قصص تليجرام

الجائزة الكبرى الحلقة الاولي (الزوجة الوفية)

الجائزة الكبرى الحلقة الاولي

لم تصدق"صفية"عينيها من شدة الفرح..و ظنت أنها تحلم..حين رأت زوجها يخطو على قدميه لأول مرة..دون أن يستند على كتفها..كما دأب فى أخر ثلاث سنوات،من مرضه الطويل الذى اقعده فى الفراش،مدة تجاوزت الخمسة عشر عاما..اخيرا تجاوزا تلك المحنة القاسية!

تلك المحنة التى بدأت بعد فترة قصيرة من زواجهما،لا تتجاوز الشهرين ..الآن بعد أن شفى زوجها،بدا كل ما عانته من ألم ،حتى تصل إلى هذه اللحظة ،مجرد سحابة صيف ، تبددت لتترك سماء حياتهما،زرقاء صافية،تشرق فيها شمس رائعة الجمال..وتمنت من أعماق قلبها لو كانت تستطيع أن تذغرد فرحا،فى تلك اللحظة..لولا أن الوقت كان بعد منتصف الليل بساعتين أو نحوهما..عندما أقبل زوجها عليها عائدا من الحمام..شعره و جسده يقطر بالماء..قد استحم بمفرده-دون معاونةمنها-قبل أن يضيئ نور الغرفة،و أخذ يتجول أمامها، و هى جالسة على السرير..كأنما هو طفلا فخورا..يستعرض مهارته الجديدة أمام أمه.. و لم تدر بنفسها،إلا و قد اندفعت تحتضنه،و تغرق وجهه و رأسه المبتل بالماء،بقبلات أمومية!امتزج فيها الفرح بالحنان،والسرور بالدهشة..قبل أن يرفعها من فوق الارض بشيء من العسر، رغم وزنها الذى لم يتجاوز ال٥٤ كيلو جرام..و دق قلبها بالفرح و الخجل، و قد ذكرها فعله هذا بيوم زفافهما ،حين دخل من هذا الباب،و هو يحملها..و وضعها على السرير،قبل أن يمتزجا معا ليقضا، ليلة من ليالى شهر العسل..تركت على شفتيها طعم الهناء،بعد الشقاء الطويل... 

***************************

استيقظت العروسة باسمة منشرحة الصدر،فى صباح اليوم التالى..لكنها لم تقم من السرير بسرعة-كعادتها-لتبدأ يوما طويلا شاقا.. و بدلا من ذلك تمددت جوار زوجها الغافى باسترخاء..تتأمل ملامحه الهادئة-كما فعلت-صبيحة يوم زفافها منذ خمسة عشر عاما..و على الرغم من نحوله،و الشعر الأبيض الذى تناثر علي ذقنه و ما تبقى من شعر رأسه، فقد بدا -في عينها -كالفارس العائد من مجاهل مرضه ..ليحررها من سبى أمه و اختيه..و أنه أوسم الرجال، و أشجعهم و أطيبهم قلبا! و ضحكت فى سرها، على سذاجة صديقاتها اللاتى نصحنها بهجره، حين أصيب بالشلل فى حادث سير مروع..و لولا معاملة حماتها ،و بنتاها شديدة القسوة لها،لكانت قاطعت كل صديقاتها على هذا التحريض!

و تذكرت بكاءها المر حين مر على محنتها هى و زوجها تسع سنوات، وهى تغادر منزل أبيها- شبه مطرودة-حين صاحت أمها فى وجهها..اطلبى الطلاق يا حمقاء!سنوات عمرك ستضيع مع زوج عاجز..و هددتها أنها ستقاطعها حتى تموت..و ستوصى إن ماتت بألا تحضر لها غسلا و لا جنازة!

و قد ظلت أمهإ أكثر من عاما و نيف ،لا تكلمها و لا تزورها،و لولا تدخل أبوها بالصلح بينهما لظلت-امها-غاضبة عليها..كانت"صفية"تعلم بأن أمها ما فعلت ذلك إلا لحبها لها   خوفها عليها..و هى ابنتها الوحيدة من أن يذوى شبابها و جمالها،دون أن تهنئ بزوج أو ولد!

-لابد أن اتصل بأمى لأفرح قلبها،بخبر شفاء"عوض".

كذا فكرت"صفية"قبل أن تستعد لمغادرة الفراش..عندما شعرت بزوجها يستيقظ..فالتفتت إليه باسمة :

صباح الخير يا حبيبى.

رد بقبلة على أطراف أناملها قائلا فى نشوى:

- صباح العسل!

***************************

دوت زغرودة أم"عوض"و"رباب"زوجة أخيه فى أرجاء المنزل،و تبعتهما أخته الصغرى"لطيفة"بثلاث زغاريد متصلة،حين صعد الدرج لأول مرة،منذ أن نزله صبيحة يوم الحادث..حين كان يسكن هو و زوجه،فى الطابق الثالث من منزل عائلته..قبل أن يتبدل كل شيء، لعدم قدرته عل على الحركة..

حين سمعت"صفية"الزغاريد..علمت أن كل من فى البيت علموا بأمر شفاء زوجها..و دق قلبها بخوف حين سمعت صوت أمه ،و أخته تقتربان من باب غرفتهما بالطابق الأرضى..و اسرعت ترتدى نقابها-رغم علمها بأن أخا زوجها ليس موجود-فهو يذهب ليرعى أرضه فى الصباح الباكر..

فتح الباب ليدخل"عوض"بموكبه الصغير ، و أمه تربت على ظهره..و اخته تتعلق بذراعه..

قالت أمه و هى تدفعه برفق نحو السرير:

-ارتاح على فراشك يا بنى.

فقبل رأسها قبل أن يجلس على الكرسى،و هو يقول ضاحكا:

-لقد تعبت من الرقاد يا أمى..أنا مرتاحا هنا.. على هذا الكرسى.

عندما نظرت أم"عوض"و"لطيفة"أخته ناحية"صفية"التى وقفت صامتة،فى ركن قصى من الغرفة..و بدتا كأنما لاحظتا وجودها للتو..

ذهبت إليها الأم  ،و جذبتها من يدها

-لماذا تقفين بعيدا هكذا؟!تعالى و اجلسى بجوار زوجك..

قالتها أم"عوض"و هى تجلس "صفية"على طرف الفراش..بعيدا

عن الكرسى الذى يجلس عليه"عوض"ثم جلست هى و بنتها بينهما بالقرب من "عوض"و  تبقت مسافة بين الجمع و"صفية"التى لم بدورها، راغبة فى القرب من هاتين المرأتين اللاتين جعلتا حياتها في هذا البيت جحيما لا يطاق..!

هما وأخت زوجها"غالية"..التى تحمد الله لأنها سافرت مع زوجها و أولادها إلى محافظة أخرى..

"ما هذا يا"صفية"؟!لماذا ترتدين النقاب و نحن وحدنا؟!هل تعديننا أنا و"لطيفة"رجلين؟!

و لم ترد"صفية"التى لم تكن تدرى بما تجيبها..فقد كانت أم زوجها، هى التى فرضت عليها ارتداء النقاب،حين تكون موجودة..لأنها لا تريد أن ترى وجهها الذى كان شؤما على أبنها-كما زعمت- 

"لقد انقبض قلبى من هذا النقاب الأسود..فلما لا تخلعيه؟!"

سألت الأم..فردت"لطيفة"ساخرة:

- دعيها على راحتها يا أمى..فربما كان ما تحت النقاب يقبض القلب أكثر منه!

-أو ربما لا تريد أن نرى ضيقها بشفاء أخى باديا على وجهها!

و رغم انزعاج"صفية"من كلام أخت زوجها ..لم يبد على"عوض"أنه قد لاحظ معاملة أخته القاسية ،و كلماتها الجارحة لزوجته..و قالت"صفية"في نفسها ربما لم يلاحظ ما حدث لفرحته بالشفاء..و أنه فيما بعد سيضع حدا لها و لغيرها..

ردت"صفية"في غيظ،و هى ترفع نقابها:

- كيف تقولى مثل هذا الكلام؟!إن الأرض لا تسعنى اليوم،فرحا بشفاءه !

رفعت"لطيفة"حاجبها،و مصمصت شفتيها فى استهزاء:

-آه..كم أن هذا واضح كشمس الضحى!

شعرت"صفية"بغيظ أكبر، و لم تدر بما ترد..لكنها نظرت نحو زوجها الصامت..تتلمس دعمه..عندما لاحظت حاجبيه المعقودين فى تفكير..و سرها كونه قد تضايق من أجلها- وأن لم يفعل شيء-و تأكدت فى تلك اللحظة أن معاناتها،التى توهمت لبعض الوقت أنها إنتهت،قد بدأت للتو فصلا جديدا..

***************************

"ألم تكن أمى قد منعتك من دخول المطبخ يا"صفية؟!"

سألتها"غالية"متصنعة أكبر قدر من الدهشة،قبل أن تضيف في تهكم:

-أذكر أن آخر مرة أكلنا فيها من يدك،كانت صبيحة يوم الحادث!

ردت"صفية"محتدة:

- لما لا تتركيني فى حالى يا عمتي و تهتمى بزوجك..الذى كلّت يداه من حمل حقيبة ملابسك ،كلما تركت منزلك غضبى!

أمتقع وجه"غالية"وقالت فى حدة:

-و من قال اننى غضبى؟!إنما جاءت لأهنىء أخى بالشفاء!

كانت"صفية"متأكدة من أنها تكذب..لأنها جاءت قبل أن يخبرها أحد بشفاء اخيها..و حتى لو أخبروها  فورا.. فإن الطريق يستغرق  عدة ساعات.. لتصل قبيل المغرب، أو بعد العصر فى أفضل الأحوال..و ليس الساعة الحادية عشر صباحا..

لكنها أثرت عدم الدخول في جدال معها،فقالت:

- كل شيء جائز!

لكن"غالية"قالت فى تبرير مرتبك:

-لقد جاءت فور أن علمت بشفاء أخي..حتى إننى لم أحضر الأولاد معى..لأننى سأعو..لأننى سأبقى فترة....أقصد أن لديهم دراسة.. مدارس و جامعات..و قد اقتربت إمتحانات نهاية العام!

بعدها ظللن جميعا تعملن فى صمت، يحضرن الغداء ..و"صفية"

 تقول في نفسها بضيق:

- كأنه كان ينقصني حضورها هى الأخرى!

و عندما إنتهين من تحضير الطعام ..ذهبن به إلى المندرة..و قد كان"عمران"الأخ الأكبر لزوجها..الذى عاد فى موعد الغذاء ..يجلس مع أخيه وحدهما..و زوج الأخت لم يكن موجودا!

***************************

"ألا تعلم لما تركت عمتي بيتها؟سألت"صفية""عوض"الذى انعكست صورته ..جالسا فى السرير.. على المرآة التي جلست أمامها تسرح شعرها الجميل الذى يغطى ظهرها..فأجاب"عوض" بلا أهتمام:

-و منذ متى تحتاج عمتك سبب لتترك بيتها؟!

كان محقا فيما قال..فقد كانت أخته دائمة الشجار مع زوجها.. لا تكد تستقر في بيتها..حتى تتركه من جديد!

لكن هذا كان يحدث عندما كانت تسكن بجوار أمها ..لا يفصلهما

سوى شارع واحد..و قد تصورت"صفية"أن الوضع سيختلف 

حين تكون بعيدة -كل هذا البعد-لكن هيهات فكل ما حدث  ،هو أنها صارت تمكث في بيتها بضعة أشهر،ثم تتركه لتمكث فى بيت أبيها مدة شهر أو نحو ذلك..حتى يأتي زوجها و يصالحها..

كانت" صفية"تشعر بالشفقة على هذا الزوج المسكين..فبالتأكيد

 زوجته هى سبب كل المشاكل..لكنها يحبها حبا كبيرا-على ما يبدو- يجعله يلهث وراءها كالكلب!

و سألت نفسها فى دهشة..لماذا كل نساء هذا المنزل-باستثناء "رباب"-متسلطات على هذا النحو؟!

حتى الأبنة الصغرى"لطيفة"كانت إسما لا يطابق وصف!..

متسلطة على زوجها و ابنتها الوحيدة"ملك" و هى أطيب فتاة

رأتها"صفية"في حياتها..ليس بها من عيب،سوى أنها ابنة"لطيفة"..التى تعتبرها مصيبة ابتلاها بها الله..كل هذا لأنها"ملك "الصغيرة قد ولدت صماء بكماء..لكنها كانت ذكية لمّاحة..جميلة الملامح كدمية بيضاء هادئة..هى الآن فى التاسعة..و جميع من فى البيت يهيم بها حبا.."صفية" و"رباب"..خاصة أم"عوض"جدتها التى تحبها حبا لم تر له"صفية"مثيل..لكن أمها نادرا ما تظهر نحوها بعض الحنان أو العاطفة..

انتزعتها من أفكارها أصابع زوجها،و هى تفك شعرها لينسدل على ظهرها،و هو يهمس فى أذنها بحنان:

-دعينا من فرقة الإعدام تلك، و أخبرينى بما هو أهم..لما لا تتركى شعرك ينساب هكذا على راحته؟!

أسرعت تلم أطراف شعرها دون أن تلاحظ..و هى تقول في بساطة:-لانه سيتشابك!

فك "عوض"شعرها مجددا، و أخذ يمشطه بفرشاة الشعر،و هو  يضحك عجبا:

-و كيف يتشابك هذا الحرير يا ناس؟!اخبروني بالله عليكم!

وضعت"صفية"يدها اليسرى على فمها تدارى بسمة خجلى،قبل 

أن يتوقف"عوض"عن تمشيط شعرها،و هو يسأل في صدمة:

- ما هذا؟!

سألت"صفية": - ماذا ؟!

أراها شيئا فى كفه استطاعت أن تره بصعوبة..كان شعرة بيضاء!

شعرت"صفية"بالاسف..لأن الشيب بدأ يدب فى رأسها..

عندما أضاف"عوض"في ضيق:

- لقد وجدت ثلاث شعرات بيضاء في فرشاة الشعر!

***************************

بمرور الوقت فترت علاقة"صفية" و زوجها ..في البداية لم تلاحظ"صفية"تغير زوجها..بل و بررت انصرافه عنها بانشغاله بالعمل فى الأرض مع أخيه..و قالت فى نفسها إنه فى النهاية  يعمل من أجلنا ،و من أجل أطفالنا القادمين..!..

ثم بدأت تلاحظ"تغيره"..و أنه لم يعد يفوت فرصة لينتقد ملابسها ،وتسريحة شعرها،والتجعيدة التى ظهرت بين حاجبيها،و الشعرات البيض في مفرقها..و يحاصرها بتعليقات من نوع:لقد كبرت..لقد نحل عودك..لم تعودى صغيرة!

كأنما لم يكبر هو!...كأنما السنوات الخمسة عشر الماضية،قد مرت عليها وحدها!

لكنها ظلت تمنى نفسها بأنه سيعاملها بطريقة أفضل،و يحسن عشرتها،إن تركا منزل عائلته..و سكنا في بيتهما الخاص،بعيدا عن أمه ،التى تؤثر على شخصيته بصورة كبيرة..فكلما جرحها بكلامه عن نحافتها،حتى أنه صارحها أنها صارت فى نحافة المقشة،و أنه يفضل إحتضان الوسادة،بدلا من أن يحضن قميص نوم فارغ!كانت تشتم لهجة أمه العدائية،وطريقتها في السخرية منها..

و رغم كل هذا ..كانت تتذكر بكاءه،و هو يقبل يديها..عرفانا بفضلها-حين كان مريضا-و هو يقسم لها أنه يتمنى من الله،أن يشفيه.. فقط ليعوضها عن كل ما تعانيه من أجله..رغم أنه- لن يوفيها قدرها مهما فعل-هكذا قال-..فتدعو الله بأنفاس محترقة أن يزيل الغشاوة عن عينيه..و يتذكر كيف كان تسهر على راحته ليلا، و تخدمه و عائلته نهارا..و أمه و أخوته البنات يسممن عيشها،و يستخسرن فيها اللقمة التى تسد الرمق!

و هى لا تشكو له حتى لا يحزن و تسوء حالته الصحية..

وعندما قررت مفاتحته في  رغبتها بالسكن في بيت مستقل-رغم معرفتها بعدم رغبته فى ترك أمه،التى ربته هو أشقاءه دون معين بعد وفاة والدهم-وجدته قد أعد لها مفاجأة لم تكن تخطر لها ببال!

يتبع..

الجائزة الكبرى الحلقة الثانية (رحمة)

تعالى صوت"عوض"و"صفية"..و هما يتشاجران..فهرعت أمه و أختيه ليستطلعن الخبر..طرقت أمه الباب بكفيها المفرودتان،

وهى تصيح:

  -افتحى الباب يا بنت........!

فتح "عوض"لهن الباب..فأطبقن على"صفية"كالكماشة!

هتفت"غالية"و هى تمسك  بها من فتحة ثوبها المنزلي:

  -لماذا ترفعي صوتك على أخى أيتها العرسة؟!

  أزاحت"صفية"يدها و هى تصيح:

  -اتركينى و اسألى أخيك كيف يريد أن يكافئنى،بعد صبر السنين!

  تبادلت"غالية"و أخيها نظرة متواطئة،قبل أن تسأله:

 -هل أخبرتها؟

سألت أمه فى حيرة:-اخبرها بماذا؟!

   قالت"غالية":

   -لقد عزم "عوض"على الزواج على زوجته!

أطلقت أم"عوض"ذغروة مبتهجة قبل أن تقول:

   - ألف نهار ابيض يا بنى ..ربنا يتمم بخير!

