطف"أن يصرخ مستنجداً..فأنحبس الصراخ فى حلقه!
عندما أبصر المطواة فى يد"فؤاد"..قبل أن يضغط بكفه الأخرى على رأسه..و هو يركب فوقه..و قرب النصل على رقبته..بكى"عاطف"و هو يحاول التملص من الذبح!
- لاااااا..صرخ"عاطف"قبل يحز النصل عنقه و يسيل دمه على الأرضية!
يتبع
الجزء3.. سيد عجينة
استيقظ"عاطف"مفزوعاً..يتحسس عنقه المبتل بلزوجة..كان حلقومه سليم..لم يقطع بعد!
..و وجد نفسه نائماً على الأريكة الموجودة فى الصالة..المرئيات تهتز أمام عينيه ..و قد صار الوقت عصراً-أو كاد-وضع يده على قلب يضرب رأسه بجدران قفصه الصدرى-كالمجنون- ففوجئ بالبلل اللزج على صدره..دماء! وقتها أكتشف أن الدم ينزف من أنفه بلا إنقطاع!..جرى إلى المطبخ ليغسل وجهه على حوض الغسيل ،وجسده ينتفض من الرعب!..
وضع رأسه تحت الماء البارد..بينما دمه يجرى مع الماء..كأنما أنفه صنبور تالف يحتاج لإصلاح!
ضغط على جانبي أنفه بضع دقائق،حتى توقف النزيف..بعدها خلع التيشرت المبتل بالدم والماء..و جفف وجهه بالجزء الجاف منه.. ليضيف بقعة دم جديدة هناك..هذا التيشرت لن يُنظف عل الأرجح!
و لم يدر أين يضعه..فألقاه فى حوض الغسيل و فتح عليه الصنبور..
- مالك يا"عاطف"؟!سألت"فاتن"فى رعب..حين رأته يرتدى فانلته المبتلة،و فتحتي أنفه ملوثتان بالدماء
هز رأسه فى حيرة:
- مش عارف!
كان قد سمع أن الضغط المرتفع يسبب نزيف الأنف..لكنه لم يكن مريض ضغط
- أمك فين؟
سألها فأجابت بلهجة مترددة:
- راحت عند أم"ياسمين" تجيب حاجة!
خمن"عاطف"-من إرتباكها-أن هذه"الحاجة"تتعلق بالزفاف الميمون!..و هو يستغرب أن يُصاب بالضغط؟..كان من المفترض أن يصاب بالجلطة!
نفخ فى ضيق..و قال أمراً:
- روحى هاتيلى حاجه ألبسها.
أحضرت له ملابس نظيفة..فتناوله منها ساهماً
-"عاطف"
- فى أيه؟
- أمسح..قالتها"فاتن"و هى تمسح على أنفها بيدها
مسح أنفه فى الفانلة ليضيف بقعة جديدة،وناولها لها..وهو يقول:
- أنا خارج!
***************************
"أهلاً..أزيك أ"عاطف"؟بادره"سيد عجينة"بالتحية..قبل أن يسحب نفساً من النارجيلة..و هو يضيف:
- تعا..خوى..أقعد جنبى..أزيك؟ عامل أيه؟
جلس"عاطف" على كرسى قريب من كرسى"عجينة",هو يرد:
- الحمد لله.
- و مالك بتقولها كده من غير نفس؟!سمعت أنك أتخنقت مع الواد"الحوحو"الصبح..و اخدت منه المطواة اللى عورك بيها..لو عاوزنى أقعدلك"عطية"فميعاد..و يتغرم....
- لا يا معلم..الأسطى"عطية"خيره عليا..و زى أبويا بالظبط!
أصدر"عجينة"صوتاً قبيحاً من أنفه..و سعل و بصق..قبل أن يقول معتذراً بلهجة لا تخلو من الإستخفاف:
- لا مؤاخذة يا"عطوفة"!..كنت بتقول أيه؟
قال"عاطف"بسرعة:
- كنت عاوز أكلمك فى موضوع تانى..
أخذ"عجينة"نفساً عميقاً من النارجيلة..قبل أن يقول و الدخان يخرج من فمه و أنفه..و يوشك أن يخرج من عينيه:
- خير أ"عطوفة"!
- أنا جى أتكلم فى الفلوس اللى خدها منك"فؤاد"!
- تقصد مهر العروسة؟
- هو ده بالظبط الموضوع اللى عايز أكلمك فيه..طلّع أختى من الموضوع ده يا معلم..و فلوسك دين فرقبتى..ملزم أني أسدهالك..و لو عاوز أكتبلك بيهم شيك دلوقت!
**********************
قهقه"سيد"فى إستمتاع..فظن"عاطف"أنه وافق على إقتراحه البائس..قال"عجينة" و كرشه الصغير يهتز بالضحك:
- أنت راجل ياله"عاطف"..أنا أستجدعتك ياض!..ما تيجى تشتغل معايا..أنا محتاج رجالة زيك!..و هكبرك على صبيانى..ياض دانت أبو نسب!
- يعنى أيه يا معلم؟!..طب بص أنا ممكن أشتغل معاك..بس بلاش جواز!..قولت أيه؟
- قولت يفتح الله..هى مش هتعيّل!..أنا أتفقت مع راجل البيت..و قبض مهر العروسة.. عشرين ألف جنيه.
رد"عاطف"منفعلاً:
- أنت عارف إن مفيش عشرين ألف،و لا يحزنون!..و كل الحكاية كانت لعبة قمار..و حبة خمره و حشيش!
- و أفيون!
أضاف"عجينة"موضحاً:
- ميه و حشيش و أفيون..دا ابوك"سحوقه"ياعم!..و بعدين أنا أديته الفلوس..خسرها على ترابيزة القمار..ذنبى يا"عطوفة"!
و أتفقنا ندخل دى فى دى..و نعتبر الفلوس مهر"هبة"..و عفا الله عما سلف!
- ده أخر كلامك؟سأل"عاطف" بخيبة أمل..فرد الأخير بغضب وعنجهية:
- أيوه يا عم..أخر كلامى!
و أضاف زاعقاً و هو ينخس"عاطف"بمبسم الشيشة فى كتفه:
- و يلا قوم من هنا بدل ما اغيب عليك!
- فى حاجه يا معلم؟!صاح أحد صبيان المعلم القريبين من مجلسهما..و هو ينظر ل"عاطف" متوعداً
- لا..و لاحاجه أ"زعتر"، تعا بس غير الحجر الماسخ ده،عشان قطع!
*يتبع*
الجزء4.. ملاك!
مضى"عاطف"لا يدرى إلى أين يذهب..فهو لم يكن يريد العودة إلى البيت..ظل يمشى على غير هدى..و قد أوشك النهار على الإنتهاء..عندما وجد نفسه-فجأة- أمام زاوية صغيرة..فى حارة صغيرة غير حارته التى يعيش فيها!
وقف"عاطف" بباب الزاوية متردداً..فهو لم يكن يصلى!..أخر مرة ذهب فيها إلى الجامع كانت منذ سنوات..فقد كان يذهب بصحبة الأسطى"عطية"صاحب الورشة التى كان يعمل بها...فى تلك الفترة..كان الأسطى عطية يعامله كأنه ابنه..أو هكذا ظن هو..قبل أن يفيق من هذا الوهم بغتة..عندما ناداه الأسطى"عطية"ليقول له فى حرج أنه يريد منه ترك العمل بورشته..لم يكن"عاطف"قد أخطئ بشئ بإعتراف معلمه..لكنه مضطر-هكذا قال- للإستغناء عن خدماته!
..وقتها وقف يتلقى كلمات الأسطى"عطية"المواسية..بعينين زائغتين و أذن لا تعى ما تسمع!..كل ما فهمه وقتها أن"وحيد"هدد بترك البيت..
- لو كان عليا كنت سبته يغور فى ستين داهيه!...لكن أمه!..لو ساب البيت فعلاً ..هتموت!..أنت عارف أنها مريضة!..لكن"عاطف"كان يعرف أن الأسطى"عطية"إنما كان يداوى كبريائه الجريحة بهذا الكلام..فمهما كانت معزًته عنه.. لن يحبه بمقدار حبه لأبنه الوحيد..و قد ألتمس له العذر..لكنه لم يستطيع أن يسامحه.!
.مر بجواره رجل يرتدى جلباباً بنياً ..و اصطدم أخر بكتفه قبل أن يدخلا الزاوية يقصدان الصلاة..فحسم تردده..و خلع نعله و دخل..جلس متربعاً على الأرض..لا يعرف ماذا يفعل..تذكر أنه ليس متوضأً...لكنه ظل جالساً!..
و فطن أنه -بعد كل هذه المدة -دخل بيت الله لا يحمل الشوق بل العتاب!..لماذا يترك الله"فؤاد"و"سيد عجينة"و من على شاكلتهم..ليؤذوا خلق الله؟!..و هو قادر على أن يخسف بهم الأرض إن أراد!..و لماذا لم يكن هو ابن رجل متحرم كالأسطى"عطية"؟!..بدلاً من"وحيد"الذى لا يستحق إلا أباً مثل"فؤاد"!..لماذا حدث هذا الخلط؟!..لماذا حتى لم يجعل الله أختيه ولدين؟!..ليريحه من هذا الهم!
بدأ"عاطف"يبكى بصوت مسموع شاعراً بالعجز و الحيرة..عندما سأله صوت عذب :
- مالك؟!..بتعيط ليه؟!
نظر"عاطف"لمحدثه..فوجد بجواره شاباً جميل المحيا-يفيض وجهه بالنور-يرتدى جلباب ناصع البياض..قدر"عاطف"أنه على مشارف الثلاثين..لم يرد على الفور..و قد أصابته الدهشة..فقد كانت أول مرة يرى فيها مثل هذا الوجه المضيئ!
- مشكلة ملهاش حل يا شيخ!
جلس الشاب بجوار"عاطف"و وضع يده على ركبته.. قائلاً فى ود:
- مفيش -بأذن الله- مشكلة إلا و ليها حل!
رد"عاطف"فى قنوط:
- إلا مشكلتى!
- طيب ممكن تحكيهالى..و إن شاء الله ..نلاقى لها حل بإذن الله.
صمت"عاطف"فى خجل،و تردد..ثم حسم أمره و قال للشاب بصوت مبحوح:
- فيه عندنا فى الحته بنت طيبة..بس ربنا وقعها فى أيدين راجل.. معندوش نخوه و لا ضمير..
و حكى له القصة كلها..دون أن يخبره أن هذه البنت أخته بنت أبيه و أمه!..حتى ظن الشاب أنه يتحدث عن فتاة يحبها..و لا يستطيع أن يتزوجها!
و أمتزج الغضب بالأسف فى ملامحه النورانية!..قبل أن يقول متعجباً:
- لا حول و لا قوة إلا بالله!..و البنت دى ملهاش حد غير أبوه ده..معندهاش عم،و لا خال..حد يقدر يوقف الراجل ده عند حده؟!..و يقول له أن اللى بيعمله ده كبيرة من الكبائر؟!.
هز"عاطف"رأسه نافياً فى خجل.و دموعه مازالت تجرى على وجهه
قال الشاب فى رقة:
- باين أن موضوع البنت دى يهمك!..أنت بتحبها؟!
تفاجئ"عاطف"بما ظنه الشاب..و كاد أن يخبره أن الفتاة التى حدثه عنه،هى فى حقيقة الأمر أخته..لكنه خشى الفضيحة..فقال:
- بحبها..زى أختى!