 نظرت"صفية" للجمع المبتهج مذهولة،قبل أن تسأل في صدمة:

-و أنا؟!و عمري الذي ضاع ،و أنا أنتظر شفاؤك؟!و كل ما احتملته؟!

سألت"لطيفة"مستنكرة:

-و ماذا احتملت؟!هذا واجب الزوجة المخلصة!

 و أضاف"عوض"كأنما تذكر شئ:

- إنك حتى لم تبدو عليكى  الفرحة حين شفيت!...بل و كانت تحرضنى على ترك بيت أبى!

ثم أضاف في تسامح:

-و مع ذلك لن اطلقك!..أظن من حقى أن أتزوج امرأة شابة، تنجب لى طفل! 

سألت"صفية"في صدمة:

-  و هل أنا عجوزا يا"عوض"؟!إننى فى الرابعة و الثلاثين!

 غمغم"عوض"بكلمات مندغمة:

 -لقد ضاعت منى خمسة عشر عاما..و لا انوى إضاعة المزيد!

-من يسمعك و أنت تقول هذا الكلام،يظن أنك صبرت على زوجة عاقر!و كأنك لست السبب........

 قاطعتها حماتها محتدة:

- أخرسى قطع لسانك! ابنى سيد الرجال كلهم..و سوف يتزوج ست ستك..و ينجب منها البنين والبنات!

 ربت"عوض"على كتف أمه مهدئا :

  -  رفقا يا أمى..لا داعى لهذا الكلام!

  ثم قال ل"صفية":

- أنت زوجتى الأولى..و لن أجور على حقك يوما..لكننى سأتزوج بأخرى..هذا حقى!  و شرع ربنا...

قالت"صفية"فى تحد:

- إن كنت مصرا على الزواج طلقنى!

********

"أنت طالق..طالق ..طالق!"

ظلت الكلمة تتردد فى ذهن"صفية"..و هى تغادر المنزل، الذي لم ترتح فيه منذ أن دخلته عروساً..منذ ما تجاوز الخمسة عشر عاماً..بينما تشيعها لعنات أم"عوض"و بنتيها. .لم تكن تفهم كيف إستطاع"عوض"أن يتخلى عنها بتلك البساطة!..لقد تصورت أنه سيختارها هى!..الزوجة التى وقفت بجواره فى أحلك الظروف و ليس تلك الزوجة المجهولة التى لا يعرف أحد من تكون!

أم لعله يعرف!..ربما أحب فتاة،ويريد أن يتزوجها..!و اعتصر الألم قلبها..هل شاخت حقا؟!و لم يعد لديها فرصة للإنجاب!..

أم أن هذا مكر أخوته؟!

قطع تساؤلاتها الحائرة،صيحة متألمة من"ملك"التى قفزت  لتتعلق برقبتها،و هى تبكى بكاء يمزق نياط القلوب..تلك الطلفة المسكينة التى لا تعرف كيف ستعيش بدونها!...

  فقد كانت لها بمثابة الإبنة التى لم تنجبها..لو كان هناك عدلاً في هذا العالم ..لطالبت بضمها إلى حضانتها !بدلا من أمها القاسية التي تعايرها باعاقتها..

كذا كانت تفكر قبل أن تنقض"لطيفة"على الطفلة الباكية..لتغرس أصابعها فى لحم ذراعيها..مجبرة إياها على إفلات رقبة"صفية"،التى مضغ الألم قلبها على حال ابنتها المسكينة..

ابنتها! ..لا بل لم تكن ابنتها للأسف!

  ففى النهاية هى ابنة"لطيفة"و ابنة هذا المنزل،الذي بدا لها معظم الوقت سجناً كئيباً..سجانه أم"عوض"و بنتيها جلاديه!

 صاحت "صفية"و قد بدأت دموعها التى أقسمت أن تصونها.. حتى تغادر هذا المنزل تتساقط رغما عنها: 

- اتركيها قاتلك الله!أليس فى قلبك رحمة؟!

 طوحت"لطيفة"بالبنت الصغيرة ،فسقطت أرضاً..قبل أن تهجم على"صفية"هى و أختها الكبرى كنمرتين هائجتين..ليدفعها إلى خارج المنزل..و هما يضرباها،حتى صارت في الشارع،و قد تمزق نقابها..و أخذا حقيبة ملابسها منها، و قد تجمع الجيران..ليستطلعوا الخبر..و قد بدا الجمع يضربون كفا بكف تعجباً..حين علموا بما جرى ل"صفية"..الزوجة التى صبرت،كصبر"رحمة"زوجة نبى الله"أيوب"تطرد بهذه الطريقة!

   و تشاجر الجيران مع"عوض"و أختيه..و سبوهم بافظع الأوصاف..قبل أن يتبرع أحد الجيران بأجرة الميكروباص الذي  سيوصل"صفية"إلى منزل أهلها.

**********

"قومى..قومى يا وجه الشؤم..هل أنت نائمة؟!   "

***********

 "لا تحزنى يا"صفية" هذا طبعهن..فمنذ تزوجت أخيهم"عمران  "و هن لا يفوتن فرصة لمضايقتى"  

************

 "لقد أخطأوا حين اسموك"صفية"..كان يجب عليهم أن يسموك وفية فقسماً بالله ما رأيت إمرأة في إخلاصك!"

  ***********

  "إغسلى الأطباق المتسخة..و لا تمدى يدك السوداء في الطعام الذي نأكله حتى لا نموت جميعا!

***********

"أظن أنه من حقى أن أتزوج إمرأة شابة تنجب لى طفل؟"

*********************

 "لو شفانى الله و أمد في عمرى سأعوضك..و إن كنت متأكد   ،من إن أننى لن أستطيع رد ولو واحد بالمائة مما تقومين به لأجلى!"

**********

 "لقد ضاع منى خمسة عشر عاما..و لا أنوى تضييع المزيد من الوقت!"

***********

 ظلت الذكريات الأليمة تتزاحم في رأس"صفية"،و دموعها ، تجرى بصمت على وجنتيها..و هى متكورة على سريرها في ظلام غرفتها..عندما أضاءت أمها النور و سألتها محتدة:          

 - لماذا تبك الآن؟ألم أنصحك أن تتركيه،و تلتفتى لحالك؟!

جلست بجوارها،على السرير،و هى تضيف:

ـ صبرت على مرضه..و مر العيش مع أمه و أخوته..فماذا كان جزاءك؟!طردوك بحقيبة ثيابك!

فكرت"صفية"فى نفسها،أنه لولا"رباب"سلفتها التى هربت لها حقيبة الثياب،من باب المطبخ دون أن يلاحظواـ..لعادت بدون ثياب أيضا!

و لم تدر بما تجيب أمها!..هل كانت هى المخطئة لأنها صبرت ؟!و كيف يصير الصواب خطأ؟!وتكون الإساءة جزاء الإحسان؟!

و برغم ما بها من هم واصلت أمها لومها:

ـ حتى مصاغك باعوه ،دون أن تسألينا!..بحجة علاج"عوض"..كأنه معدم!و هو يملك خمسة أفدنة..

إنخرطت"صفية"فى بكاء حار،بينما كانت أمها تلومها..و قد شعرت بداخل أنها تستحق ذلك اللوم..ليس لأنها صبرت على"عوض"

و وقفت بجانبه فى محنته..بل لأنه لم يكن يستحق!

ولكن كيف كانت ستعرف؟!و هل هناك رجل يستحق أن تضحى من أجله ؟!

كان هذا ما تفكر فيه"صفية"..عندما تدخل أبوها زاجر أمها:

ـ كفاك يا"جليلة"..لقد فعلت أبنتك الصواب،هكذا ربيتيها..لو كنت أنا مكان"عوض"، هل كنت ستتركينى؟
سألت الأم بدهشة:
ـ ما هذا الكلام يا"رشدى"؟!لا أرانى الله فيك مكروها!

ـ أجيبى سؤالى..هل ستتخلى عنى فى مرضى؟

ـ و هل تظننى قليلة الأصل لأتخلى عنك؟!سأفديك بعينى و نفسى يا عشرة عمرى الطيبة!

ـ و ابنتنا ليست قليلة الأصل..و إن كان زوجها لم يحفظ  الجميل..فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً
و ضم"صفية"الباكية ،و قبل مفرق شعرها،و هو يضيف:

ـ و الله سيعوضك الله خيرا منه..ويجبر خاطرك..إنه واسع الفضل يا ابنتى الصابرة.

****************************************

رن  جرس االهاتف فى منزل"صفية"..فأجابت:

ـ السلام عليكم

فلم يرد أحد!لكنها سمعت صوت موسيقى صاخبة،و دق بالدفوف..قبل أن تدوى فى أذنها زغرودة كالرعد  القاصف،عبر سماعة الهاتف،

قبل أن تقول صاحبتها:

ـ فرح أخويا"عوض"النهارده و قلت أفرحك!

ردت"صفية"فى غم:

ـ ربنا يتمم بخير!

ردت"لطيفة"ضاحكة فى شماتة:

ـ هيتمم يا حبيبتى!مش عايزة تعرفى ،هيتجوز مين؟.."بوسى"..بنت 17..قمر14!

سمعت"صفية"صوت"غالية"و هى تضيف:

ـ أدلعى يا بسبوسة،و الأولنية مفروسة!

وضعت"صفية"السماعة،و انهارت باكية على أقرب كرسي،و علا صوت نحيبها..فاقبلت أمها جارية تستطلع الخبر:

ـ ما بك يا بنتى!

ـ تزوج يا أمى..لقد تزوج"عوض"!

ـ بهذه السرعة؟!..لم يكد يمضى شهرين على إنفصالكما!
قالت"صفية"من بين دموعها:

- لقد تزوج"بثينة"بنت"محاسن".

سألت أمها بدهشة:

ـ" بثينة"من؟
ـ"بوسى"تلك الطفلة الصغيرة التى كانت تتعلق بثوب أمها يوم زفافى.

شهقة أمها بدهشة:

ـ تلك البنت الحافية التى كانت تمسح مخاطها فى ثوب أمها!

ثم أضافت سائلة فى حنق:ـ و أنت على ماذا تبكين؟!حرام أن تنزل من عينيك دمعة على عديم الأصل هذا!

ردت"صفية"فى مرارة:

ـ إننى لا أبكى عليه يا أمى..بل أبكى على عمرى الذى ضاع!..على أولادى الذين لم أنجبهم يا أمى!

أحتضنتها أمها ،و قد إعتصر قلبها الأسى..قالت مشفقة:

ـ و الله سوف يعوضك الله ،خيرا مما أخذ منك..و سوف تقولى أمى قالت!

يتبع..

الجائزة الكبرى الحلقة الثالثة (بداية جديدة)

بعد مرور شهر أخر،تقدمت"صفية"بطلب وظيفة بشركة إنشائات،قريبة من قريتها،و عندما ذهبت للمقابلة،سألها مدير قسم الحسابات:

ـ أنت لم تكملى دراستك الجامعية..هل لى أن أعرف السبب؟

ـ لقد أجبرتنى الظروف على ترك الجامعة،و أنا فى الفرقة الثالثة..لكننى حصلت على تقدير جيد و جيد مرتفع فى السنتين الأولي و الثانية..و قد تقدمت للإلتحاق بالجامعة لأكمل دراستى.

ـ و ما الذى جعلك تظنين أنك ستستطيعى التوفيق بين العمل و الدراسة..بالأضافة لرعاية أسرتك!

ـ ليس لدى أسرة لأرعاها!..فأنا مطلقة ،و ليس لدى أولاد..و أعتقد  أننى أستطيع العمل،و الدراسة فى نفس الآن..هذا ليس صعباً علي!

نظر لها المدير ملياً قبل أن يقول ببطء:

ـ هل تعلمي كم عدد المتقدمين لنيل هذه الوظيفة يا سيدة"صفية"؟..و الدراسات الأكاديمية و الدورات التى قاموا بدراستها؟

ربما يجدر بى أن أخبرك من الآن،أن مؤهلاتك غير كافية لنيل الوظيفة..لكننى سأمنحك فرصة إستثنائية!

تحفزت"صفية"لدى سماعها هذا الكلام..قبل أن يضع أمامها ملفاً ،كان يراجعه قبل أن تدخل،و هو يقول:

ـ فى هذا الملف واحدة من أهم العمليات الإنشائية، التى قامت بها شركتنا العام الماضى..لقد قام قسم الحسابات بمراجعته وإعادة صياغته  و تعديله...و هذا هو الملف الأصلى دون تعديل

 ـ به كل البيانات،لكن الحسابات غير مكتملة..أريدك أن تراجعى هذا الملف،و تكملى الجزء الناقص فيه..خلال..نظر إلى شاشة ساعته الرقمية، و أضاف :

ـ خلال أسبوع من الآن.

ـ سألت"صفية"متفاجأة:ـ أسبوع؟!

أضاف المدير:منهيا الحوار:

ـ هذا كل ما يمكننى منحه..إن إستطعت الإنتهاء فى الوقت المحدد ستكونى معنا..تشرفت بمعرفتك يا سيدة"صفية"

******

بعد أسبوع توجهت"صفية" إلى الشركة ،و هى تحمل ملفاً ضخماً،وضعته أمام مدير الحسابات،الذى سأل فى دهشة:

ـ ما هذا كله؟!

قالت فى جدية:

ـ لقد راجعت كل شئ مرتين،و قمت بكتابة ملفين!

فتح الملف العملاق،ليجد ملفين بالفعل ،قبل أن يسأل :

ـ و لما؟!

فتحت الملف  الأصلى،بعد أن أخرجته من حقيبة يدها،و هى تضيف:

ـ أسعار الأسمنت،و مستلزمات البناء كانت مرتفعة،عن الموجودة بالسوق الآن..و من المفترض أن تكون أرخص...

اعتدل ينظر لها باهتمام..فقد كان هذا ما لاحظه هو الآخر،حين طالع الملف

أضافت"صفية":

ـ و قد فكرت أن هذا أختبار من نوع ما..لهذا قمت بحساب كل شئ مرتين..مرة بالبيانات الموجودة بالملف ،و مرة أخرى بالأسعار الحقيقية،للمواد خلال العام الماضى!

سأل المدير فى دهشة:

،ـ و كيف عرفت الأسعار الحقيقية؟!

ـ عن طريق الأنترنت!

راجع المدير المبلغ النهائى فى الملفين،كان هناك فرق فى العمليات،يبلغ مائتى ألف جنيه.

نهض المدير كالملدوغ،و حمل الملفات الثلاثة تحت أبطه متوجهاً نحو باب الخروج،حين سألت"صفية"بدهشة:

ـ إلى أين حضرتك؟!هل قبلت تعيينى أم ماذا؟

نظر لها كأنما تذكر فجأة  أنها موجودة،و قال بحماس:

ـ أنت معنا بالتأكيد!..سأتصل بك خلال يومين على الأكثر،لتستلمى وظيفتك بإذن الله.

*******************

مرت خمسة أيام كاملة،فقدت خلالها"صفية"الأمل فى أن يتصلوا بها،عندما أتصل بها من يدعى مهندس"كريم" ،ليبلغها أن تحضر للشركة فورا لتستلم وظيفتها..كان هو ذاته مدير الحسابات،الذى بادرها بالإعتذار

ـ أولاً أسف جداً على تأخير تعيينك..لقد كان هذا خطئى بالكامل،و أرجو أن تقبلى إعتذارى..

ثانياً أنا مهندس"كريم"مدير الإدارة الهندسية،و قد كلفنى السيد"ماجد"صاحب الشركة، بمقابلة الموظفين  الجدد المطلوب تعيينهم بقسم الحسابات،بدلاً من مدير الحسابات "السابق"لأن ظروفاً قهرية،قد منعت الأخير من الحضور..لأنه قبيل تعيين الموظفيين،أجرى ابنه جراحة طارئة لإستأصال الزائدة الدودية.

قالت"صفية":

ـ شفاه الله و عافاه.

ـ اللهم آمين..المهم أنك حين حضرت كنت أراجع  الملف الذى أعطيتك يومها..و بالرغم أن الحسابات ليست عملى..فقد شعرت بأن هذا الملف به شئ خاطئ!..

ـ و بعد مجهودك،و ما قمت به من عمل كلفت قسم الحسابات،بمراجعة موازنة العام الماضى كله،و على أثر ذلك إكتشفنا، أن السيد مدير الحسابات السابق،قد إختلس على مدار العام الفائت فقط،مليونا وستمائة ألفاً..و بسبب الإرتباك الذى حدث،تأخرت فى الرد عليك.

ــ كان من المفترض أن أحل محل مدير الحسابات لمدة أسبوع..بعدها يتولى نائبه العمل لحين عودته..أما و قد طرد هو و نائبيه..فيبدو أننى سأحل محله لبعض الوقت!

شعرت"صفية" ببعض الأسف،لأنها كانت السبب فى طرد الرجل،لكنها واست نفسها بأنه يستحق الطرد على كل حال!

قبل أن يضيف"كريم"مشجعا:

- لو كان الأمر بيدى لعينتك مكانه..لكن هذا الأمر يرجع لصاحب الشركة..لهذا أرجو أن تقبلى بوظيفة محاسب بقسم الحسابات!

*****************

بعد بضعة أيام من عمل"صفية"بالشركة،إستدعاها مهندس"كريم"،و ناولها ظرفاً مغلقاً..قال و هو يفرك عينيه فى إرهاق بعد أن خلع نظارته :

ـ هذا الظرف لك..أفتحيه.

ـ ما هذا؟!سألت"صفية"فى دهشة،بعد أن رأت ما بالظرف..كان به مال عدته سريعا فوجدته عشرين ألفاً..

سألت فى دهشة:

ـ ما هذا بالضبط؟!مرتب سنة مقدما!

إبتسم و هو يقول:

ـ لا ..بل مكافأة!..