نظر الشاب فى ساعته ..و ربت على ركبة"عاطف".وهو يقول بلطف:
- قوم اتوضى..و صل معنا المغرب..بعدها خدنى معاك لأبوها..و ممكن ناخد معنا حد كبير فى الحارة بتعتكوا..نروح و نكلمه..و ربنا يقدم ما فيه الخير
فى تلك اللحظة..جاء رجل و قال للشاب:يستعجله
- آذان المغرب يا شيخ محمود!
قال الشاب ليرفع الآذان..بينما جلس"عاطف"وحده يفكر نحو دقيقتين..قبل أن ينهض و يغادر الزاوية مسرعاً!
***************************
أنطلق آذان المغرب من عدة مآذن فى وقت متقارب..بينما كان"عاطف"قد غادر الزاوية..و أصبح فى الشارع..عندما ميز صوتاً رقراقاً يمس القلوب يقول بصوت ندى"الله أكبر..الله أكبر"فشعر بقشعريرة من الرهبة تسرى فى خلايا جسده..و خمن أنه صوت الشيخ"محمود" بالذات!
أشهد أن لا أله ألا الله..أشهد أن لا أله إلا الله
وقف"عاطف"مبهوتاً -كأنما تجمد مكانه-و قد أغرورقت عيناه بالدموع حتى أنتهى الآذان!..و لم يستطع التحرك حتى أوشكت الصلاة على الإنتهاء!..فجأة تحررت قدماه..و قد أصابه خوف مفاجئ،من أن يراه الشيخ..و يطلب منه أن يصطحبه إلى"فؤاد"لينصحه-كما قال آنفاً- فأسرع يبتعد بأقصى ما يستطيع من سرعة!
و عندما خرج من الحارة..عاد يلوم نفسه!
..ألم يكن من الأفضل أن يأخذه معه.. إن من يملك هذا الوجه و الصوت الملائكيان..ربما كان قادراً على إقناع"فؤاد"!..
لكنه و فى قرارة نفسه كان يعرف أن هذا مستحيل.. كل ما سيحدث هو أن الشيخ"محمود"سيعرف أن ذلك الرجل الفاسق هو أبوه!
..ثم من رجال الحارة سيقبل أن يذهب معهما لينصح"فؤاد"؟!..مع العلم بأن المسدس لا يفارق جيبه-فهو مسلح-و .لن يجازف أحد بحياته -حتى الأسطى حامد- الذى يحسب نفسه كبير حارتهم!
..بالأضافة لأن"فؤاد"ما أن يفتح عينيه حتى يبدأ بالشرب..و يظل يشرب حتى لا يرى أمامه من شدة السكر!
لابد أنه الآن ثمل..و لا فائدة ترتجى من الكلام معه- ربما قتل أحدهم-كذلك!
"سمكة على بلطية ..على وش الميه"
فى تلك الأثناء وصل"عاطف"إلى بيته الذى كان يرتج بهدير السماعات الصاخبة..دخل من الباب المفتوح - فهى ليلة الحنة -و البيت مليئ بنساء الحارة!
و صدق ظن"عاطف"فقد وجد"فؤاد"فى الصالة مرتدياً فانلته الحمالات يجرع زجاجة البيرة الخامسة..
"شرفت ياخويا"بادره"فؤاد"بالسؤال..قبل أن يضيف:
- معاك فلوس؟
- منين؟..يومية المحارة اللى اشتعلت بيها امبارح..خدتها منى على داير المليم!
زعق:فؤاد":
- مانت جاى من بره أهو يا ابن.ال....فين يومية النهارده يا .....؟
جز"عاطف"على اسنانه و هو يخرج جيوبه الفارغة،و يقول بغيط مكبوت:
- النهارده مفيش يوميات!..مامعيش حاجه ..أهه!
- طب يا خويا!..و الأسم مخلف بغل!..يارتكوا كنتوا تلات بنات!
قالها"فؤاد"و هو يخرج قطعة حشيش بغلاف السيلوفان من جيبه ..و قدر أنه سيأخذ"تعميرة"أو أثنتين..بعدها يذهب ليقضى باقى السهرة مع" نسيب الغبرة".."سيد"
دخل"عاطف المطبخ فوجد الحناء معجونة فى صينية مزينة بالشمع.موضوعة على منضدة المطبخ...على يمين حوض الغسيل..وضع رأسه تحت صنبور الماء البارد ..لعل الماء يبرد الحمم التى تغلى داخله..بينما السماعات تهدر
"يا دماغى يا دماغى..متكبرهاش في دماغى"
"طول عمرى جامد و بلاغى.. أوعى لتكبر في دماغى!"
سحبت"فاتن"الواجمة صينية الحناء من فوق المنضدة بجواره..دون أن تتفوه بكلمة...سألها"عاطف" دون أن يخرج رأسه من تحت الماء بصوت حاول أن يعلو على ضجيج السماعات- لتسمع -
- "فؤاد"خرج"؟
لم ترد على الفور فالتفت ينظر إليها بدهشة:
- مالك يا بت...؟! و بتر سؤاله المندهش عندما لاحظ الكدمة الزرقاء التى تعلو وجنتها اليسرى!
"يا عم فوق بقى و اصحالى هحكي و اقول على اللى جرالى!"
أمسك ذقنها وأمال رأسها جهة اليمين ليرى الكدمة التى لم تكن موجودة حين غادر الدار عصراً ..زرقاء كبيرة ..كأنما لكمها أحدهم تحت عينها!..
زعق"عاطف":
- ضربك؟!.. أيه اللى حصل؟.. عملتيله أيه؟!
خفضت"فاتن"ذات الثالثة عشر ربيعاً عينيها تنظر إلى الأرض فى إرتباك و خجل..