ثم أردف:

ـ هل نسيت الإختلاس الذى إكتشفتيه؟لقد إستعاد صاحب الشركة ،مبلغ مليونا و أربعمائة ألفاً،من رئيس قسم الحسابات السابق..مقابل  عدم الإبلاغ عنه و سجنه..و قد أمر صاحب الشركة..بصرف مكافأة لكل العاملين،بقسم الحسابات.

ـ قسم الحسابات به عدد كبير من العاملين ..فهل حصل كل من بالقسم على مكافأة مقدارها عشرين ألفاً!

سألت "صفية"بدهشة،فرد "كريم":

ـ كلا بالطبع..لقد تم توزيع المكافأة بالنسبة،حسب المرتب..و لما كنت صاحبة أصغر مرتب ـ و قد تم تعيينك مؤخراًـ و أنت تستحقين المكافأة  كلها،أو الجزء الأكبر منها على أقل تقدير..و قد سمح لى صاحب الشركةـ بنفسه ـ بصرف مكافأة لى "على ما قمت أنت به من إنجاز"لهذا صرفت المكافأة لأعيدها إليك!

حمدت"صفية"الله على أنها ترتدى النقاب..فلولاه لرأى"كريم"كيف  تدلى فكها فى ذهول..قبل أن تسأل فى دهشة:

ـ أعطيتنى مكافأتك؟!

ـ مكافأتك..أنت تستحقيها..و لو كنت مكان صاحب الشركة،لكنت سجنت الموظف المختلس،و عينتك مكانه..لكان هذا أجدى للشركة و صاحبها..

- لقد أردت أن أسلمك مكافأتك،قبل أن أعود للإدارة الهندسية،فبدأ من الغد سيستلم الأستاذ"عبد البديع"إدارة هذا القسم.

*******

ظلت"صفية"ساهرة تفكر فى تصرف"كريم"غير المعتاد،و تسأل نفسها فى عجب:

ـ ما هذا الرجل!ما أنبله و أعظم أخلاقه!كانت لتفرح بأى مكافأة تعطى لها..بل لم تكن تنتظر مكافأة حتى!..لكنه رتب الأمر لتحصل على أكبر مكافأة بالقسم كله..ليتحرى الصواب ـ كما قال ـ...

لا عجب إذاً أن جميع من بالشركة،يتحدث بأخلاقه الرفيعة،وكرمه و أمانته..بل إن البعض يزعم أنه ابن أخت السيد"ماجد" صاحب  الشركة..من شدة حرصه على مصلحة صاحب الشركة..

لكنه ـ والحق يقال ـ يراعى حقوق العاملين بالشركة..و لم يعرف عنه أنه ظلم أى واحد منهم أبدا..و لا تدرى لما بدأت تقارن بينه، و بين"عوض"زوجها السابق..فبدا"كريم "عظيماً جداً..صورة مجسمة لمعنى كلمة رجل..و بدا"عوض"بجواره مجرد فأر!

و تنهدت فى أسف،حين تذكرت أنها لن تراه غدا،عندما تذهب للعمل فى الصباح..لأنه سيكون قد عاد  للإدارة الهندسية..

ـ كفاك يا"صفية"..لن يوصل هذا إلى شئ!..فلابد أنه متزوج و لديه أولاد..و كيف أساسا تفكرين به على هذا النحو؟..أنت بالكاد تعرفينه!..سألت نفسها لائمة،و مع ذلك لم تستطع أن تصرف نفسها عن التفكير فيه..سألت نفسها..ماذا لو كان أرمل أو مطلق؟..و تمنت من قلبها أن يكون هذا صحيحا!

و ضايقها هذا خاطر ..فحتى لو كان كذلك،فهو حتماً لن يفكر فيها!..و قد لاحظت أن بالشركة مهندسات،وموظفات جميلات ،-و أصغر سناً منها- ..لو كان يبحث عن عروسا لن تكون لها فرصة بينهن..و دعت له الله أن يجعله يهنئ بحياته مع زوجة صالحة،و أبناء بررة.

*******

فى نهاية الشهر و حين ذهبت لتتقاضى راتبها الأول..فوجئت بزيادة ألفى جنيه،و عندما سألت الصراف أجب بلا إهتمام:

ـ هذه مكافأتك..لقد حصل القسم كله على مكافأة،بسبب إكتشافهم إختلاس رئيس القسم السابق..لقد حدث هذا قبل تعيينك بأيام!

ـ الشهر القادم أيضا لديك زيادة ألفين..باقى مكافأتك!

************

غادرت"صفية"الشركة مبلبلة الأفكار،فقط لتجد"كريم"يرتدى قميصا أبيض اللون أنيقاً  و بنطال من الجينز بقامته المعتدلة،و صدره المفرود أشبه بصقر يحلق فى سماه،يحمل حقيبة جلدية سوداء بيمناه،و هو يحث الخطى مسرعا نحو سيارته البيضاء ...

ـ باشمهندس"كريم"..يا باشمهندس...

ألتفت إليها سائلاً بإبتسامة ودود:

ـ خيراً يا سيدة"صفية"..هل من خدمة أؤديها لك؟

ضحكت"صفية"مدارية خجلها،و هى تقول:

ـ خيرك سابق يا افندم!..لقد أردت أن أشكرك.

نظر لها منتظرا مزيد من الإيضاح

ـ لقد وجدت زيادة فى راتبى ألفى جنيه،و عندما سألت قالوا أنها مكافأة.

ـ لقد قلت لك سابقا هذا حقك..أنت إنسانة دؤوبة ،و عملك يمتاز بالدقة.

كررت"صفية"شكرها،قبل أن تغمغم محرجة:

ـ أرجو ألا أكون قد عطلتك.

ـ لا عليك لقد كنت ذاهبا للبيت..يمكننى أن أوصلك لمنزلك فى طريقى.

ـ لا شكرا..سأعود بأتوبيس الشركة.
******

ظلت"صفية"تتخيل نفسهاـ لو أنها ركبت سيارة"كريم ـ لربما  تباسط معها فى الحديث..وفهمت ـ من كلامه ـ لما نطق كلمة "البيت"،بكل هذا الهم..هل تشاجر مع زوجته؟..فهو لا يبدو مرتاحا!

ـ أرحمى نفسك  يا ابنتى!شغل طوال الليل و النهار!

اعترت"صفية"الدهشة حين تنبهت على لوم أمها..و احمر وجهها خجلاً،لما رأت الملف المفتوح أمامها،وقد فطنت أنها لم تخط فيه حرفاً منذ ساعة!..كانت بالفعل تريد إنهاء بعض الأوراق لتسلمها غداً..لكنها وجدت نفسها  تسرح كمراهقة ،و تغرق فى أحلام اليقظة!

ـ نمى قليلا لترتاحى..العمل لن يطير!

ـ لكنهم يبالغون فى تقديرى يا أمى ،و لا أريد أن أخذلهم!احتجت"صفية"بصوت ضعيف،و قد تورد وجهها حياءاً..فإنما كانت تقصد بكلامها"كريم"دون سواه!

ـ ابن حلال ذلك المهندس..الله يبارك فيه!

أدهشها كيف تعرفت أمها ما تفكر فيه ا..و إن لم يمنعها هذا من أن تقول بحماسة:

ـ مهندس"كريم"..إنه إنسانا رائع!

و اندفعت تحكى لأمهاـ ربما للمرة المائةـ قصة المكافأتين اللتين حصلت عليهما بفضله ..و كم هوإنسان، بسيط و مرح،و يهتم بعمله.

سألت أمها:

ـو كم  عمره تقريباً؟

ـ فى الأربعينات.

ـ هل هو متزوج؟

دق قلب"صفية"بسرعة،قبل أن تجيب متصنعة عدم الإهتمام:

ـ لا أدرى يا أمى..لكنه متزوج على الأغلب.

ـ يال الخسارة!

تمتمت أمها فى أسف،قبل أن تشهق فى دهشة و هى تنظر إلى الساعة

ـ لقد تأخر الوقت..يجب أن تنامى لتتمكنى من الإستيقاظ مبكراً غداً.

أوت"صفية"للفراش،وسحبت الغطاء حتى ذقنها.

ـ تصبحين على خير يا أمى .

أغمضت"صفية"عينها..فرأت "كريم"مرتدياً قميصه أبيض اللون..و بسمة بيضاء تضئ وجهه القسيم..ففتحت عينيها بسرعة..لتجد أمها تطفئ النور..قبل أن تغادر ،قالت"صفية"بإبتسامة حالمة:

ـ ما أجمل اللون الأبيض يا أمى!

يتبع ...

الجائزة الكبرى الحلقة الرابعة (هذا الرجل)

مرت شهور عرفت خلالها،أن"كريم"مطلق منذ خمس سنوات..بعد زواج دام قرابة السبع سنوات..و وجدت نفسها تتسأل بدهشة،ما الذى يجعل امرأة عاقلة تترك مثل هذا الرجل؟!..فلم يكن فيه عيباً فيما ترى،سوى أنه -و برغم أنه يشغل بالها-لا يبدو عليه أنه يراها من الأساس!
لم يكن يأت إلى قسم الحسابات كثيرا ـ ربما لطبيعة عمله ـ و إذا تصادف حضوره،فلا يبدر منه أى أشارة،على أنه شعر بوجودها،أو حتى لاحظه!و بقدر ما أحنقها هذا..فقد زادها شغفاً به!.

..حتى جاءها ذات يوم يدعوها لتناول الغداء بمطعم قريب ليتحدث معها بموضوع!

ـ خيراً يا باشمهندس..لما لا نتحدث هنا؟!

ـ لإنه موضوع ليس له علاقة بالعمل!

فى ذلك المطعم فاجأها بقوله:

ـ أتقبلين الزواج بى!

**************

ـ لقد تزوجت مرة واحدة..من سيدة فاضلة..زواج تقليدى،إستمر ست سنوات و ثمانية أشهر..ثم إنفصلنا بناءا على طلبها..لعدم قدرتى على الإنجاب...

كانت مفاجأة صادمة ل"صفية"التى لم تكن تتصور، أن يكون عدم الإنجاب سبب إنفصاله عن زوجته السابقة!

ـ أنا أسفة بشأن هذا غمغمت"صفية بكدر،فرد"كريم"بإبتسامة حزينة:

ـ لا عليك..لقد تقبلت الأمر منذ زمن..كنت قد علمت إنك مطلقة..ـ فهل لى ـ إن لم يضايقك ـ أن أعرف السبب؟

حكت له ـ  دون تفاصيل ـ ظروف زواجها ،و مرض زوجها الذى طلقها بعد شفاءه بوقت قصير!

بان الإرتباك على"كريم"و هو يقول متفاجئا:

ـ حسنا هذا يغير كل شئ!

تنحنح لينظف حلقه،قبل أن يضيف محرجا:

ـ لقد ظننت أن ظروفك مشابهة لظروفى..لهذا رأيت أنه من المناسب أن....لا عليك..إننى..أقصد إننى كنت أريد....

ـ إننى موافقة!

**************

تقلبت"صفية"فى فراشها ، وقد جفاها النوم،و هى تفكر فى"كريم"و فى طلبه الزواج منها..و تذكرت كيف تسرعت هى بالموافقة..

كأنما وضع أحدهم الكلمة على لسانها!أو كأنها كانت تقطع خط الرجعة على نفسها!..لكن"كريم"ـ كأنما ليزيدها حيرة ـ قال أنه لن يعتبر موافقتها هذه نهائية..و أصر عليها أن تفكر ملياً قبل أن توافق أو"ترفض"!

و شعرت أنها فى لجة بحر، تصارع الغرق! فبرغم أن قلبها وعقلها قد أتفقا على القبول..مازال جزء فى أعماق نفسها يتسأل فى قلق:

ـ ماذا لو ندمت على هذا القرار؟!

فهى ككل النساء..تحلم بضمة وليدها..و رؤيته يكبر أمامها!..و يا حبذا لو كان هذا الطفل من شخص تحبه!

و قد إكتشفت أنها غارقة فى حب"كريم"حتى الأذنين!

لكن هل هذا الحب كاف ، ليعوضها عن الحرمان من الأمومة؟!

و شعرت أنها أنانية إذ تفكر بهذه الطريقة!فما ذنب"كريم أن حرمه الله الإنجاب؟!..

- لو كنت تحبيه حقاَ لما وقعت فى تلك الحيرة!

ثم عادت لتسأل نفسها،و ما العيب فى بعض الأنانية؟!لقد عشت حياتك لغيرك..فماذا جنيت فى النهاية؟!

و تمنت أن يقرر لها أحدهم ما تفعل!كأن يأتى أبوها.. و يقول لها تزوجيه!

و هى تميل للموافقة بالفعل! لكنها تخشي الندم..حين تمضى السنوات..و تتساقط أوراق العمر..فلا تجد ابناً..يحدب عليها بعطفه. .

و يظللها بذراعيه حين تكبر!

و أفزعتها الصورة التى تخيلتها..حين سرحت بخيالها..فرأت"كريم"و قد شب شعره وإمتلا وجهه بالتجاعيد..وحيدا بلا رفيق..! لا زوجة و لا ولد!

فتندت عيناها بالدموع..و مزق قلبها الأسى!

فزفرت نفساً حاراً.. قبل أن تتسأل فى وجد:

ـ ماذا أفعل يا ربى؟!

******

رأت"صفية"نفسها فى بيت جميل..تراه لأول مرة..و مع ذلك شعرت أنه بيتها!

و هى تحاول أن تصطاد عصفورين جميلين.. يطيران فى سماء الغرفة!..أحدهما لونه لبنى و الأخر وردى اللون..يسبحان فى جو مضيئ..خافت أن يطيرا من النافذة المفتوحة..فوجدت نفسها تقول:

ـ يا"كريم"أغلق النافذة..لا أريد أن يخرج هذان العصفوران!

و إستيقظت علي آذان الفجر!..و خفق قلبها طربا!فقد رأت هذه الرؤية..بعد أن صلت صلاة الإستخارة..لثلاث ليال متصلة..و فيها أشارة واضحة..على أن حياتها مع "كريم"ستكون مثالية!

و لولا أن الوقت مازال مبكراً..لإتصلت به لتخبره بموافقتها!

******************

بعد يومين حضر"كريم "إلى منزلها ..مصطحباً أخته الكبرى "ندى"و ابنها الشاب..ليطلب يد"صفية"من أبيها ، و أخويها"محمود"و "حمدى"...و كما توقعت"صفية"..فقد أحب أهلها"كريم"و  بسرعة تم الإتفاق..و بدا الجميع فى غاية السعادة..خاصة الأخت الكبرى، التى صرح"كريم"أنه يعتبرها بمثابة أماً له ـ إذ يتجاوز فارق السن بينهما الستة عشر عاما ـ كما أنها تولت تربيته بعد وفاة والدتهما ..و هو بعمر صغير..لا يتجاوز الرابعة.

.و عندما عاد"كريم" لمنزله أتصل بخطيبته ،سألها:

ـ ما رأيك؟

ـ رأيي فى ماذا؟!

ـ هل أنت راضية على ما تم الإتفاق عليه؟

ـ بالطبع!

سألها"كريم":

ـ و ما رأيك فى عائلتى الصغيرة؟

ـ عائلة لطيفة حقا..لقد أحببت أختك كثيرا..هى طبيبة أطفال أليس كذلك؟

ـ بلى..و لكن هل أحببت أخاها؟!

ـ لقد قبلت به زوجا!

ـ هل أعتبر هذا أجابة بنعم؟!

ـ "كريم"!

ـ عيون"كريم"....

لم تدرى بما ترد"صفية"، و قد أصابها نفس الخجل و الإرتباك..الذى شعرت به حين رأى"كريم"وجهها،فشهق مبدياً دهشته من حسنها...و ظنت أنه يجاملها..فبرغم أنها أستعادت بعضاً من نضارتها،و الوزن الذى فقدته،فهى لن تعود جميلة أبداً كما كانت فى السابق!و أن"كريم"يبالغ فى مجاملتها..لهذا سألته فى شك..و خداها يشتعلان خجلاً:

ـ هل ترانى جميلة فعلا؟!

فرد ضاحكا:

ـ و كيف لى أن أعرف؟!لقد لمحتك لمحاً!لكننى سألت شيخ،و أخبرنى أننى أستطيع رؤية وجه زوجتى المستقبلية،،مرتين قبل الزواج..و قد تبقت لى مرة!

ـ  لقد كنت أمازحك!..أنت شمس و قمر..لكننى لن أتنازل عن النظرة الثانية!

تممت"صفية"فى حياء:

ـ لم يتبق على الزفاف سوى أربعة أشهر!

رد "كريم"بسرعة:

ـ و مع ذلك هى ليست بمدة قليلة للمشتاق!

و ما أن أنتهت المكالمة..حتى نظرت"صفية"تطالع وجهها فى المرآة ـ كأنما تتأكد ـ فأذهلها ما رأت!..فبرغم أنها لا تضع أى مكياج،بدت جميلة جدا!..بوجه مورد ،و عينين لامعتين..فكت شعرها الأسود الجميل فانساب ناعماً على كتفيها.. و شعرت أنها صارت أحلى بمجرد أن رأتها عيون"كريم" المحبة!
*********

لم تكن"صفية"تصدق..أنها ستنسى ما مرت به ،و عانته فى زواجها الأول،فى يوم من الأيام لكنها ـ بعد إرتباطها ب"كريم"ـ شعرت بأنها ولدت مدللة منعمة..لم تر يوماً من الشقاء..كأنما مُحيت تلك الأعوام الغابرة،من حياتها بطريقة ما!

أو كأنها كانت كابوساً رأته ذات ليلة..ثم زال فى الصباح!

و لم تعد تذكر سوى"كريم"الذى لم يدخر جهدًا ليسعدها..حتى أنه حجز قاعة كبيرة للإحتفال بالعرس..و دعا الأقارب و الأصدقاء..بل و أصر على أن ترتدى ثوب العرس الأبيض!..و وسط كل هذا..شعرت أنها فتاة عذراء تزف لأول مرة!

لم تكن تعرف..كيف يفعل هذا؟!و لا كيف يجعل كل شئ جميل و رائع..بمجرد أن يلمسه؟!أو يقترب منه حتى!

و فى حفل الزفاف..رأت الكثير من زملاء العمل..حتى صاحب الشركة،و أعضاء مجلس الأدارة..و عدداً كبيراً من العمال!

"ألف مبروك يا باشامهندس"هنأه صاحب الشركة..و هو يصافحه و يقبل خديه..قبل أن يهنئ العروس..و يعود بعدها إلى المائدة التى كان يجلس عليها..عندما تذكرت"صفية"الشائعة التى مازالت تنتشر بين العامين..عن قرابة زوجها بصاحب العمل..فإبتسمت...و بعدما إنصرف أحد العمال ـ سائق لودرـ بعد أن إحتضن"كريم"فى مودة مهنئاً..مالت"صفية"نحو"كريم"و همست ضاحكة:                           ـ هل سمعت  ما يقولوه عنك و عن الأستاذ"ماجد"صاحب الشركة ؟..يقولون  أنه خالك!

رد مازحاً فى همس ضاحك:

ـ هكذا الأمر أذن! لهذا وافقت أن تتزوجينى!

ـ أما و قد وقعت فى الفخ..و لم بإمكانك الإفلات،فسأخبرك!

ثم صنع بوجهه حركة مضحكة ..و قال متصنعا الحزن:

ـ هو ليس خالى للأسف!

***********

وقف"كريم"ينتظر عروسه،التى ذهبت لتغير فستانها وحدها فى غرفتهما،و قد أغلقت الباب على نفسها من الداخل..قبل أن يقول متعجلاً:   

 ـ تحتاجين مساعدة.

ـ لا شكراً.

ـ أنا مثل زوجك يا بنتى!

سمع صوت المزلاج يفتح..قبل أن تخرج"صفية"مرتدية روبها الأبيض من الستان و الدانتيل..وشعرها الجميل ينسدل على  كتفيها..يكاد يحترق..من إشتعال وجنتيها بحمرة خجل،زادتها جمالا!

"كأن غرتها من تحت طرتها..فجراً بجانحة الظلماء منتقب"قالها"كريم"وهو يمسح على غرتها بيمناه فى عجب..قبل أن يقبل أطراف شعرها المعطر..و هو يقول:

ـ كنت قد عاهدت نفسى أنه ما أن يجمعنا بيتنا..و يُغلق علينا بابه..أن نصلى ركعتى شكر لله ..حتى يبارك الله لنا فى زواجنا..لقد سبقتك و توضأت

توضأت"صفية"و صّلت مع زوجها ركعتين..و دعت الله،و دموعها تتساقط فرحاً على سجادة الصلاة.. أن يبارك لهما  فى زواجهما..ويرزقهما الذرية الصالحة ـ و برغم علمها بعقم زوجها ـ فقد دعت الله برجاء كبير!

يتبع ...

الجائزة الكبرى الحلقة الخامسة (خصام)

"هاه..طمئنينى هل حدث حمل؟"سألت أم"صفية"ابنتها..بعد أن نزل زوجها و أبوها و أخوها"حمدى"..ليصلوا التراويح فى المسجد القريب

ردت"صفية"فى المراوغة:

ـ لما أنت قلقة يا أمى؟لم يكد يمضى على زواجنا بضعة أشهر!

ـ لقد مضت خمسة أشهر يا"صفية"..هل تعلمين أن زوجة"عوض"طليقك حملت ثلاث مرات منذ أن تزوجا..و ربما أكثر!

سألت أمها بدهشة:

ـ و كيف يحدث شئ كهذا يا أمى؟!لقد تزوجا منذ أقل من عامين!

ـ تصاريف المنتقم الجبار..لأنه ظلمك..كلما مضى على حمل زوجته شهرين أو ثلاثة أشهر فقدت حملها.

غمغمت"صفية"فى أسف: 

  ـ المسكينة!

صاحت أمها فى إستنكار:

- هل"صعبت"عليك؟!لماذا؟أليست هى من تزوجت الرجل الذى ظلمك..و طلقك و طردك بحقيبة ملابسك..هل علمت أنه أمهرها فداناً من أرضه..ذلك الذى باع ذهبك ليتعلاج بثمنه!

ربتت"صفية"على كتف أمها مهدئة..وهى تقول:

ـ و عوضنى الله خيراً منه!..أحياناً  أفكر بأن أفضل شئ فعله لى "عوض"منذ أن رأيته..هو أنه طلقنى!

تابعت أمها فى غيظ:

ـ تصوري أن أخته المسعورة"لطيفة"..إتصلت بى قبل زفافك ببضعة أيام..و سبتنى و سبتك ..و زعمت أنك تسحرين لزوجة  أخيها التعيس ..و تصنعى لها الأعمال حتى لا تنجب!

لم تكن"صفية"قد سمعت هذا الكلام من قبل..فسألت بإندهاش:

ـ و لماذا لم تخبرينى بذلك فى حينه يا أمى؟!

ـ لم أرد أن أفسد فرحتك..

ثم أردفت أمها تكمل:

ـ لكننى لم أسكت لها..لقد وبختها..و قلت لها أبنتى تزوجت رجلاً ظفره أغلى من أخيها..و أهله جميعا ـ بما فيهم هى ـ لا بارك الله لها... و فجعها فى ابنتها.

صاحت"صفية"فى فزع:

ـ لا يا أمى ما ذنب أبنتها..لا تدع على "ملك"بسوء..أننى أحبها كما لو كانت أبنتى!

ـ أسفي عليك يا"صفية"لو كنت أنجبت بنتاً ..لكانت اليوم عروساً!..و مازلت ترغبين فى إضاعة المزيد من الوقت!

************

ـ لقد سبق لزوجك الزواج.. و لم ينجب..ألم يخبرك بالسبب؟أخشى أنه لا يستطيع الإنجاب..و تعمد ألا يخبرك!

كانت هذه اللحظة التى خشيتها منذ البداية..لكنها قالت بثقة:

ـ لا يا أمى"كريم"لم يخف شيئا عنى.

ـ و ما أدراك أنت؟!ربما كذب عليك!

ردت"صفية"مستنكرة:

ـ بالطبع لم يكذب علي.."كريم"لا يكذب أصلاً!

ـ المهم أن تذهبى للطبيب..و تعرفى لما تأخر الحمل،قبل أن.....

قاطعتها"صفية"بسرعة:

ـ غيرى الموضوع ..لقد عادوا!

"يا أخى لا تقل هذا أنت لا تعرفهم!"قالها"حمدى"ل"كريم"الذى وضع ما أشتراه على طاولة السفرة..و هو يقول بإبتسامة متعجبة:

ـ كأنك تتحدث عن شياطين!

قال"حمدى"ضااحكا: ـ إنهم كذلك بالفعل!..خاصة القرد الصغير"معاذ"

"السلام عليكم"قالها"كريم"و"حمدى"ل"صفية"و أمها..قبل يقول"حمدى"ضاحكاً:

ـ يسألنى"كريم"لما لم أحضر معى الأولاد و أمهم!..ما رأيك يا أمى؟!هل كنا نستطيع أن نجلس هكذا فى هدوء إن كانوا هنا؟!

ردت أمه لائمة:

ـ سامحك الله يا"حمدى"!..ما بهم أولادك؟!أليسوا كباقى الأطفال؟!..أتحب الأطفال يا"كريم"؟

نظر"كريم"ل"صفية"مستفهماً..قبل أن يقول:

 ـ و من لا يحبهم؟!

"بالمناسبة..أين أبى؟!"سألت"صفية"محاولة تغيير الموضوع..فرد"حمدى":

ـ إنه فى المقهى يدخن الشيشة!

ـ أرأيت أباك يا"صفية"؟!

ربتت"صفية"على ركبة أمها مهدئة

ـ حجر واحد لن يضر!

ـ أفضل ما فى زوجك أنه لا يدخن..بالمناسبة  يا"كريم أريد أن أتحدث معك بموضوع!

*******************************

جلست"صفية"تشاهد التلفزيون مع"كريم"الذى أضجع على الأريكة متوسداً فخذها..و قد بدا لها بملامحه البريئة الهادئة..أشبه بطفل!فأخذت تداعب شعره..و تنهدت فى أسف!..فقد قدر ل"كريم"ألا يكون له  أمتداد! .. و سرحت تفكر فى كلام أمها، التى لم تكن تعرف علة تأخر الحمل ـ فهى لم تخبرهاـ و تذكرت كيف سقط قلبها هلعاً..حين حاولت أمها فتح الموضوع مع "كريم"..لكنها أستطاعت تغير موضوع الحديث بسرعة..فهى لم تكن تريد مضايقة"كريم"و إحراجه ـ خاصة فى وجود"حمدى"ـ لكن ما أن إستردت"صفية"أنفاسها التى حبستها خوفا..حتى سألت نفسها إلى متى ستظل تكذب على أمها و تراوغها؟!

فهى حتما لن تسكت!و ستظل تتحين الفرص..و ستعرف من"كريم"ما لم تعرفه منها!

ثم عادت لتسأل نفسها..و لماذا ينبغى عليها الإستسلام هكذا؟!لما لا تجرب هى و "كريم"التلقيح الصناعى؟!فما كان مستحيلاً من عشر سنوات،صار الأن ممكناً!

- "كريم"أريد أن أتحدث معك بأمر"وجدت نفسها تقولها دون وعى..قبل أن تضيف:

ـ لكن عدنى إلا تغضب!

نظر لها"كريم"مبتسما:

ـ و ما هذا الأمر يا صفصافتى؟!

ـ عدنى بألا تغضب..بعدها سأخبرك!

وضع يده على قلبه..و قال متصنعا الهلع:

ـ لا أرجوك!..لا تقولى أنه لا يوجد طعاماً لأجل السحور!

قالت"صفية"بضيق:

ـ أنا أتحدث بجد!

ـ و أنا أمزح!

صمتت"صفية"فى ضيق..فاعتدل"كريم"جالساً،و سأل بقلق:

ـ هل الأمر بهذة الخطورة؟!..تكلمى إذا أننى مصغى.

تطلعت إليه بضع لحظات..قبل أن تهرب بعينيها..و هى تسأل فى وجل:

ـ ألا يوجد أمل على الإطلاق؟..أقصد فى موضوع الإنجاب..!

و ما أن تفوهت بهذه الكلمات،حتى شعرت الندم!

*************

نهض"كريم"عن الأريكة دون أن يتفوه بكلمة وا حدة..ذهب إلى المطبخ..فمشت"صفية"ورائه حافية القدمين..وجدته يعد بعض القهوة فى ألة صنع القهوة..سألته بصوت خافت:

ـ هل غضبت؟

فتح الثلاجة و هو يقول:

ـ بل تفاجأت!

ـ فبرغم أننى كنت أتوقع السؤال..ألا يوجد لبن؟

نظرت "صفية"من فوق كتفه..ثم أخرجت علبة الحليب،من على الرف و وضعتها على الطاولة..فأغلق الثلاجة و هو يضيف:

ـ لكننى لم أتوقع أن يأتى مبكرا هكذا!

لاحظت"صفية"رجفة يسيرة فى يده،و هو يصب بعض الحليب على قهوته ..و بسخرية قال:

ـ و هذا يدل على على مقدار ما تكنيه لى من عاطفة!

عاد ليجلس أمام التلفزيون مصطحبا كوب قهوته..و أخذ يقلب فى القنوات.

ـ إننى لم أقصد أن أضايقك..و ما الذى قد يضايقك فى سؤال كهذا؟!إنه فى النهاية  مجرد سؤال!

إبتسم بمرارة مرددا:

ـ أجل بالطبع..أنه مجرد سؤال!

وضع الريموت..و قام متجهاً بخطى واسعة إلى غرفة النوم..جرت"صفية"ورائه.. فوجدته يرتدى سراويل جينز أزرق داكن،و تيشرت قطنى رمادى اللون..أزاحها برفق عن طريقه خارجاً من الغرفة..أجتاز الصالة متجهاً نحو باب الخروج..لحقت به"صفية"بسرعة،و هى تهتف:

ـ إلى أين ستذهب فى هذه الساعة؟!تعلقت بذراعه و هو يفتح باب البيت..قالت محتجة:

ـ لا تذهب و تتركنى!..إننى لم أخطئ حين تمنيت أن أصير أما!

ألتفت إليها ،و عينيه تلتمعان بدمعة حبيسة:

ـ إذا أخطئت عندما تزوجتينى!..لأننى لن أستطيع أن أكون أبا!

**********

أشرقت شمس اليوم التالى دون أن يعود"كريم"أو يتصل..و قد باتت"صفية"يفترسها القلق..لا تدرى كيف تتصرف..حتى أنها أتصلت

ب"ندى"أخت"كريم"ـ ربما بات ليلته عندهاـ لكن الأخيرة أكدت لها أنها لم تره مذ كانا يزرانها منذ أربعة أيام..ثم أضافت ضاحكة فى أمومة:

ـ لا تقلقى..هكذا"كريم"منذ كان صغيراً..كان كلما أغضبه شئ أختبئ فى مكاناً ما بعض الوقت!..ربما هو يتجول بسيارته فى الشوارع..لن تنتظري طويلاً،حتى تجديه عائدا إليك!

لم يطمئنها كلام"ندى"بل أفزعها كثيراً..و قد تذكرت يوم جاءت أم"عوض"لتسحبها من ساقها من فوق السرير..و هى تبلغها بأن زوجها السابق فى المستسفى بسبب حادث سير..

و انسابت دموعها حارة لاهبة على وجنتيها..و هى تدعو الله أن يعيد لها"كريم"سالماً..لقد كان لا يرى علبة الحليب على الرف أمامه!

نظرت ـ دون وعى ـ إلى حيث كان يجلس منذ بضع ساعات..و انقبض قلبها،حين وقع بصرها على كوب قهوته الباردة!

تربعت جالسة فى ذات الموضع الذى كان يجلس فيه..و وضعت قبضتها اليسرى المضمومة على فمها..شعرت ببرودة تسرى فى أوصالها..قبل أن تلاحظ أن ذبابة سقطت فى كوب القهوة وماتت !

يالك من شقية يا"صفية"!..لقد كنت سعيدة هانئة!..احتملت الشقاء أكثر من خمسة عشر عاما..و لم تحتملى سعادتك بضعة أشهر..!

لقد أخبرك"كريم" بكل شئ ..وخيّرك ،و قال أن فرص الحمل شبه معدومة..و قد وافقت!

قطع أفكارها دقة مترددة على الباب ..قامت لتفتح، و قبل ان تصل للباب وجدت"كريم"واقفاً أمامها! 

ـ"كريم"!..لقد عدت.!تعلقت برقبته كأنما تخشى عليه أن يضيع منها!

بُهت"كريم"حين لاحظ خوفها..و آثار البكاء البادية فى أحتقان وجهها و عينيها..فضمها إلى صدره ..و مرت لحظة صمت..قبل أن يرسلها،و يحيط وجهها بكفيه..و هو يقول بإبتسامة متأثرة:

ـ أمامك عشر دقائق لتجهزى.. لا أريد أن نتأخر عن العمل!

***************************************

نزلت"صفية"لتجد"كريم"مرتدياً ثياب العمل..ينتظرها فى السيارة..لم يتبادل معها كلمة طوال الطريق..و عندما وقع بصرهاـ مصادفة ـ

على العداد الخاص بالسيارة..وجدت أنه قطع مسافة كبيرة بالسيارة خلال الليلة الماضية..

حتى حين سألته بعتاب:ـ أين كنت بالأمس ؟!لم يرد!

ألقت عليه نظرة مستطلعة..فوجدته يتابع الطريق بإهتمام..كأنما يكافح ليحافظ على تركيزه..و برغم الضيق البادى على وجهه ..فقد بدا لها شديد الوسامة!

و حمدت الله أنه هنا بجوارهاـ و لو كان غاضباً ـ ستعرف كيف تصالحه ـ بأذن الله ـ فلم يكن أحداً بمقدوره أن يقنع"عوض"بتناول الدواء غيرها!..حتى عندما كان يستسلم للإحباط..و يرفض الطعام و الشراب..  لم يكن أحد يتجشم عناء إقناعه،و يطعمه و يسقيه  غيرها!

نفضت"صفية"ذكرى زوجها السابق فى ضيق..فهى لم تكن تريد أن تتذكره..عندما وجدت"كريم"يفتح لها باب السيارة..قبل أن يتطأب ذراعها كدأبه مذ أن تزوجا..ليدخلا الشركة معاً

يتبع ..

الجائزة الكبرى الحلقة السادسة (مفاجأة غريبة!)

جلس الزوجان ليتناولا طعام الأفطار..و بعد برهة مزقت"صفية" ستائر الصمت التى هبطت عليهما..و هى تغمغم معتذرة:

ـ لم أجد وقتا لأعد طعام اليوم..فعندما عدنا من العمل غلبنى النوم..و لم أستيقظ إلا قبل الأفطار بنصف ساعة فقط.

رد"كريم"باقتضاب شديد:  

  ـ لا بأس.

قالت فى تبرير:

ـ لم أنم بالأمس لحظة من شدة قلقى عليك..و أنت أيضا لا يبدو أنك نمت بالأمس!

أهمل الرد عليها..و هو يتناول المكرونة بالشوكة من الطبق دون شهية..

ـ إن كنت أغضبتك..فأنا أسفة.