صاح"عاطف"و هو يعتصر ذراعها فى غل:
- ردى يا بت!..أيه اللى حصل؟.. متجننيش!
"بجمالهم دوخونى، شمرت بنطلونى"
"و دخلت في الملاغية ،مع سمكة و بلطية"
أشاحت"فاتن"بوجهها بعيداً عن نظرات"عاطف"المتوعدة..فلاحظ آثار أظافر-خرابيش-على جانب عنقها!
و بدت له تلك الخرابيش رسالة بليغة جداً على ما حدث..لقد حاول الوغد إغتصابها!..تراخت أصابعه الممسكة بساعدها قبل أن تفلت من قبضته و تجرى مبتعدة..و قد أسقطت صينية الحناء على الأرض. تجمد "عاطف"يحدق فى الفوضى التى خلفتها صينية الحناء التى انقلبت على وجهها وانسكبت..بينما يتعالى الدق فى دماغه..هل يعقل أن يكون"فؤاد"قد فعل هذا حقاً؟!..رأسه قنبلة موقوته على وشك الإنفجار! ..لو كان ما فهمه صحيح..فسوف..!
"خلاص زهقت يا ناس مالعيشة،قولت أجرب شرب الشيشة"
"حجر أتحط و حجر أتشال،فكك منى دا لعب عيال"
و غلى الدم فى دماغ "عاطف" و هو يتخيل ما حدث على كلمات المهرجان الهابط ..بينما أكمل المغنى..الذى لم يعجب كلامه "عاطف"
"عاجبنى أوى جو البواظان،دا حلو أوى جو البوظان!"
* يتبع*
بلا ندم!
"شوف البت الهبلة؟!بعتها تجيب الحنه..قامت وقعتها فى الأرض و راجعه تعيط!"قالت أمه..و هى تعيد الحناء إلى الصينية..وترص الشمع فوقها!
تذكر"عاطف"كلمات امه،و هو يجلس بإنتظار عودة"فؤاد"..أخرج المسدس- ربما للمرة العشرين-فى تلك الليلة.. ليطمئن على أن الرصاص فى مكانه و جاهز للإطلاق..ثم خبئه تحت حاشية الأريكة التى ينام عليها..حملق فى السقف بضع دقائق..ثم نظر إلى باب الغرفة التى تنام فيها أمه و شقيقتيه بعد سهرة أمس السوداء..و استغرب كيف أطاق صبراً على احتمال كل هذا الضجيج و العجيج.!.خاصة بعد أن تأكد أن ذلك الخنزير"فؤاد"حاول اغتصاب"فاتن"بالفعل..مستغلاً غياب"عاطف"و أمه!..
كان هذا ما فهمه من كلام أمه ..لما أخبرته أنها حين عادت من بيت"أم ياسمين"قابلت"فاتن"تجرى خارجة من الشقة،لتهرب من"فؤاد"الذى كان يريد ضربها. لأنها كسرت الشيشة.-هكذا قال -!.
و قد صدقته و لم تلاحظ أنها نفس الشيشة التى كان يشرب منها "التعميرة." قبل أن يخرج!
فكر"عاطف"أنه من الجيد أن"فؤاد"خرج من البيت قبل أن يراه !..فلو رأه لحظتها لاشتبك معه فى معركة لن تحسم لصالحه ..فذلك الحلوف البرى قادر على هزيمته هزيمة نكراء!.
..و الأفضل من ذلك أنه وجد مسدس"فؤاد"-قد نسيه-تحت وسا دته."معمر"- به ذخيرة- و جاهز للإطلاق.
.بدا هذا حلماً أجمل من أن يتحقق!,,حتى أنه قرص نفسه ليتأكد أنه ليس واهماً..شعر بالسعادة أنه لا يحلم.... أخرج المسدس مرة أخرى و تحسسه فى لهفة ثم أعاده إلى مكانه!..قام ينظر من فرجة الشيش إلى الشارع المظلم..متى تنتهى هذه الليلة التى تبدو بلا أخر!
***************************
فى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالى..انتبه"عاطف"و طار النعاس من عينه على طرقات متراخية على الباب..لقد عاد"فؤاد"!..لم يكن"عاطف" قد نام لحظة ليلة أمس،و قد بدأ السأم يهزم قدرة على مواصلة السهر..فغفا -لا يدرى-ساعة أو بضع دقائق..لكن ما أن سمع الباب يطرق حتى تيقظ عقله كأنما نام عام!..مد يده تجت الحاشية ليتحسس المسدس للمرة الخمسين بعد المائة..ثم قام ليفتح ل"فؤاد"الذى عاد مخموراً يترنح كعادته!
اسنده على كتفه و ذهب ليضعه فى فراشه..مشمئزاً من رائحة الخمر التى تفوح منه
"-و أنت صغير.. كنت بتكعبل في رجليك و انت نايم على الأرض!"قالها"فؤاد"بأنفاس عبقة بالكحولٌ قبل أن يسأل بدهشة:
- أنت لسه نايم فى الصالة من ساعتها؟!
رد"عاطف"بتنهيدة متعبة..كانا قد وصلا إلى السرير ..فألقاه فى الفراش على وجهه..و وقف يلهث من فرط الإنفعال!
مضت دقيقة قبل أن يخرج"عاطف"مسرعاً ليجلب المسدس..شد أجزاء مسدسه و هو يدخل من الباب..و استدار ليغلقه وراءه بحرص..تقلب"فؤاد" فى فراشه..فتجمد "عاطف"مكانه و قد حبس أنفاسه..
بعدها تعالى غطيط"فؤاد"فتقدم شاهراً سلاحه نحو رأس"فؤاد النائم..-و برغم أنه يحلم بقتل"فؤاد"منذ سنوات.. اهتز أصبعه على الزناد و لم يقو على إطلاق النار!