صمت برهة قبل أن يقول ببطء:

ـ لا تأسفى على شئ..فالخطأ خطئى منذ البداية!

نظرت له غير فاهمة قبل أن يضيف:

ـ لقد تصورت أننى سأتزوج بالعقل وحده..إمرأة صالحة و فى مثل ظروفى..كنت مناسبة..لكن كان ينبغى أن أسحب عرضى حين علمت أنك ـ لست عقيم ـ لا شئ يعوقك عن الإنجاب..سوى أن ترتبطى بشخص عقيم..مثلى،أوشخص مقعد كزوجك السابق..ربما كان الإعتذار واجبا عليّ أنا!

ـ أوهمت نفسى أننى أمنحك حرية الإختيار..و لم أضع فى أعتبرى أنك قد توافقى بدافع العطف و الشفقة وحدهما!

همت"صفية"بالإعتراض،فقاطعها بأشارة من يده قبل أن تتكلم 

ـ لقد أخبرتك بأنك لن يكون لديك فرصة للأمومة فى حال قبلت الزواج بى..حتى أننى قلت لك بالنص أن فرصتك فى الحمل....

"من شخص ميت أفضل من فرصتى معك ..أذكر!*"قاطعته"صفية"و هى تكمل كلامه فى ضيق.

صمت متفاجئاً لبرهة وجيزة،قبل أن يقول فى دهشة:

ـ لا أذكر متى قلت لك هذا بالضبط..لكنه صحيح تماماً!

عضت"صفية"شفته السفلى فى ندم..حين لاحظت الصدمة البادية على وجه"كريم"،الذى أخرج مفاتيح السيارة من جيبه..و وضعها على الطاولة أمامها..قائلاً

ـ تفضلى.

ـ ما هذا؟!سألته"صفية"فى وجوم

ـ أنت معك مفاتيح البيت..و هاكى مفاتيح السيارة..هما تحت تصرفك منذ الآن!..سأعيش مع"ندى"و "آدم"فى بيتهما لبعض الوقت..حتى تفكرى ملياًـ بدون أى ضغط ـ منى أو من أهلك..خذى وقتك و فكرى بعقل..و إن أردت الطلاق فأنا رهن أشارتك!

*********************************

*حقيقة علمية :يمكن إجراء تلقيح صناعى  بحيوانات منوية مجمدة لشخص ميت منذ سنوات

******************************

وقفت"صفية"مشدوهة..لا تدرى ماذا تقول..قبل أن  تنفجر صائحة فى ثورة:

ـ يالك من شخص أنانى!فكرت و قررت كأننى لست موجودة!

نظر لها"كريم"بدهشة..و هى تطيح بالمفاتيح بيدها من فوق المائدة..قبل أن تقول بسخرية:

ـ كم أنت نبيل و عظيم فعلاً!..تريد أن تتركنى؟!..ثم تابعت فى إضطراب:

ـ لأنك لا تستطيع الإنجاب..و لن تسمح لتلك المعتوهةـ التى هى أنا ـ أن تضيّع فرصتها فى أن تصير أماً!..خذى مفاتيح السيارة..و سأترك لك البيت!و سأعطيك حريتك إن أردت!

خبطت الأرض بقدمها و هى تضيف فى حنق:

ـ حسناً أنا لا أريد!

ـ لقد كدت أجن هلعاً،حين غادرت المنزل بالأمس..و ظللت طوال الليل أعدو الله أن أرك مجدداً..أن تكون بخير..أن يفيدك الله بما تبقى من عمرى!

تطلّعت إليه بعينين ممتلئتين بالدموع..قبل أن تسأله بسخرية مرة:

ـ أتدرى لماذا يا سيادتك الملاك؟!..لأننى أحبك!

و أنحدر الدمع من عينيها سريعا،و هى تضيف فى لوعة:

ـ أحبك و لا أريدك سواك!لا أريد طفلاً إن لم يكن منك..يشبهك..له نفس الملامح ،و نفس العينين و الإبتسامة!

" أهدئى أرجوك..أننى لم أقصد"قالها"كريم"و هو يحتويها بين ذراعيه..ويربت على كتفها مهدئاً

ـ دائماً أنت!..و ماذا عنى أنا ألا يحق لى أن أختار؟!

ـ أخاف أن تندمى حيث لا ينفع الندم!

ـ  سأندم إن تركتك تضيع منى!

هز"كريم"رأسه غير مصدق ..و سألها بدهشة:

و مصابيح البيوت يا حبيبي؟!

انت مصباح بيتى و نور حياتى!

*****************

"نحن لا نسمح بالتبنى٠٠لكن يمكنك كفالة أى طفلة..و زيارتها في أى وقت تشائين"قالت المشرفة ل"صفية"التي لم تكن تطيق صبرا..لترى بنات دار الايتام التى اكتشفت بالصدفة وجودها بالقرب من منزلها..كانت تشعر بالارتباك خاصة أنها لم تخبر"كريم"برغبتها فى كفالة طفلة يتيمة..لكن ما أن رأت البنات حتى شعرت بسرور بالغ أنساها مؤقتا شعورها بالذنب..لانتهازها فرصة غياب"كريم"الذى لاحظت أنه يتكرر في نفس الميعاد- تقريبا كل شهر-..لتزور الدار.

كن كملائكة صغار يلعبن بالدمى القماشية..عندما لفت  انتباهها طفلة في السادسة تقريبا.. تجلس بعيدا عنهن..و هى تحتضن دمية متسخة، و لها ساق واحدة! 

شعرت"صفية"بالاسف من أجلها..و سألت المشرفة بدهشة:

- لماذا تلعب هذه الطفلة وحدها؟!

اختفت إبتسامة المشرفة..قبل أن تقول فى استياء:

- إنها"غادة..و لا أنصحك بالاقتراب منها!

- لماذا ؟اننى أريد التحدث إليها!

ردت المشرفة:

- لا فائدة ترجى من ذلك..فهى صماء لا تسمع!

- لا تقلقى اننى أعرف كيف أتعامل مع الصم والبكم..و أجيد لغة الإشارة.

ارتفع حاجبا المشرفة في دهشة،و عدم تصديق..قبل أن تهز كتفيها في إستهانة بمعنى  أن الأمر لا يعنيها

- حسنا إذا ..يمكنك أن تجربى حظك!..الآن أرجو أن تعذرينى..لأننى سأغيب عنك بضع دقائق ثم أعود إليك..

و قبل أن تخرج من الغرفة..عادت بسرعة لتضيف:

نسيت أن أخبرك بأن"غادة"لا تعرف الكثير عن لغة الإشارة..كما أنها صماء لكنها تستطيع الكلام..فى الواقع ان لسانها أطول منها بعدة مرات!كما أنها تعض أيضا!

*****

نظرت"صفية"إلى ساعتها فوجدت،أن ساعة قد مرت..دون أن  تعود المشرفة.

يال الكارثة!..لقد سرقها الوقت..و ربما يعود"كريم"للدار فلا يجدها!

خرجت تبحث عن المشرفة..لتخبرها برغبتها في كفالة"غادة"لكنها لم تعثر عليها..عندما وجدت أحدى المربيات،فسألتها:

- لو سمحت أين أجد الآنسة"فدوى"؟

أشارت المربية بيدها في الهواء إلى لا مكان..قبل أن تقول:

لقد كانت هنا..لكننى لا أدري أين ذهبت..ربما هى فى مكتب المديرة!

ربما كان من الأفضل أن تذهب إلى مكتب المديرة..لنتهى إجرائات الكفالة..لكن لم يعد هناك وقت..بالإضافة لإنها لا تعرف كيف تفاتح"كريم" بالأمر!..وشعرت"صفية"بالغيظ فقد كانت تريد أن تخبر المشرفة على الأقل..بنيتها كفالة"غادة"قبل أن تغادر..

حتى لا تظن أنها فرت مسرعة بعدما تحدثت معها..و تذكرت رأي المشرفة السيئ في البنت المسكينة..و خافت أن تلومها على مغادرة"صفية"الدار..نظرت إلى ساعتها بقلق..

لا بأس سأنتظر لأبحث عنها..ربع ساعة أخرى لن تضر!

لكنها حين قررت العودة من حيث أتت..تاهت في غمرة ارتباكها..عندما سمعت صوتاً حنوناً..يحكى قصة خيالية عن صياد اصطاد سمكة سحرية..من خلف أحد الأبواب المغلقة..

بدا لها الصوت مألوفاً على نحو ما!..و جعلها دفء الصوت تفكر في أنها ربما اخطئت الحكم على مشرفى الدار..بسبب تجنى الآنسة"فدوى"على الطفلة"غادة"..ثم عادت تلتمس لها العذر فيما قالت..فهى ليست أماً..كما أن الطفلة و الحق يقال.. تعامل الجميع بعصبية شديدة..و عدوانية بعض الشئ!

و بينما كانت تفكر في المغادرة..فُتح الباب، و أطل منه المشرف الذى كان يقرأ القصة،سأل بأدب:

- معذرة يا سيدتى..هل تكفلين طفلا هنا؟

ألقت نظرة سريعة على الحجرة ..التى كان بها عدد كبير من الأطفال الذكور..يرتدون ملابس موحدة باللون الأبيض..

- معذرة يبدو إننى ضللت الطريق ، و أنا أبحث عن الآنسة"فدوى" قالتها"صفية"فالتفت من بين الاطفال رجل لم تلاحظ وجوده..لأنه كان جالسا وسطهم ،و يرتدى مثلهم تيشرت أبيض..وقف الرجل و هو مازال يمسك فى يده كتابه الملون..و قال متفاجئا:

"صفية"!

و تجمدت"صفية"مكانها من الصدمة!

******************

قالت"صفية متفاجئة:

"كريم"!

كان الرجل الذى سمعته يقرأ القصة،هو"كريم"زوجها!..لهذا و برغم طريقته المسرحية فى القراءة،بدا صوته مألوفاً..!

"ما الذى جاء بك إلى هنا؟!"سأل الاثنين بعضهما بصوت واحد،قبل أن يسألها المشرف:

هل تعرفان بعضكما؟!

- بالطبع..إنه زوجى!

- بالطبع..إنها زوجتى!قالا العبارتين فى وقت واحد ..فبدتا كعبارة واحدة!..و ضحك ثلاثتهم فى عجب..قبل أن يمسك"كريم" بيد"صفية"و هو يعيد الكتاب للمشرف، قبل أن يصافحه:

- السلام عليكم يا استاذ"رفعت".

 ثم لوح بيده الأطفال مودعا:

- سلام يا اولاد

و ما أن قالها حتى خرج الاولاد..ليحيطوا به من كل جانب..فنزل على ركبتيه بينهم..بينما انهالوا عليه احتضانا و تقبيلا.. وهو يبتسم مستسلما!

- لا تغادر الآن!

- لماذا ستنصرف مبكرا؟!

- سأعود بإذن الله.

- انت لم تعد تزورنا كثيرا!

و انهمرت كلمات الاحتجاج..بينما المشرف يحاول تهدئتهم دون جدوى..قبل أن يصيح"كريم"و هو ما يزال جالسا على ركبتيه على الأرض:

- كفى..يكفى هذا سأعود  قريباً بإذن الله..و معى ماما"صفية"و نلعب كثيرا.

نظر الأطفال ل"صفية"التى وجدت نفسها فى قلب الدائرة التى صنعتها أجسادهم الصغيرة..عندما اقترب طفل بعمر الرابعة من"كريم"..قبل أن يطوق عنقه بذراعه الدقيقة ،و هو يسأل:

- حقا يا بابا"كريم"؟

حمله"كريم"قبل أن ينهض واقفاً.. و هو يقول:

- حقا يا أستاذ "محمد"..و سنحضر الكثير من الهدايا و الالعاب

سأل أحد الأطفال:

- و القصص الملونة؟

-و القصص الملونة!

"متى؟"سأل الأطفال بصوت واحد

يوم الجمعة القادم..هيا لنقول إن شاء الله.

هتف الأطفال بسعادة:

إن شاء الله!

يتبع..

الجائزة الكبرى الحلقة السابعة (زوجان فى الجنة)

"لما لم تخبرينى؟"سأل"كريم"زوجته..و قد تمددا فى الفراش متقابلين..

-أنت أيضا لم تخبرنى!..لكننى كنت خائفة 

ارتفع حاجبيه فى حنان مشفق..قبل أن يقول فى أسف:

-كنت أظننى قد كففت ،عن كونى مخيفا منذ مدة!

ردت"صفية"موضحة:

- لم أكن خائفة منك..بل خفت أن يضايقك هذا..ظننتك ستعتبر اقتراحاً كهذا..تعرف.. تلميحاً لموضوع الإنجاب. 

ابتسم"كريم"و قال و هو يلامس خدها بيده:

-على العكس!لقد أرحنى ما فعلتيه..لا تتصورى لأى  حد!

ذابت فى دفء لمسته..و أغمضت عينيها ..فتذكرته..و هو بين الاطفال فى الدار..و أياديهم تحوطه بحرص .كما يحفظ المرء كنزه!..بينما هو يترفق بهم..و يلاطفهم.

و تأكدت فى تلك اللحظة.. أن"كريم"هو الجائزة الكبرى التى كافئها الله بها على صبرها !..

أبتسمت..فسألها بابتسامة حانية:

- فيما هذه الأبتسامة الحلوة؟

- حقا لقد كنت هذه اللحظة أحسد نفسى عليك!..و أتمنى لو كنت قابلتك قبل عشرين عاما!لأننى أشعر الآن..أن كل يوم عشته قبل أن ألقاك ضاع من عمرى !

أطلق"كريم"تنهيدة حارة..قال:

- من يدرى؟!ربما لو حدث هذا..لكنت غيرت رأيك!و لما كنا الآن زوجين!

أستولت الحيرة على"صفية"..و سألت فى عدم تصديق:

- و كيف كان هذا سيحدث؟!

سرح"كريم"..كأنما كان يستعيد ذكرى بعيدة..قبل أن يقول فى أسف:

- كل ما هنالك هو أنك كنت ستعرفى.. أننى لا أختلف كثيراً عن عوض .. لربما كنت أسوء منه وأكثر جحوداً!

**********************

"فى  بداية زواجى ب"نهلة"لم يكن بيننا خلافات ضخمة..كانا مثل أى زوجين نتشاجر و نتصالح.."واصل"كريم"حكايته:

-  لكن حين علمنا أننا لن يكون لدينا طفل..تحول الوضع مائة وثمانين درجة!..تحولت حياتنا إلى سلسلة طويلة من المشاجرات التى لا تنتهى..لم نكن نهدأ قليلاً إلا لننام..فقط لنواصل الشجار فى اليوم التالى!

اتسعت عينى"صفية"دهشة..و هو يضيف:

- كان من الطبيعى أن نفصل فى النهاية..و أخيراً وجدت نفسى وحيداً بين أربعة جدران!

..أصابنى الإكتئاب، و كرهت البيت أكثر ما كرهته حين كانا أنا و"نهلة"نتشاجر..حتى إننى لم أعد أرغب فى العودة  إليه!..لهذا كنت أعمل لأوقات متأخرة كل يوم..حرفياً كنت أخر من يغادر الشركة..و حين كنت أعود للبيت ليلاً..لم أكن أستطيع النوم!

كم سهرت الليالى  ساخطاً على قدر الله!..أسأل نفسى لماذا أنا دون سائر الناس؟ ..أبتليت بالحرمان من الإنجاب،و بزوجة شكائة و ليس لديها وفاء  مثل"نهلة"!..حتى سمعت عرضاً آية..غيّرت حياتى!..

الأية(96)من سورة النحل"و ما عندكم ينفد و ما عند الله باق و لنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"..زلزلتنى تلك الآية،و صدعت قلبى ألماً!..وسألت نفسى عن أنعم الله التى أغدقها عليّ ..و عما فعلت حين ابتلانى!..جزعت و حرمت نفسى جزاء الصبر!

و برغم الضوء الخافت..استطاعت"صفية"أن ترى الدموع فى عينيه!..كان يبكى ندماً..على"خطأ"وقع فيه من سنوات!

مسح دمعة بيده،و هو يكمل حكايته:

- حتى"نهلة"لم تكن سيئة!..كانت بفطرتها تريد أن تصبح أماً.. بعد انفصالنا بفترة -و بينما كنا نقوم ببعض الإنشائات فى الجوار..وجدت دار الأيتام..كنت أمرّ عليها كل صباح فى طريقى لموقع العمل..و وجدت قدماى تسوقنى إليه ذات يوم..هناك شعرت بالراحة..و عرفت أن قضاء ربى كله خير..فرضيّت!

لهذا بعت منزلى السابق،وسكنت هنا!

********************************

فى صبيحة يوم الجمعة ذهبا إلى الدار..توجها مباشرة لمكتب المديرة، التى،حين علمت برغبتهما فى الكفالة..سألت"كريم"مندهشة..

- لكنك تكفل"هادى"من خمس سنوات يا باشمهندس!

- زوجتى تريد كفالة طفلة.

- لكن هذا كثير!..خاصة بعد دفع تكاليف العملية!

لم تجد "صفية" فرصة لتسال عن اى عملية تتحدث المديرة..عندما بغاتتها الأخيرة بالسؤال:

ـ و هل حددت طفلة بعينها؟

- أجل إنها طفلة تدعى"غادة عبد الله"

غمغمت المديرة فى ذهول:

- هذا  غير ممكن!هل تقصدين تلك الطفلة الصماء ؟!

ردت"صفية"بحدة:

- أجل و ما عيبها؟!

غمغمت المديرة- التى لم تلاحظ عدائيتها - بصوت خفيض كأنما تحدث نفسها:

- يالها من مصادفة غريبة!

ثم أشرق وجهها بالفهم،و هى تضيف:

- إنها نفس الطفلة يا باشمهندس.....

قاطعها"كريم"بضيق و إنزعاج..لم تدر له"صفية"سبب:

- أظن من الأفضل أن ننهى إجراءات الكفالة الآن.

"بالطبع"قالت المديرة،قبل أن تضيف:

-إنها طفلة مسكينة!منذ عامين قام أبوها بقتل أمها الحامل بالشهر الثامن..سكب عليها بنزين.. و أشعل فيها النار أمامها!..

أقشعر جلد"صفية"من هول ما سمعت..قبل أن تضيف المديرة:

- لقد جاءت إلينا محولة من دار أيتام أخرى..نظراً لحاجتها لرعاية طبية كبيرة - فى ذلك الوقت - فقد كانت مصابة بحمى شديدة..و قد أصيبت بالحمى عدة مرات خلال العامين الماضيين..و بسببها فقدت السمع تماماً.

"يال ابنتى المسكينة"تمتمت"صفية"فى أسف ..فضغط"كريم"كفها برفق مواسياً..

قالت المديرة فى تقرير:

- هى ليست مثل"هادى"..فالظروف الصعبة التى مرت بها جعلتها عدوانية..خاصة بعدما فقدت سمعها..لكن يبدو أن الحظ قد إبتسم لها..لأن زوجين مثلكما قررا رعايتها..

- حقاً إن جميلكما هذا سيغير حياة البنت..خاصة أنت يا باشمهندس .....

هز"كريم"رأسه ناهياً..و أشار بيده للمديرة التى قطعت كلامها بغتة..إلتفتت إليه"صفية"فى ريبة..فتظاهر بأنه يحاول إخراج شيئا دخل فى عينه!

**************************

أستقبل الأولاد"كريم"و"صفية"باحتفاء كبير..و قضوا اليوم كله فى لعب ومرح..لا يقطعه إلا أداء الصلاوات..و تناول طعام الغداء..لكن كل هذا لم يُنس"صفية"حديث المديرة عن "العملية"،الذى بتره"كريم"بأشارة من يده..كانت"صفية"تشتعل فضولاً لتعرف ما الخبر..لهذا ما أن رأت الآنسة"فدوى"الضاحكة..التى وقفت وسط البنات تراقب "كريم"و الأطفال و  هم يلعبون بالكرة..حتى سألتها:

-هل سيجرى أحد أطفال الدار عملية جراحية قريباً؟

ضحكت"فدوى"و قالت فى مرح..و هى تكور أنفها بحركة لطيفة:

- أجل..إنها طفلتك الشقية"غادة"..ستجرى جراحة لزراعة القوقعة..بعد شهر من الآن.

دق قلب"صفية"فى عنف..هل يعقل أن يكون"كريم"هو الذى سيدفع تكاليف تلك العملية؟!

سألت"صفية"فى لهفة:

- و هل علمت من سيدفع تكاليف الجراحة؟

ردت"فدوى"باسمة:

- كلا بالطبع..لقد اشترط المتبرع ألا يعرف أحد - بإستثناء المديرة- من هو!

**************************

عاد الزوجان إلى المنزل بعد يومهما الحافل..و ما أن صليا المغرب..حتى استلقى"كريم"على فراشه منهوك القوى..جلست"صفية"

بجواره..سألت بابتسامة مشفقة:

- متعب؟

- بل ميت من شدة التعب..المهم أننا ربحنا!

- عن أى ربح تتحدث يا حبيبى؟!لقد انتهت المباراة 3-2 لصالح فريق المشرفين!

تلاعبت إبتسامة غامضة على شفتيه..و قال دون أن يفتح عينيه:

- حقاً؟لم ألاحظ أننا خسرنا!..لا بأس!

استلقت"صفية"بجوار زوجها محاولة النوم..و برغم تعبها لم تستطع !..كانت تريد أن تتأكد إن كان"كريم"هو ذلك المتبرع المجهول

-"كريم"هل نمت؟

- أممم.....

- أريد أن أخبرك شئ.

- الآن!

- إنه خبر جيد..يا"كريم"؟!

- أممم..قوليه إذاً.

- عما قريب ستستعيد"غادة"قدرتها على السمع..فقد علمت أن متبرعاً تكفل لها بعملية...

انتفض"كريم"كأنما لدغه عقرب!واعتدل جالساً ينظر ل"صفية"بعينين حمراوين-من أثر النوم-..اعتدلت"صفية"بدورها ،و هى تسأله بقلق: - ما بك؟!

رد"كريم"ببطء:

-لا شئ..لقد تفاجأت فقط..إنه لخبر رائع فعلاً..مدهش حقاً!

- هل تعرف ذاك المتبرع؟!

أستلقى على السرير مرة أخرى ..متوسداً ذراعيه المعقودتين خلف رأسه

- كلا بالطبع..و كيف لى أن أعرفه؟!

لم تصدق"صفية"قوله-خاصة بعد رد فعله الغريب-..لهذا قالت فى شك:

- لقد ظننتك هو!

هز رأسه نافياً ،وقال فى أسف:

-يا ليت!.. ليتنى كنت أنا من سيحصل على هذا الثواب!

بدت لهجته حارة وصادقة..حتى ظنت"صفية"أنها فسرت كلام المديرة على نحو خاطئ!..خاصة أن ذلك المتبرع المزعوم..قد تبرع بأخر دفعة من المبلغ منذ ثلاثة أشهر!

قطع"كريم"أفكارها قائلاً بابتسامة :

- و بمناسة الأخبار السعيدة..لدى مفاجأة لك!

سألت فى لهفة:

- ما هى؟!

أشار إلى خده مبتسماً..قبّلت خده..فأشار إلى الخد الآخر،فقبّلته أيضاً..قبل أن يشير إلى فمه هذه المرة..فصاحت"صفية فى عجب:

- يا سلام!

- صدقينى المفاجأة تستحق!

فتح درج الكامود..و أخرج تذكرتي طيران ناولهما ل"صفية"، التى أتسعت عيناها فى ذهول..كانت  مفاجأة تستحق مليار قبلة بالفعل!

فقد كانتا تذكرتى سفر للأراضى المقدسة لإداء فريضة الحج!

"أنت مذهل"صاحت"صفية" بفرحة غامرة..قبل أن تتذكر أمر جعلها تهتم فجأة!..فقد صار ميعاد السفر دانياً..و فى نفس الوقت -حين تكون  هى و زوجها يحجان..ستجرى"غادة" العملية..و لن تكون جوارها!

- يال الخسارة!كنت أتمنى أن أطمئن بنفسى،على نتيجة عملية"ملك"!

و لم تكد تكمل عبارتها ..حتى لامت نفسها بندم شديد ..بعد أن فطنت لأنها أخطئت فى نطق اسم "غادة"و قالت اسم"ملك"أبنة شقيقة زوجها السابق!..و تمنت ألا  يستاء"كريم"..لهذا الخطأ غير المقصود منها...والذى كان سببه حبها الشديد ل"ملك"..و رغبتها فى إجراء عملية مماثلة لها..لتستطيع السمع هى الأخرى

قال"كريم"الذى لم يلاحظ زلة لسانها-لحسن الحظ-

" سيكون السفر بعد أسبوعين -بأذن الله-و سنمكث هناك  ثلاثة عشر يوما،إن شاء الله..ثم نعود..ستكون قد تبقت ثلاثة أيام ..على موعد العملية"غمغم "كريم"بصوت ناعس

أجرت"صفية"الحسبة سريعا فى ذهنها..و سرت كثيرا حين تأكدت أنه محق..و عندما ألتفت إليه لتشكره..وجدته قد غرق فى سبات عميق!..شعرت بالدهشة كيف إستطاع أن يحسب الأيام بدقة..و هو نائم هكذا!

و اتسعت عينيها في دهشة .. حين فطنت لأمر جعلها تتأكد،من أن "كريم"هو  المتبرع..إذ كيف عرف ميعاد العملية باليوم دون أن تخبره به!

"يا ليت!..ليتنى كنت أنا من سيحصل على هذا الثواب!

و ابتسمت"صفية"حين تذكرت عبارته،التى أصبح لها تفسير آخر الآن!..فبينما كان معناها الواضح،هو إنكاره القيام بالتبرع..كان معناها الثانى،أنه يتمنى أن يكون قد أجر على ما قام به من عمل!

قامت بتغطيته..قبل ان تقبل رأسه،و هي أتمنى من الله أن يجازيه خيرا بما صنع..و رفعت كفيها إلى السماء فى ضراعة:

- اللهم تقبل منه يا رب!

يتبع..

مرت الأيام بطيئة متثاقلة بالزوجين المشتاقين..حتى وجدا نفسيهما على متن الطائرة..ذاهبين لأداء مناسك الحج..و انقضت الأيام الثلاثة عشر سريعا..كحلم جميل سرعان ما استيقظا منه على يوم الرجوع!..

و لولا قلق "صفية" على عملية "غادة"..لطلبت من "كريم"أن يمكثا يومين آخرين..لستمتع بكل هذا الصفاء و النقاء..الذى لم تشعر به أبدا من قبل!

لكنها وجدت نفسها مضطرة العودة-دون إبطاء-صبيحة اليوم الرابع عشر ..حيث استرخت في مقعدها..بجوار زوجها،و قد تشابكت أصابعهما..و هى تستعيد تفاصيل رحلتهما الجميلة..و دعائها المبلل بدموعها..و هى تطوف بالحرم..و عند كل مشعر..و عندما شربا من ماء زمزم..و دعت الله وقتها ..و على جبل عرفات..أن يتقبل الله حجهما.. و يرزقهما الذرية الصالحة..و بعد  عودتهما إلى منزلهما..و توزيع الهدايا على الأقارب و الأصدقاء..ذهبا إلى دار الايتام في اليوم التالي..و وزعا على أطفال الدار الهدايا..ثم توجها في اليوم الثالث مع "غادة"إلى المستشفى التى ستجرى فيها جراحة زراعة القوقعة..حيث جلست "صفية"أمام غرفة العمليات..تقرأ القرآن و تدعو الله أن تنجح العملية.. أحضر لهما"كريم"شطيرتين و علبتى عصير ..ليأكلا شيئا- فقد خرجا دون إفطار - ابعدت "صفية" الطعام و هى تقول مشمئزة:

- لن استطيع أن أكل شيئا..معدتى  تتقلص و أ شعر أننى ساتقئ!

جلس "كريم"بجوارها،و أخذ منها المصحف ليضعه في حقيبتها..و ناولها الشطيرة،و هو يقول بنبرة هادئة :

- حوالي..أنت لم تأكلى شيئا منذ الصباح!أظنك تفضلين عصير الرمان!

ناولها علبة العصير..فسألته في دهشة:

- كيف تستطيع أن تكون هادئاً على هذا النحو؟!..ألا تظن أنهم قد تأخروا بالداخل؟!

أبتسم مطمئناً..قبل أن يفتح شطيرته،و يقضم منها قضمة

- لا.. لم يتأخروا..كل شيء يسير على ما يرام..لا تقلقى!

لاحظت "صفية"اهتزاز ساقه اليسرى..و هو يشرب العصير في رشفات سريعة متتابعة..فسألته بابتسامة متعاطفة:

- ما الأمر؟!أليس كل شيء على ما يرام؟لماذا أنت متوترا هكذا؟!

- حسنا..لنقل أننى قلق بعض الشئ!

****

 فاجئ"كريم""صفية"برغبته في الذهاب معها للطبيب ليتعالج..حتى يتمكنا من الإنجاب...سألته في دهشة:

- و ما الذى غير رأيك؟!

- حين رأيت فرحتك بنجاح عملية"غادة"..شعرت أنك لم تخلقى إلا لتكونى أماً!..ليس من الإنصاف أن احرمك من الأمومة..دون أن أحاول العلاج مرة أخرى!

كانت"صفية"تعلم أن محاولاته السابقة قد باءت بالفشل..و أن حالته لم تتحسن..حتى بعد مرور قرابة الأربعة أعوام- مع الانتظام في تلقى العلاج- لكن الأمل جعلها تتمسك باهداب هذه الفرصة..لهذا ذهبا دون إبطاء لأحدى مراكز الخصوبة و الحقن المجهري..و هناك طلبت منهما  الطبيبة، إجراء بعض الفحوص و التحاليل في المركز..فقاموا بإجرائها على الفور..

طالعت الطبيبة التحاليل الخاصة بهما..قبل أن تقول فى دهشة:

- هذه أغرب حالة أراها في حياتى!

سقط قلب "صفية" بين قدميها..و سألت في وجل:

- ماذا تعنين يا دكتورة؟!

- لقد قلتما أنكما متزوجان منذ أقل من عام..لكننى أتفّهم قلقكما..خاصة أن أحد الزوجين - و هو الزوج - ثبت أنه يعانى مشكلة فى الخصوبة..لكن الفحوص التى أجريتيها تقول..إنه لم يعد هناك حاجة لعمل حقن مجهرى!

شعرت"صفية"بسخونة مفاجأة تجتاح وجهها 

 لقد تأخرنا!لم يعد حتى الحقن المجهري مجدياً! كذا فكرت"صفية".. و تذكرت كيف بدأت تحس أعراض انقطاع الطمس..و لامت نفسها لأنها صدقت ذلك الأمل الغامض الذى تلاعب بها!

سأل"كريم"في قلق:

- لماذا يا دكتورة؟!هل هناك خطباّ ما بالتحاليل؟!

اجابته الطبيبة باسمة:

- على العكس!..كل ما هنالك هو أن السيدة"صفية"حامل بالفعل!

نظر الأثنان لبعضهما بصمت،و قد عقدت الدهشة لسانيهما..قبل أن تضيف الطبيبة:

- نتائج فحص عينتى الدم و البول تكشف عن حمل فى بدايته..و عمر الحمل- حسب تحليل الدم-أسبوع واحد!

*****

"المثير للإستغراب أنه حسبما أقررتما.. كانت الحيوانات المنوية  للزوج أقل مما قد يسمح بحدوث الحمل بصورة طبيعية..أضافة لقلة سرعتها،وضعف حركتها!..بينما تؤكد التحاليل الموجودة أمامى ..أن عدد الحيوانات المنوية أكثر من سبعين مليون !مع حركة وسرعة كافيتين لحدوث الحمل ..و دون أى تدخل!

تذكرت"صفية"ما قالته لهما الطبيبة بلهجة متعجبة..و لم تكن"صفية"بأقل منها عجب وحيرة!

قبّل"كريم"بطن كفها بينما هى تسند رأسها على صدره..سألته فى حيرة :

- ألا يحتمل أن تكون زوجتك السابقة،هى التى لا تنجب ؟!

رد"كريم"ضاحكاً:

- من؟!أم"ليلى"و"هايدى"!إنها لا تنجب بالتأكيد!كيف لم يخطر هذا ببالى؟!

أحمر وجه"صفية"خجلاً..و تذكرت أن"كريم"أخبرها..بأن طليقته قد صارت أما لطفلتين!

غمغمت فى إرتباك:

- إن ما حدث أربكنى!..تقول الطبيبة أن عمر الحمل أسبوع!..هذا يعنى أن الأمر حدث فى أول ليلة بعد عودتنا من السفر!

ربّت"كريم"على رأسها فى ود..وهو يضمها بذراعه أكثر

- لما تبحثي عن تفسير منطقى لأمر لا يخضع للمنطق البشرى؟! إنها إرادة الله ..ربما كان خير ما ينطبق على هذه المعجزة...هو قوله تعالى"إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"

نظرت له"صفية"فى إعجاب..فقد كانت تلك الأية هى أدق وصف لما غمرهما الله به من لطف!

و لم تكن تلك هى المفاجأة الوحيدة التى خبأها لهما اللطيف!..فما أن بدأت"صفية"و زوجها متابعة الحمل مع طبيبتها،حتى أرتهما  الطبيبة على شاشة الفحص توأمهما!..فقد أظهرت الأشعة التلفزيونية جنينين صحيحي الجسد!

"أنظرى إليهما..يبدوان بصحة ممتازة!"

اتسعت ابتسامة"كريم"الطفولية المندهشة..وسأل الطبيبة:

- هل استطعت تحديد ما نوعهما؟!

ردت الطبيبة ضاحكة:

- لا يمكننى التحديد الآن..مازال الوقت مبكرا!

*********************

"ولد و بنت! "قالتها" صفية"في حماس و هى تغادر العيادة مع زوجها..سألها"كريم"مبتسما فى استغراب:

- ولد و بنت!..و كيف عرفت؟!

- كلا لن أخبرك!..ستسخر منى!

و اندفعت تحكى له الرؤيا التى جعلتها توافق على الزواج منه..و أن العصفورين الملونين هما طفلاهما القادمان!

مال" كريم"على أذنها هامسا بحب:

 - هذا منطقى..إذ ماذا سينجب هذا العصفور الجميل؟سوى عصافير صغيرة و جميلة!

و عندما بلغ حمل" صفية"الشهر الرابع..أخبرتهما الطبيبة أنهما سيرزقان- بفضل الله- صبياً و فتاة!

تماماً كما قالت"صفية"!..التى نظرت لزوجها مبتسمة ابتسامة من طراز"ألم أخبرك!"

و حمدا الله على ما رزقهما

وفى تلك الفترة لم ينقطعا عن زيارة الدار..بل قررا زيارته مرة كل أسبوع مهما كانت الموانع!

و عندما كانت"صفية"في بداية شهرها السادس..وجدها

"كريم"تجرى بعض الحسابات..سألها باسما،و هو يتطلع من فوق كتفها:

- ماذا تحسبين ؟!

ردت و هى جالسة إلى طاولة السفرة ..تكتب في دفتر أمامها:

- أحسب بعض الأمور..مصاريف الولادة..و نفقة الطفلين..لدينا الكثير من المصاريف!..اعتقد أننا نحتاج لضغط بعض النفقات!