وقف لحظة يراقب وجه"فؤاد"الهادئ..و قد تحرك فى قلبه شعور غامض لا يدر كنهه ...شفقة!..هز رأسه بقوة كأنما ينفض عنه تلك الفكرة الغريبة..إنه الخوف إذن!..
قرر بسرعة،كأنما يفضل أن يكون جباناً،بل أجبن أهل الأرض قاطبة..على أن تحمل نفسه ذرة عطف أو شفقة على"فؤاد"!..عندما لمح الوسادة المربعة الموجودة وراء كتف"فؤاد" النائم..فسحبها بخفة
"يا بنت الكلب!"غمغم"فؤاد"فتجمد"عاطف"مكانه فى رعب..لكنه وجده-لحسن الحظ- مازال نائماً يحلم!
"يا بت الكلب!.. مش سيبك أنا ..مستخسره نفسك فيا!"
وضع"عاطف" الوسادة على وجه"فؤاد"الذى مازال يتكلم ..ثم رفعها بسرعة ليعرف ماذا كان يقول بالضبط!
- فا..تن
" فاتن!"دوت الكلمة فى مخه كطلقة رصاص..التيس العجوز كان يحلم ب"فاتن"أخته!..وضع الوسادة ليغلق بها فمه كأنما يغلق بلاعة مجارى!.و.صوب المسدس من فوقها و أعتصر الزناد فى غل!
*******
فتح"عاطف" الباب و خرج ممسكاً بالمسدس الخالى من الطلقات بيمناه..رأته أمه التى أستيقظت -هى و أختيه -على صوت الرصاصة الأخيرة..و رأوا جثة فؤاد و قد غطت وجهه الوسادة الغارقة بدمه
"-ابنى!"هتفت أمه و هى تضرب صدرها فى هلع.. ابتسمت"فاتن"و سالت من عينها دمعة فرح..فى حين أندفعت"هبة"تحتضنه فى حب!
بعدها خرج إلى الشارع الذى بدأ يضج بالحركة.. فى يده مسدسه يمشى و قد رفع رأسه فى إعتداد..كل من مر به نظر له فى إعجاب..و سأل نفسه هل فعلها حقاً؟!
حتى"وحيد"وجد نفسه ينظر له بتقدير ..فعلها ابن الخامسة عشر!..قتل"فؤاد"و ها هو ذا أمام عيون أهل الحارة الذاهلة..يركب توكتوك ويذهب إلى قسم الشرطة القريب ليسلم نفسه!
* يتبع*
بلا ندم!
"شوف البت الهبلة؟!بعتها تجيب الحنه..قامت وقعتها فى الأرض و راجعه تعيط!"قالت أمه..و هى تعيد الحناء إلى الصينية..وترص الشمع فوقها!
تذكر"عاطف"كلمات امه،و هو يجلس بإنتظار عودة"فؤاد"..أخرج المسدس- ربما للمرة العشرين-فى تلك الليلة.. ليطمئن على أن الرصاص فى مكانه و جاهز للإطلاق..ثم خبئه تحت حاشية الأريكة التى ينام عليها..حملق فى السقف بضع دقائق..ثم نظر إلى باب الغرفة التى تنام فيها أمه و شقيقتيه بعد سهرة أمس السوداء..و استغرب كيف أطاق صبراً على احتمال كل هذا الضجيج و العجيج.!.خاصة بعد أن تأكد أن ذلك الخنزير"فؤاد"حاول اغتصاب"فاتن"بالفعل..مستغلاً غياب"عاطف"و أمه!..
كان هذا ما فهمه من كلام أمه ..لما أخبرته أنها حين عادت من بيت"أم ياسمين"قابلت"فاتن"تجرى خارجة من الشقة،لتهرب من"فؤاد"الذى كان يريد ضربها. لأنها كسرت الشيشة.-هكذا قال -!.
و قد صدقته و لم تلاحظ أنها نفس الشيشة التى كان يشرب منها "التعميرة." قبل أن يخرج!
فكر"عاطف"أنه من الجيد أن"فؤاد"خرج من البيت قبل أن يراه !..فلو رأه لحظتها لاشتبك معه فى معركة لن تحسم لصالحه ..فذلك الحلوف البرى قادر على هزيمته هزيمة نكراء!.
..و الأفضل من ذلك أنه وجد مسدس"فؤاد"-قد نسيه-تحت وسا دته."معمر"- به ذخيرة- و جاهز للإطلاق.
.بدا هذا حلماً أجمل من أن يتحقق!,,حتى أنه قرص نفسه ليتأكد أنه ليس واهماً..شعر بالسعادة أنه لا يحلم.... أخرج المسدس مرة أخرى و تحسسه فى لهفة ثم أعاده إلى مكانه!..قام ينظر من فرجة الشيش إلى الشارع المظلم..متى تنتهى هذه الليلة التى تبدو بلا أخر!
***************************
فى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالى..انتبه"عاطف"و طار النعاس من عينه على طرقات متراخية على الباب..لقد عاد"فؤاد"!..لم يكن"عاطف" قد نام لحظة ليلة أمس،و قد بدأ السأم يهزم قدرة على مواصلة السهر..فغفا -لا يدرى-ساعة أو بضع دقائق..لكن ما أن سمع الباب يطرق حتى تيقظ عقله كأنما نام عام!..مد يده تجت الحاشية ليتحسس المسدس للمرة الخمسين بعد المائة..ثم قام ليفتح ل"فؤاد"الذى عاد مخموراً يترنح كعادته!
اسنده على كتفه و ذهب ليضعه فى فراشه..مشمئزاً من رائحة الخمر التى تفوح منه
"-و أنت صغير.. كنت بتكعبل في رجليك و انت نايم على الأرض!"قالها"فؤاد"بأنفاس عبقة بالكحولٌ قبل أن يسأل بدهشة:
- أنت لسه نايم فى الصالة من ساعتها؟!
رد"عاطف"بتنهيدة متعبة..كانا قد وصلا إلى السرير ..فألقاه فى الفراش على وجهه..و وقف يلهث من فرط الإنفعال!
مضت دقيقة قبل أن يخرج"عاطف"مسرعاً ليجلب المسدس..شد أجزاء مسدسه و هو يدخل من الباب..و استدار ليغلقه وراءه بحرص..تقلب"فؤاد" فى فراشه..فتجمد "عاطف"مكانه و قد حبس أنفاسه..
بعدها تعالى غطيط"فؤاد"فتقدم شاهراً سلاحه نحو رأس"فؤاد النائم..-و برغم أنه يحلم بقتل"فؤاد"منذ سنوات.. اهتز أصبعه على الزناد و لم يقو على إطلاق النار!
وقف لحظة يراقب وجه"فؤاد"الهادئ..و قد تحرك فى قلبه شعور غامض لا يدر كنهه ...شفقة!..هز رأسه بقوة كأنما ينفض عنه تلك الفكرة الغريبة..إنه الخوف إذن!..
قرر بسرعة،كأنما يفضل أن يكون جباناً،بل أجبن أهل الأرض قاطبة..على أن تحمل نفسه ذرة عطف أو شفقة على"فؤاد"!..عندما لمح الوسادة المربعة الموجودة وراء كتف"فؤاد" النائم..فسحبها بخفة
"يا بنت الكلب!"غمغم"فؤاد"فتجمد"عاطف"مكانه فى رعب..لكنه وجده-لحسن الحظ- مازال نائماً يحلم!
"يا بت الكلب!.. مش سيبك أنا ..مستخسره نفسك فيا!"
وضع"عاطف" الوسادة على وجه"فؤاد"الذى مازال يتكلم ..ثم رفعها بسرعة ليعرف ماذا كان يقول بالضبط!
- فا..تن
" فاتن!"دوت الكلمة فى مخه كطلقة رصاص..التيس العجوز كان يحلم ب"فاتن"أخته!..وضع الوسادة ليغلق بها فمه كأنما يغلق بلاعة مجارى!.و.صوب المسدس من فوقها و أعتصر الزناد فى غل!
*******
فتح"عاطف" الباب و خرج ممسكاً بالمسدس الخالى من الطلقات بيمناه..رأته أمه التى أستيقظت -هى و أختيه -على صوت الرصاصة الأخيرة..و رأوا جثة فؤاد و قد غطت وجهه الوسادة الغارقة بدمه
"-ابنى!"هتفت أمه و هى تضرب صدرها فى هلع.. ابتسمت"فاتن"و سالت من عينها دمعة فرح..فى حين أندفعت"هبة"تحتضنه فى حب!
بعدها خرج إلى الشارع الذى بدأ يضج بالحركة.. فى يده مسدسه يمشى و قد رفع رأسه فى إعتداد..كل من مر به نظر له فى إعجاب..و سأل نفسه هل فعلها حقاً؟!
حتى"وحيد"وجد نفسه ينظر له بتقدير ..فعلها ابن الخامسة عشر!..قتل"فؤاد"و ها هو ذا أمام عيون أهل الحارة الذاهلة..يركب توكتوك ويذهب إلى قسم الشرطة القريب ليسلم نفسه!
* يتبع*
الجزء5.. بلا ندم!
"شوف البت الهبلة؟!بعتها تجيب الحنه..قامت وقعتها فى الأرض و راجعه تعيط!"قالت أمه..و هى تعيد الحناء إلى الصينية..وترص الشمع فوقها!
تذكر"عاطف"كلمات امه،و هو يجلس بإنتظار عودة"فؤاد"..أخرج المسدس- ربما للمرة العشرين-فى تلك الليلة.. ليطمئن على أن الرصاص فى مكانه و جاهز للإطلاق..ثم خبئه تحت حاشية الأريكة التى ينام عليها..حملق فى السقف بضع دقائق..ثم نظر إلى باب الغرفة التى تنام فيها أمه و شقيقتيه بعد سهرة أمس السوداء..و استغرب كيف أطاق صبراً على احتمال كل هذا الضجيج و العجيج.!.خاصة بعد أن تأكد أن ذلك الخنزير"فؤاد"حاول اغتصاب"فاتن"بالفعل..مستغلاً غياب"عاطف"و أمه!..
كان هذا ما فهمه من كلام أمه ..لما أخبرته أنها حين عادت من بيت"أم ياسمين"قابلت"فاتن"تجرى خارجة من الشقة،لتهرب من"فؤاد"الذى كان يريد ضربها. لأنها كسرت الشيشة.-هكذا قال -!.
و قد صدقته و لم تلاحظ أنها نفس الشيشة التى كان يشرب منها "التعميرة." قبل أن يخرج!
فكر"عاطف"أنه من الجيد أن"فؤاد"خرج من البيت قبل أن يراه !..فلو رأه لحظتها لاشتبك معه فى معركة لن تحسم لصالحه ..فذلك الحلوف البرى قادر على هزيمته هزيمة نكراء!.
..و الأفضل من ذلك أنه وجد مسدس"فؤاد"-قد نسيه-تحت وسا دته."معمر"- به ذخيرة- و جاهز للإطلاق.
.بدا هذا حلماً أجمل من أن يتحقق!,,حتى أنه قرص نفسه ليتأكد أنه ليس واهماً..شعر بالسعادة أنه لا يحلم.... أخرج المسدس مرة أخرى و تحسسه فى لهفة ثم أعاده إلى مكانه!..قام ينظر من فرجة الشيش إلى الشارع المظلم..متى تنتهى هذه الليلة التى تبدو بلا أخر!