ربت على كتفها قائلا:

- أفعلى ما ترينه صواباً.

أحضر" كريم"كوبين ليصب فيهما بعض العصير..بينما "صفية" تردف:

- عندك مثلا بند مصروف البيت ..إننا ننفق الكثير على الطعام و الشراب و الملابس..

نظر لها" كريم "بدهشة ..فهو يرى أن مصاريف البيت في حدود المعقول..ناولها كوبها و هو يسأل:

- ثم؟!

قالت" صفية" كأنما تفكر بصوت مرتفع:

- لو كنت اعلم أننا سنرزق توأم ..لما فكرت في كفالة طفلة أخرى..كان يكفينا" هادى"!

لوح"كريم"باصبعه مانعا أياها من التمادى

- لا يا حبيبي..إلا هذا!

قالت بلهجة يشوبها الانفعال:

- أنا لا أقصد أن نتراجع عن الكفالة..لكن يمكننا اقتصاد بعض المصاريف! ..مثلاً الألعاب والهدايا..لن أتكلم عن الملابس فهى ضرورية..

- "صفية"!صاح فيها مندهشا..قبل أن يقول ملاطفاً..و هو يساعدها على النهوض و الجلوس على الأريكة:  

- يا"صفية"يا "صفية" يا"صفية".. ألم  تسألى نفسك ..كيف نعيش على النحو- براتبى فقط - و برغم كل نفقاتنا التى تتحدثين عنها..الخير يكفينا و يفيض!

أما سمعت يا حبيبي قول الله تعالى-في حديث قدسى -(يا ابن آدم  لا تخش ضيق الرزق،و خزائنى ملائى و خزائنى لا تنفد أبدا )!

ثم أردف:

- لكن لو أردت الاقتصاد..فقللى الإنفاق على المنزل قدر ما تشائين..لو أكلنا خبزا و ملحاً..سأكون راضيا.

ثم أضاف بحزم:

-  بشرط..ألا تنقص نفقة الدار مليم واحد! "

- و على ذكر الدار..سيقام حفلاً في الدار بعد شهر و ثمانية عشر يوما ..بمناسبة يوم اليتيم.

**************

وقفت" صفية"تمشط شعرها أمام المرآة..عندما احتضنها"كريم " من خلف ظهرها فابتسمت..قال لها"كريم"و هو يتحسس بطنها المتكور: 

- أظن من الأفضل أن أذهب وحدى هذه المرة!

- لكنك ذهبت وحدك المرة الماضية!لا اريد أن تظن" غادة"إننى قد تخليت عنها عندما رزقت بمولود..كما أن"هادى "سيغنى في الحفلة..و سيحزن كثيراً إذا لم أحضرها!

- لكن هذا كثيرعليك العمل ،و الأعمال المنزلية،و زيارة الدار.

- بالنسبة للعمل أنا أجلس على مكتب طوال الوقت..وأعمال المنزل أم"بركات تساعدنى فيها..و أنت أيضا تساعدنى!ثم إننا نعد لحضور هذا الحفل منذ مدة!

- حسناً إذا..هيا بنا كى لا نتأخر !

قالت "صفية"و هى ترتدى نقابها على عجل:

- أنا جاهزة للذهاب..أنت من تؤخرنا!

*****************

فى الدار كانت إعدادت الحفلة تجرى على قدم و ساق..و قد بدأت الدار تغص بالغرباء..فقد أقبلت جماعات من الناس على زيارة الدار..لم تكن"صفية"قد رأتهم من قبل..و بدأت تشعر بمغص شديد..فسرته بكراهيتها للزحام..

-" ما بك؟!"سألها"كريم"في قلق

- لا شئ..إننى بخير..أريد فقط أن أجلس !

أجلسها على مقعد ،من تلك الموضوعة أمام المسرح الذى بُنى من أجل الحفل..و جلس بجوارها..عندما صعدت طفلة على المسرح..و وقفت تغنى ، أغنية أطفال أيطالية شهيرة..ثم جاء"هادى"و أحتضن "صفية"و قبّلها..قبل أن يهمس فى أذن"كريم"بشئ،و أنصرف كاسف البال!

"ما به "هادى"؟!"سألت"صفية":

- لماذا هو متضايق هكذا؟!

مال على أذنها ليهمس بصوت ضاحك..و هو يومئ برأسه نحو البنت المغنية

- يقول أن تلك الفتاة على المسرح..أخذت دوره فى الغناء..و أنا ذاهب معه ،لأعرف من المسئول عن تلك الفعلة الشنعاء!

ضحكت"صفية"-برغم ألمها..حتى لا يلاحظ "كريم"..فهى لا تريده أن  يقلق ..فالأمر لا يعدو أوجاع الحمل العادية ..مجرد تحاسيس -كما قالت أمها فى الهاتف..

"أحب أن أهدى هذه الأغنية لماما"صفية"و بابا "كريم"قالها"هادى"الذى أعتلى المسرح، و معه طفلة أخرى..قبل أن يشدو بصوت عذب

 - أحن قلب فى الدنيا قلبك أنتى ياأمى..و أغلى حب فى الدنيا حبك أنتى يا أمى.

شهقت"صفية"فى إنبهار،و هو يكمل:

- ربيتى أختى.و ترد الطفلة كبرتى أخويه

و تعيشى ليا أنتى و ابويا

"غنائهما سيئ للغاية!"قالت"غادة في مشاكسة..

صاحت "صفية"فى مرح -و قد سكنت أوجاعها فجأة:

-" دودو"كيف حالك يا بنية؟

أندفعت "غادة"تحتضن"صفيةا و تقبّلها..فإصتدمت ببطنها وألمتها 

- بروية يا"دودو"لقد خبطت النونو!

قالت"غادة"و هى تتحسس بطن"صفية"بحنان:

- يا حبيبى!..هل ألمتك؟!..أنا أسفة!

ابتسمتً"صفية"فى إعجاب..فقد تغير سلوك"غادة"كثيرا-للأفضل-فى الأونة ألأخيرة!

"- ما أكبر حجم هذا النونو العملاق!..قالت"غادة فى عجب..فردت "صفية":

- هذا لأنهما توأم..ولد و بنت!

- و هل ستسمى البنت على أسمى؟!

هزت"صفية"رأسها فى عجب و هى تسأل بإبتسامة محبه:

- و هل يعقل  أن تتسمى أختين بنفس الأسم!

انتفض جسد البنت من فرط الحماسة..و برقت عينيها بفرحة طاغية ،و هى تحوط بطن"صفية بكفيها..و تتمتم بفرحه:

- أختى،و أخى!

- لقد ضربنى"هادى"!أضافت"غادة بنبرة هادئة..فقالت"صفية"لتراضيها:

- ذاك الشقى!..عندما يأتى.. سوف أشد لك أذنيه!

تطلعت "غادة"نحو"هادى"وهو يواصل الغناء..ثم سألت"صفية"بدهشة:

- هل ستضربيه بعد أن غنى لك هذه الأغنية الحلوة؟!لا داعى لذلك يا أمى..لقد سامحته!

ضمتها"صفية"فى غبطة..و أجلستها بجوارها و"هادى"يتابع:

- و كل لحظة بيبان لى عطفك ..في كلمه حلوة و دعوة حلوة

و فجأة شعرت"صفية"بألم حاد..كأنما يوشك ظهرها أن ينقسم..وبدا واضحا أنها تتعرض للإجهاض !

يتبع....

الجائزة الكبرى الحلقة الاخيرة (  اى كومثو !)

"لقد حلمت بأمى..و هى من أخبرتني أنك ستأتي اليوم!"قالتها"غادة "التى لم تلاحظ ما تعاني" صفية"من ألم..

- هى تشبهك بعض الشبه !..و كانت تحمل طفلاً يشبه القمر...

واصلت الفتاة كلامها..لكن"صفية"لم تكن تتابع ما تقول..و قد إنتابها الفزع..فالألم كان يتزايد في كل لحظة،و لم يعد بوسعها الاحتمال !

-........اسمه "أحمد"......أخى الذى أنجبته في الجنة.........أن أخبرك  أن تصبرى........و استيقظت في الصباح،  و قد ابتلت الوسادة من الدموع!

 - ما بك يا ماما؟!سألت "غادة"بدهشة حين لاحظت نشيج "صفية"و أنينها ..قالت لها "صفية"بصوت متألم:

- أبحثى عن بابا"كريم"..و اجعليه يأتى! 

تجمدت البنت مكانها من المفاجأة..سألت بفرحة:

-  هل سيخرج النونو الآن؟!

- لا!صاحت "صفية"في ذعر:

- لا يجب أن يخرج الآن..لقد تبقى بعض الوقت!فقط احضرى بابا"كريم"فوراً!

"أنت هنا؟! " سأل" هادى"بدهشة ممزوجة بالغضب..حين رأى"غادة "و هم بضربها فاختبئت وراء"صفية "و هى تهتف

 - أرأيت يا أمى؟!.. يريد أن يضربني مرة أخرى!

صاحت"صفية"في ألم:

- "هادى "!

- هى من شدت شعر"فيدرا"أولا!

اخرجت"غادة" رأسها و قالت:

- كنت أريد الغناء بدلاً منها! .. فصوتى أحلى!

ثم عاودت الإختباء!..تأوهت"صفية"فأحاط بها الطفلين المتخاصمين..و قد نسيا شجارهما مؤقتا!

- أذهبا و ناديا بابا"كريم"!قالت "صفية" و هى موشكة على الإغماء من شدة الألم.

  فجرى"هادى" ليجلب"كريم"على  الفور!..بينما وقفت"غادة "تربت على كتف"صفية"مواسية..عندما اقبل"كريم"يمشى بسرعة كأنما يجرى!..و فهم ما يحدث على االفور حين رأى" صفية"و قد انثنت على نفسها ألما!..نظر للطفلين اللذين اتسعت أعينهما رعباً..فوضع كيس الحلوى الذى كان في يده في كف"غادة"و قال آمراً :

- هيا اذهبى و ألعبى مع "هادى"وباقى الأولاد..!

لكن البنت طوقت جسد"صفية"ذراعيها،و هى تقول في عناد:

- لقد تشاجرت مع"هادى"..و لا أريد أن ألعب معه!..أريد أن أبقى مع ماما"صفية"!

صاح"كريم "في صرامة:

- قلت اذهبى يا بنت..هيا!

نظرت له الفتاة شذرا ً..نظرة تفيض بالمقت..و تركت كيس الحلوى ليسقط على الأرض..قبل أن تذهب مغضبة!

فلم يلتفت"كريم" إليها، و انحنى مسرعا ليحمل"صفية"التى فقدت الوعى، و جرى بها نحو سيارته .. قبل أن يتفاجئ ب"هادى" يجرى وراءهما..فصاح به بأعصاب منفلتة:عد يا ولد!

- أذهب و أبحث عن" غادة" و صالحها من أجل خاطرى!

****************

"كريم؟!"غمغمت"صفية"بخفوت..فتنبه"كريم"الذى كان غافياً على كرسي بجوار سريرها بالمستشفى..مسح وجهه بيده،و هو  يتمتم سائلاً:

- هل أستيقظت؟!

مسحت"صفية"على بطنها الذى صغُر حجمها قليلاً ، بكلتا يديها..و هى تسأل بذعر:

- هل الطفلين بخير؟!

قام إليها"كريم"..و هو يقول مُطمئناً:

- الحمد لله..لم يحدث شئ!

سألت"صفية"بعد أن هدأت قليلاً..و هى تشير بعينها إلى كرسيه

- هل نمت على هذا الكرسى طوال الليل؟!

- غلبتنى عيناي فغفوت قليلاً!..تريدين بعض الماء؟ سألها "كريم" وهو يصب لها بعض الماء في كوب زجاجى..أسندها و سقاها حتى ارتوت..ثم عادت لترقد و هى تسأل :

- و ماذا فعلت مع "هادى"و "غادة"؟

- لقد طمئنتهما بالهاتف،حين جاءنا إلي المستشفى..فقد كانا مرعوبين عندما فقدت الوعى..و سوف أذهب إليهما بعد العمل بإذن الله..لاطمئنتهما بنفسى..و إصلاحهما!..فقد صحت فيهما ليبتعدا-من خوفى عليك -و اظنهما مازالا غاضبين..فهما غير معتادين على هذا منى!

لم ترد"صفية"على الفور..فظن أنها نامت.،وضع كوب الماء على الكومود المعدنى..و سحب عليها الغطاء حتى ذقنها..ففوجئ بأنها مستيقظة، تبكى بصمت و قد أولت وجهها نحو الحائط..سأل"كريم"بانزعاج و هو يجذب الكرسى ويجلس عليه  بجوار سريرها..مال بجذعه نحوها..حتى شعرت بلفح أنفاسه الحارة على وجهها

- لما هذا البكاء؟!

و داعب شعرها بحنو..و هو يهمس و قد تندى صوته  بدمعة مشفقة:

- لقد طمأنتنى الطبيبة عليك!..قالت أنك بخير..و كذلك الطفلين!فقط أوصت لك ببعض الراحة، على الأقل حتى ينقضي الشهر الثامن!

كان يطمئنها،و أنفاسه الحارة المسموعة تكشف عن خوفه الذى يحاول أن يداريه !..ازداد بكائها حرارة و هى تقول:

- أنا السبب!كان يجب أن أكون أكثر حذراً!لقد حذرتنى الطبيبة

من قبل .........

وضع "كريم"إصبعه على شفتيها

- شششش..لا تجهدى نفسك بهذا الكلام  ..ما قد فات فات!

قالت "صفية"- كلما فكرت في أننا كنا سنفقدهما........... 

وضع "كريم " إصبعه على شفتيها مجددا،قائلاً بلطف:

- إن شاء الله، لن يقدر الله هذا أبداً!.. لقد أوشك الشهر الثامن على الانقضاء..لم يتبقى سوى نحو عشر أو أحدى عشر يوماً!

تنهدت"صفية"و هي تفكر في أن هذه الأيام ستمر عليهما كالقرون!

و كأنما قرأ"كريم "ما يدور بخلدها..فقد قال بايمان عجيب و هو يربت على خدها :

- سنصبر يا حبيبي..سنصبر عسى أن يجعل الله عاقبة صبرنا خيراً 

*********

استيقظت"صفية"لتجد زوجها قد ارتدى ملابسه..و وقف يسوى هندامه أمام المرآة..إستعداداً للذهاب للعمل..

- هل ستذهب للعمل وحدك؟!سألت"صفية"و هى تعتدل في الفراش..ألتفت  إليها مبتسماً..و هو يقطع المسافة بينهما في خطوتين..

"صباح الخير يا حبيبي"قالها و هو يقبّل رأسها..كيف حالك اليوم؟

"صباح النور.."قالت"صفية"قبل أن ترد:

- إننى بخير حال الآن..و يمكننى الذهاب إلى العمل ..لقد انقضى الشهر الثامن-كما تعلم-و لا ضير من بعض الحركة!

نزلت من على السرير لتدخل حمام غرفتهما..و هى تسأل:

- هل استيقظت أمى؟

- إنها لم تنم بعد أن صلينا الفجر معاً.

رد"كريم"عندما أقبلت عليه تمشى متثاقلة..قالت ببسمة ناعسة:

- أنا التى صرت أنام كثيراً هذه الأيام!

ربّت على بطنها بسرور..و هو يقول مبتسماً:

- ارتاحى قدر ما تشائين!

سألته"صفية"فى أهتمام:

- هل أفطرت؟

- الحمد لله..أعدت أمى الأفطار ..و أكلنا سوياً.

قبّل خدها..قبل أن يقول فى عجلة: 

- سأذهب إلى الشركة الآن إن شاء الله..هل تحتاجين شيئاً؟

هتفت"صفية"محتجة:

- و أنا؟!

- لقد حصلت لك على إجازة بدون مرتب لمدة عام..و إن كنت لا أري حاجة لعملك!..فلديك الآن ما يبقيك يبقيك مشغولة  !

قالها و هو يربت على بطنها المتكور.

فكرت"صفية "في المصاريف التى ستزداد بعد الولادة..و قبل أن تهم بالاعتراض..فضلت ألا تتكلم حتى لا يتضايق"كريم "..ففي النهاية مازال الوقت مبكرا على القلق..و يمكنها قطع الأجازة في أى وقت تشاء..

- و هل من الممكن أن أحصل على أجازة عام كامل؟!أقصد ألن يتضايق أحد؟!

- لا أبدا..يمكنك تقديم استقالتك حتى..و العودة متى أردت!فكونى إبن أخت صاحب الشركة يمنحنا بعض الامتيازات كما تعلمي!

******

عاد"كريم "من العمل متأخرا..و قد بدت على وجهه البهجة..

ابتسمت"صفية "حين رأته سعيدا على هذا النحو

- لقد تأخرت كثيراً! 

- لقد اتصلت لأخبرك  بأننى سأتأخر!

 وضع أكياس الفاكهة على طاولة السفرة قبل أن يقول:

- انتظرى قليلاً..سأحضر شيئاً  من السيارة!

ثم عاد و معه أكياس أخرى فيها ملابس جديدة!

- هزت"صفية"رأسها في عجب..هذا هو"كريم "لن يتغير أبدا!

- ما هذا كله؟!

- هاتان لنا..و الباقي للدار..بالمناسبة أين ماما؟

- عادت إلى البيت ..فقد اتصل بابا،و قد كان غاضباً ..حتى أنه تشاجر معى فى الهاتف!و قال أنه لا يستطيع الاستغناء عن أمى كل هذه المدة!

- معه حق! يبدو أن كل نساء العائلة يتشاركن هذه السمة! 