***************************
فى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالى..انتبه"عاطف"و طار النعاس من عينه على طرقات متراخية على الباب..لقد عاد"فؤاد"!..لم يكن"عاطف" قد نام لحظة ليلة أمس،و قد بدأ السأم يهزم قدرة على مواصلة السهر..فغفا -لا يدرى-ساعة أو بضع دقائق..لكن ما أن سمع الباب يطرق حتى تيقظ عقله كأنما نام عام!..مد يده تجت الحاشية ليتحسس المسدس للمرة الخمسين بعد المائة..ثم قام ليفتح ل"فؤاد"الذى عاد مخموراً يترنح كعادته!
اسنده على كتفه و ذهب ليضعه فى فراشه..مشمئزاً من رائحة الخمر التى تفوح منه
"-و أنت صغير.. كنت بتكعبل في رجليك و انت نايم على الأرض!"قالها"فؤاد"بأنفاس عبقة بالكحولٌ قبل أن يسأل بدهشة:
- أنت لسه نايم فى الصالة من ساعتها؟!
رد"عاطف"بتنهيدة متعبة..كانا قد وصلا إلى السرير ..فألقاه فى الفراش على وجهه..و وقف يلهث من فرط الإنفعال!
مضت دقيقة قبل أن يخرج"عاطف"مسرعاً ليجلب المسدس..شد أجزاء مسدسه و هو يدخل من الباب..و استدار ليغلقه وراءه بحرص..تقلب"فؤاد" فى فراشه..فتجمد "عاطف"مكانه و قد حبس أنفاسه..
بعدها تعالى غطيط"فؤاد"فتقدم شاهراً سلاحه نحو رأس"فؤاد النائم..-و برغم أنه يحلم بقتل"فؤاد"منذ سنوات.. اهتز أصبعه على الزناد و لم يقو على إطلاق النار!
وقف لحظة يراقب وجه"فؤاد"الهادئ..و قد تحرك فى قلبه شعور غامض لا يدر كنهه ...شفقة!..هز رأسه بقوة كأنما ينفض عنه تلك الفكرة الغريبة..إنه الخوف إذن!..
قرر بسرعة،كأنما يفضل أن يكون جباناً،بل أجبن أهل الأرض قاطبة..على أن تحمل نفسه ذرة عطف أو شفقة على"فؤاد"!..عندما لمح الوسادة المربعة الموجودة وراء كتف"فؤاد" النائم..فسحبها بخفة
"يا بنت الكلب!"غمغم"فؤاد"فتجمد"عاطف"مكانه فى رعب..لكنه وجده-لحسن الحظ- مازال نائماً يحلم!
"يا بت الكلب!.. مش سيبك أنا ..مستخسره نفسك فيا!"
وضع"عاطف" الوسادة على وجه"فؤاد"الذى مازال يتكلم ..ثم رفعها بسرعة ليعرف ماذا كان يقول بالضبط!
- فا..تن
" فاتن!"دوت الكلمة فى مخه كطلقة رصاص..التيس العجوز كان يحلم ب"فاتن"أخته!..وضع الوسادة ليغلق بها فمه كأنما يغلق بلاعة مجارى!.و.صوب المسدس من فوقها و أعتصر الزناد فى غل!
*******
فتح"عاطف" الباب و خرج ممسكاً بالمسدس الخالى من الطلقات بيمناه..رأته أمه التى أستيقظت -هى و أختيه -على صوت الرصاصة الأخيرة..و رأوا جثة فؤاد و قد غطت وجهه الوسادة الغارقة بدمه
"-ابنى!"هتفت أمه و هى تضرب صدرها فى هلع.. ابتسمت"فاتن"و سالت من عينها دمعة فرح..فى حين أندفعت"هبة"تحتضنه فى حب!
بعدها خرج إلى الشارع الذى بدأ يضج بالحركة.. فى يده مسدسه يمشى و قد رفع رأسه فى إعتداد..كل من مر به نظر له فى إعجاب..و سأل نفسه هل فعلها حقاً؟!
حتى"وحيد"وجد نفسه ينظر له بتقدير ..فعلها ابن الخامسة عشر!..قتل"فؤاد"و ها هو ذا أمام عيون أهل الحارة الذاهلة..يركب توكتوك ويذهب إلى قسم الشرطة القريب ليسلم نفسه!
* يتبع*
الجزء الأخير..حبس مشدد
" أنا عايز أفهم حاجه واحدة دلوقت..مين فيكم اللى قتله؟!"سأل معاون المباحث فأجاب"عاطف"و أمه فى نفس الوقت
- أنا يا باشا قتلته!..و أضافت أم"عاطف"بحرقة:
- هوا كان بيضربنى..و مبهدلنا كلنا.....
قاطعها"عاطف"موجهاً كلامه للمعاون:
- مالكش دعوى بيها يا باشا..أنا اللى قتلته..والمسدس أهو..و عليه بصماتى!
أكملت أم"عاطف":
- ......عشان كده قتلته يا باشا..دا كان بيشرب و بياخد منشطات!..أنا ست عندى السكر و الضغط
صاح"عاطف"منفعلاً:
- ياما روّحى أبوس رجلك..يا باشا خدنى يا باشا..الست دى ملهاش دعوى!
- أسكت يا"عاطف"..أنا اللى قتلته يابنى..متضيعش مستقبلك!
خبطت معاون المباحث على المكتب و صاح:
- بس..بس أنت و هى..الله يخرب بيوكوا..انتوا بتتعزموا على سندوتش شاورما؟!..دى جريمة قتل بروح امك منك ليها!
- ارفعوا البصمات يا باشا..و الله العظيم أنا اللى قتلته..والله يا باشا أمى مالهاش دعوى!
- صاح المعاون فى ضجر:
- طب و الله العظيم لتتحبسوا أنتوا الاتنين..و تتعرضوا بكره على النيابة!
هتف"عاطف"فى استنكر:
- أخواتى يا باشا هيتبهدلوا..سايق عليك نبى تخلى أمى تروح دلوقت!..طب لو لقيتوا عليها حاجة..أبقوا هاتوها تانى!.."سيد عجينة"ممكن يخطف أختى يا باشا!
هتف المعاون بدهشة:
- "سيد عجينة"تاجر المخدرات!..طب أحكلى أيه الموضوع بالظبط..و "سيد"عايز أيه من أختك؟!
وقف"عاطف"فى قفص الإتهام يتطلع إلى أمه و شقيقتيه..و سره كثيراً أن يرى"هبة"التى أرتدت الحجاب ..فبدا وجهها الصبوح.مستديراً كالقمر،و.خالياً من مساحيق التجميل ..لم تعد سلعة تُزين لتباع!
..و"فاتن"التى أنقذها من الهاوية ..وهما تنظران له فى امتنان .. لم يعد يهمه الحكم الذى سيناله-حتى لو أُعدم-سيموت راضياً..
المهم أن النيابة أفرجت عن أمه..و هى الآن تعيش مع شقيقتيه مرفوعى الرأس-بعد ما فعل-حتى أن"عجينة"و-برغم حبسه- لم يجرؤ على التعرض لأياً منهن!
راقب القلق على وجوههن مستغرباً..و هن يستمعن لمرافعة النيابة الأخيرة..حيث سرد وكيل النائب العام الواقعة بإختصار و حياد..و بدا رفيقاً به-لحداثة سنه-و الظروف التى دفعته لإرتكاب جريمته..بعدها اسهب محاميه فى الدفاع عنه وشرح ملابسات القضية..حتى أن الحضور ازداد تعاطفاً معه!
بعدها رفع القاضى الجلسة للمداولة..و ضجت القاعة بأحاديث الحضور من الأهالى و المتهمين
- أطمن يا"عاطف"..المحامى طمنى ..و قال إنك أن شاء الله هتاخد حكم مخفف.
هتفت أمه التى أقتربت من القفص هى وشقيقتيه-ليتمكن من سماعها ..فهتف"عاطف":
- أنا راضى بحكم ربنا..المهم أنت عامله أيه أنت و البنات؟..حد اتعرض لكوا أو ضايكقوا؟
- أحنا بخير يابنى أطمن..المهم ربنا يرجعك لنا بالسلامة!
ابتسم"عاطف"فى مرارة:
- أنا كده كده هتحبس!..يمكن خمستاشر سنه..
شهقت أمه و اضطرب وجه شقيقتيه..فهتف:
- ما تتخضوش!..المهم ياما أنا عايز منك حاجة!
- ليه يعنى خمستاشر سنه؟دا ميستهلش تتحبس فيه يوم!هتفت"هبة"فى إستنكار..و أكملت"فاتن":
-أنا لو من القاضى أديك براءة!
هتف"عاطف"فى نفاذ صبر:
- و الله راضى لو خدت إعدام!..المهم ياما تسيبوا الحارة و تسكنوا فى حتة تانية!
-حته تانيه فين يابنى؟!سألت أمه فى حيرة..فأجاب "عاطف":عارفه حارة(.......)..دى قريبة من حارتنا..بيعى الشقة و روحوا أسكنوا هناك!
- بس يابنى أحنا مالناش حد هناك،و لا نعرف حد و لاحد يعرفنا!
- عشان كده بقولك روحى هناك..عشان تعيشوا بعيد عن سيرة"فؤاد"..و ربنا يرزق "هبة"و"فاتن"و يتجوزوا جدعين ولاد حلال!
..بس أنت روحى هناك و أسألى على الشيخ"محمود"و اطلبى منه المساعده..أنا كنت قابلته و عرض عليا يكلم"فؤاد"..بس أنا سبته و مشيت!.. قوليه بأمرة الشاب اللى قابلته بيعيط فى المسجد من خمس شهور وحكى لك عن مشكلته..هو يعرف الحكاية كلها..الحاجة الوحيدة اللى ميعرفهاش أن"فؤاد"أبو البنت اللى حكيت له عنها يبقى أبويا!
"محكمة"صاح الحاجب ..فعاد القضاة إلى المنصة..قال القاضى بعد أن ساد الهدوء قاعة المحكمة:
- بعد مراجعة أوراق القضية رقم128جنايات لسنة2008،و بعد الإستماع لأقوال الشهود ،و مرافعة النيابة و الدفاع،و قد ثبت للمحكمة بالأدلة القطعية أن الحدث المتهم"عاطف فؤاد عبد ربه سالم"قام بقتل والده-مع سبق الإصرار و الترصد- بسلاح المجنى عليه..مسدس عيار9ملى-بدون ترخيص-و نظراً لحداثة سن المتهم..و سنه خمسة عشر عاماً و أربعة أشهر- وقت ارتكاب الجريمة-حكمت المحكمة حضورياً على المتهم بالسجن المشدد عشر سنوات..مع الشغل و النفاذ.. رفعت الجلسة.
**************************
- تم تخفيف الحكم لسبع سنوات،ثم لثلاث سنوات فى الدرجة الثانية من التقاضى..و فى أثناء تنفيذ الحكم أكمل"عاطف"دراسته و حصل على دبلوم صنائع
- انتقلت أسرة"عاطف من مسكنهم القديم إلى مسكن جديد بمعاونة"محمود"الذى تزوج"هبة"بعد أنتقالهم بعام واحد..و أنجبا ثلاثة أطفال"عاطف"و"شيماء"و"محمد"
- خرج"عاطف"من السجن عندما أتم سن الثامنة عشر و افتتاح ورشة نجارة،قريبة من مكان سكنه الجديد وخطب فى سن الثلاثين بعد أن زوّج"فاتن"التى حصلت على دبلوم تمريض..و بعد زواجها بأقل من عام أنجبت الطفلة"علياء"
* تمت*