تضرج وجهها خجلاً ،و قد فهمت ما تبطن كلماته من غزل!

فقالت تدارى خجلها :

- لكنها وعدتني أنها ستعود!

-أتمنى!.. الحق أننى لن أطمئن عليك ،إن تركتك فى البيت وحدك..عموماً سأتصرف بأذن الله!.. الآن أغمضى عينيك!

سألت"صفية"بدهشة:

- و ماذا أيضاً بعد؟!

أغمضت عينيها كما طلب ، فقال بعد دقيقة:

أفتحى عينيك!

- ما هذا؟!نظرت إلى السلسلة الذهبية الرقيقة ألتى تدلت من بين أصابعه ..فى نهايتها ورقتى شجر..قبل أن تسأل متعجبة:

- و لماذا هذا كله؟!ألم نتفق على تقليل النفقات؟!مصاريفنا كثيرة!

- هل تسمحي؟أشار"كريم"بالسلسة..فرفعت"صفية"شعرها ليلبسها لها..و هو يقول:

- لم يعد هناك داع لذلك..فخير الله أكثر!..لقد حدث اليوم أمر مدهش!

-حتى لو نلت ترقية أو علاوة!..هذا ليس....

- ليست ترقية أو علاوة..بل شئ أكبر!

- ما الذى حدث إذاً؟..هل ورثت؟!سألته"صفية"ببسمة ..فهى تعلم أن والده -رحمه الله-لم يكن ثرياً..لم يترك له و لأخته ،سوى السمعة الطيبة,و الشقة التى سكنى العائلة..

لهذا غمرتها الدهشة،حين قال بإبتسامة:

- لن تصدقى ..لكن تقريباً هذا ما حدث !

******

-  جاءنى  اليوم زائر..قدم نفسه بإسم"نجدت طاهر  "..شاب ثلاثيني .. تركى الجنسية، مصري الأصل ..حين رأيته بدا وجهه مألوفاً على نحواً ما..كأننى رأيته من قبل!..لكننى  لا أذكر أين. .و برغم أننى لا أنسى الوجوه أبداً..قلت في نفسي ربما رأيته مع أحد عملاء شركتنا،في أحد الأماكن..و ما زاد  إقتناعى  بهذا الظن .. رغبته في التعاقد  مع شركتنا، على بناء فندق خمس نجوم ..و برغم  أن هذا ليس من مهام عملى..فلم يبد لى ثمة مشكلة في القيام بدور الوسيط - خاصة أنها ليست أول مرة..

كانت"صفية"تعلم مقدار ما يتمتع به زوجها من مصداقية لدى صاحب الشركة،و عملائها..و تعرف أن بعض العملاء يفضل التعامل،مع شركتهم بالذات ..فقط لأن"كريم"يعمل بها! 

- شرحت له بإيجاز كيف سيتم التعاقد..لكنه فاجأنى حين قال أنه يعرف الخطوات!..لكن من الواجب أن نتفق أولاً- أنا و هو -على صيغة عقد الشراكة بينه،و بين الشريك المصرى!..و حين سألته:

- و ما علاقتى بعقد شراكتكما؟!

رد بسرعة : - لأنك أنت الشريك المصرى!

و صمت برهة كأنما يستمتع  بحيرتى..قبل أن يقول بإبتسامة طفولية سعيدة:

-ألم تذكرنى بعد يا"كريم "؟!أنا"نجَوت"!

عندها فقط تذكرته!

سألت"صفية"،و قد اتسعت عينيها دهشة:

- كنت تعرفه؟!

- كان "ناجو"الشقيق الأصغر ل"سليمان"صديقي..لقد حكيت لك عنهما..لكن شكله تغير كثيرا! ..فحين سافر مع أسرته من اكثر من ثلاثين عام،كان عمره خمس سنوات!..ملامحه كلها تغيرت..حتى لون عينيه ،وشعره!

ولما كنا جميعا نناديه- فى صغره-"ناجو"كان من العسير أن أذكره!

تسألت"صفية"في نفسها عن العلاقة بين ظهور"نجدت "هذا و النقلة المالية التى يتحدث عنها"كريم "..عندما أضاف الأخير في إثارة:

 - لعلك تتساءلي و ما علاقة هذا كله بالمال الذى أتانا؟!..حسناً منذ أكثر من ثلاثين عاما..كان أبى-رحمه الله-لديه صديق..يعتبره أكثر من أخ..هو عمى"طاهر "-رحمه الله -و فى ذلك التاريخ مر عمى "طاهر"بأزمة مالية كبيرة..فاقترض من أبى مبلغ من المال يقدر بنحو خمسة و أربعين ألف جنيه..و هو مبلغ كبير بمقاييس هذا العصر!لكن ثقة أبى في صديقه و جاره جعلته يقرضه المال على الفور!..و بينما رفض أبى أن يأخذ أى ضمان من صديقه.. أصر عمى"طاهر"أن يكتب إيصال أمانة على نفسه..على أن يرد المال فى أقرب فرصة..و سافر عمى "طاهر"مع زوجته و أولاده الثلاثة"سليمان" و"سلطان"و "نجدت "إلى تركيا مسقط رأس زوجته ، و أم أولاده

- و هل عاد إبنه بعد هذه السنوات ليسدد دين والده؟!.

سألت "صفية"باستغراب..فرد"كريم"بسرعة:

- ليس الأمر كما تظنين!فحين توفي أبى لم نجد سند الدين بين أوراقه ،و لا أدر -حتى الآن- إن كان فقده أم قام باتلافه! ..لكن عمى "طاهر"حاول رد المال بعدها بعامين..لكنه حين عاد إلى مصر ..لم يجد أحداً بمنزلنا القديم بالقاهرة!..فبعد سفره ببضعة أشهر توفي أبى-رحمه الله -و بعدها بعنا شقتنا..و انتقلت برفقة أختى"ندى " و زوجها-رحمه الله-إلى الفيوم..و لم أعد إلى القاهرة إلا حين التحقت بالجامعة!

ابتسمت"صفية"و قد فهمت أخيرا،من جاء هذا الميراث المزعوم! و إن كانت لا ترى مبلغاً كهذا يستحق هذا الاحتفال المبالغ فيه!..فراتب"كريم" الشهرى يتجاوز هذا المبلغ!

لهذا قالت في كياسة:

- ربما كان غريبا أن يعيد أحدهم دين مر عليه ذلك الوقت كله..لكن ألا ترى معى أنك تبالغ قليلا في ردة فعلك!

- ليس إذا عرفت كم رد لنا"نجدت"من مال!

- كم؟! 

تجاهل"كريم"الرد على سؤالها..و واصل حكايته

- بعدما لم يجد عمى "طاهر"من يعيد إليه المال..عاد إلى تركيا التى ترك بها زوجته،و أولاده..و أفتتح مطعماً صغيراً بالمال أسماه مطعم "اى كومثو "و هي كلمة تركية معناها الجار الطيب!..و جعل أبى شريكاً برأس المال! ..و عاهد الله على رد المال،مع أرباحه لنا..أنا و"ندى" أختى..و ظل طوال هذه السنوات يبحث عنا دون جدوى!و مع الوقت صار المطعم الصغير،فندقاً فخماً من فنادق الخمس نجوم..و  ظل يحمل ذات الإسم الجار الطيب!..و حين حضرت عمى "طاهر" الوفاة جمع أبناءه الستة..و أوصاهم برد الدين!

لم تكن "صفية"تستوعب ما قاله"كريم "من فرط دهشتها..و سألت نفسها في عجب عن هذين الرجلين العجيبين!..أيهما يستحق هذا اللقب الفريد؟!الرجل الذى اقرض صديقه المسافر جل ماله دون ضمان!أم ذلك الصديق الذى ظل يحفظ جميل صديقه،و يحاول رد ماله طوال حياته ..وحتى عند موته لم ينسه!

و اختتم"كريم"حكايته قائلا:

- لم يكن أحدهم يعرف كيف سيمكنهم سدد هذا الدين..حتى لعبت الصدفة دورها!

- فقد سافر أحد أصدقائنا القدامى إلى تركيا..و نزل بفندق الجار الطيب!و هناك قابل"سليمان"..و عن طريق هذا الصديق الذى مازلت على إتصال به..عرف"سليمان"مكانى! فأرسل شقيقه الأصغر"ناجو"إلي ّ..و قد كان"سليمان"يرغب المجيء بنفسه..لكن منعه من الحضور،أن ساقه أصيبت،و هو يصطاد فى الجبال!

لكن"نجدت"حضر مكانه!..و اخبرنى أن بوسعنا أخذ المال و التصرف فيه كيفما نشاء!..لكنه رجانى  -كما أوصى أبوه-ألا نفض الشراكة بيننا..لأنه - رحمه الله - لم ير أسرع نماءاً من هذا المال  كما قال له!

سألت "صفية"و قد أكلها الفضول:

و كم يبلغ هذا المال؟!

********

"أربعة ملايين جنيه!..من كان يصدق أن تصيروا من أصحاب الملايين هكذا بين عشية وضحاها!  " هتفت  أم"صفية "متعجبة

- هذا نصيب"كريم"وحده..بالإضافة لنصيب أبلة"ندى" الاثنين مليون..يصبح المبلغ كله ،ستة ملايين!

- انظرى..هذا هو الفندق الموجود بتركيا يا أمى!قالت"صفية"بفرح و هى تشير إلى صورة الفندق بالغ الفخامة على شاشة هاتفها المحمول..قبل أن تضيف:

- و قد بدأوا بناء الفندق الآخر الذى سيكون تماما مثل هذا الفندق ..و يحمل نفس الاسم"الجار الطيب"!

داعبت أمها الخاتم الذهبي الذى أهداه لها "كريم"و هى تقول بامتنان:

- إن "كريم " يستحق كل خير!..إننى لم أرى من في مثل طيبته و كرمه!

قالت"صفية"في عجب :

- الحق إننى لم أرى مثل الناس الذين تربى"كريم"وسطهم!..من أبيه الذي لم يكن يرد سائلاً..لأخته التى لم تتزوج حتى لا تترك أبيها و أخيها وحدهما،حتى تجاوزت الثلاثين!و زوج أخته الذى لم يتزوج إلا بعد أن زوّج أخواته البنات الثلاثة!..و عندما تزوج قبّل أن يعيش"كريم"الذى توفي والده، و هو في ثلاثة عشر معهما،و من أول ليلة!..و أغربهم على الإطلاق جيرانه!..فهم لم يردوا الدين فقط!..بل أعادوه مضاعفا أكثر من ستين مرة!

أشارت"صفية"إلى صورة تجمع أربعة صبيان .. قالت و هى تشير لأصغرهم -هذا "نجدت"..الذى قابل"كريم "من يومين و هو الذى رفع الصورة على صفحته بالفيسبوك. 

سألت أمها، و هى تشير إلى الفتى الذى يحمل"نجدت "ذو الأربع سنوات على كتفيه

- و هذا الصبى الذى يكاد شعره يغطى عينيه..هل هو أخيه؟!

- بل هو"كريم" نفسه!أشارت"صفية" إلى الولدين الآخريين

- هذين"سليمان " و "سلطان "أخويه .

- ثلاث أشقاء ذكور!سألت أمها فردت"صفية"ضاحكة

- كانوا كذلك قبل أن يسافروا! أشارت "صفية"إلى صورة أخرى تجمع عددا من الشباب  و قالت:

- هذا  في الوسط"سليمان"و هذا"سلطان"و على هذا الطرف"نجدت " و"عبد الرحمن " و" خديجة"وهذا "تبارك " شقيقهم الأصغر هو الآن في الثانوية!

- بسم الله ما شاء الله!..اللهم يرزقك بأولاد مثلهم!" "

ضحكت"صفية"متعجبة:

- ستة أولاد مرة واحدة!

- ليس هذا كثيراً على الله!ردت أمها..قبل أن تضيف ضاحكة

- دمه خفيف زوجك!..لن أنسى ليلة جاء البيت يحمل هدية لأبيك،  علبة شطرنج..ابتسمت"صفية"و أمها تضيف:

- عندها قال أبوك مستنكراً "هل تظننى طفلاً و ستضحك علي بهذه اللعبة؟!فقد كان غاضباً لطول مدة غيابي عن البيت!..و بصعوبة صالحه"كريم" و تمكن من أقناعه بلعب دورين شطرنج على رهان! كانت "صفية"تعرف بأمر هذا الرهان-فقد حكى لها"كريم"القصة كلها حين عاد مصطحباً أمها!..لكنها تركت أمها تواصل حكايتها قائلة:

-و كان الرهان الذى اقترحه..أنه إذا فاز "كريم" سيأخذنى معه.. لأبقى معك حتى بعد الولادة و الأربعين!و إذا فاز أبوك سيحضرك لتمكثي فى دار أبيك حتى  تلدى و تتمى الأربعين!

كانت"صفية تعلم أن هذه الوسيلة الوحيدة لإقناع أباها..و راقها أن"كريم"استطاع بهذه الخدعة البريئة،أن يضمن وجود أمها بجوارها فى الحالتين!فقد اقتربت ساعة الولادة ،و هى تخافها كثيراً !و لا تدرى كيف ستتصرف مع الولدين بعد الولادة القيصرية!

احتضنت"صفية"كأنما تتلمس دعمها..قبلت رأسها و يديها..قبل أن تسند خدها إلى خد أمها،و هى تدعو الله في نفسها،أن يسهل ولادتها

*******

"ما هذا يا "صفية"!..هل ستظلين جالسة هكذا طوال النهار؟!"هتفت أم"صفية"بإندهاش

- الحركة جيدة للحامل خاصة في شهرها الأخير!

التفتت إليها"صفية"بدهشة:

- إننى أتحدث مع"كريم "على الهاتف يا أمى!

- أبلغيه سلامى أذن!

- ماما تسّلم عليك...لا ..لا ينقصنا شيء....قد بروية....مع السلامة.

أنهت المكالمة قبل أن تسأل أمها بابتسامة:

- ماذا كنت تقولين يا أمى؟

- كنت أقول أن الحركة ستنفعك في الولادة!

- لقد أخبرتني الطبيبة.. أن حالتى تستدعى ولادة قيصرية!

- و ماذا تفهم هى في هذه الأمور؟!لقد ولدت أخيك "محمود"بعد أن خبزت كلتين  دقيق!جاءنى الطّلق و أنا أحمل الكراونة المليئة بالخبز!

كادت "صفية"أن تخبرها أنها حين أنجبت "محمود "كانت صغيرة السن.. عمرها لا يتجاوز الثامنة عشر..و ليست في السابعة و الثلاثين مثلها!

- إن شاء الله سوف يخلف ظنها..و يرزقك ساعة سهلة!و بمناسبة الساعة..أين"كريم"؟!

- لقد ذهب إلى موقع العمل،فهو يريد أن تنتهى الأنشائات قريباً..لنتمكن من الأحتفال بعقيقة الطفلين مع أفتتاح الفندق في نفس اليوم!

- لقد أقترب آذان المغرب ..أليس صائماً؟! 

- بلى .. فاليوم يوم الخميس..لكنه  أخبرنى أنه سيأكل مع العمال فى الموقع.

- بارك الله لك فيه يا ابنتى!حتى تلك الثروة التى رزقتم بها فجأة..لم تنجح في تغيّره!قالتها أم"صفية"،و صمتت هنيهة،قبل أن تسأل في فضول:

- لابد أنه مسرور بما آتاه الله من خير!

- في البداية كان سعيداً جداً!..فهذا المال سيعين"كريم"على مزيد من الإنفاق..لكن بعد ذلك أصابه هم مفاجئ!و صار كثير الشرود!حتى أننى سألته مرة..ألم تفرح بما أنعم الله علينا؟!فقال لي بإبتسامة باهتة..بل فرحت..لكننى خفت!..أن يكون هذا هو نصيبى من الخير..قد عجّله ليا الله في حياتي!و قد كان أملى ،أن يكون ربى قد إدخر لي عنده خيراً!

"- إلى هذه الدرجة!"غمغمت أم"صفية"بلهجة تفيض بالإعجاب

- لقد كافئ الله صبرك ،وطيبتك بهذا الرجل! إنه آية في كتاب الله!

ابتسمت"صفية"مستحسنة..فهى لم تكن تمل من الحديث عن"كريم"!..قبل أن يتحول وجهها ،بمزيج من الألم،و الفزع

- ما بك يا"صفية"! سألت أمها بدهشة

- أشعر بضربات قوية في ظهرى!

-هل هى متقارية؟! 

- متباعدة!..ثم أضافت بلجهة أهدئ ..لقد أقتربت الولادة!لهذا صارت هذه الأمور تحدث لى كل بضعة أيام!

لكنها شعرت بتقلصات مفاجئة في بطنها!.جعلتها تهتف و هى تمسك بيد والدتها:

-اتصلي ب"كريم "يا أمى!..يبدو أنني ألد هذه المرة!

************

"حمدا لله على سلامتك"قالتها"ندى"شقيقة"كريم"بابتسامة وديعة..ردت"صفية"بصوت لا يكاد يسمع

- الله يسلمك .

- الله يسلمك يا دكتورة..افرحك الله بحمل خلف"آدم".هتفت أم "صفية"التى كانت تحمل أحد الوالدين بفرحة طاغية

- اللهم آمين.

قالت أم"صفيةتحدث"ندى"..و هى تناول الولد لأمه لترضعه..

- كانت الطبيبة تقول أنها ستلد بعملية قيصرية!! لكنها و بعد ساعة واحدة من وصولنا المستشفى.. ولدت طبيعي دون حتى حقنة طلق!

- الحمد لله!تناولت"ندى"الرضيعة من الممرضة التى قالت بابتسامة مشرقة:

- مبارك عليكم!..هل اخترتم أسماء المواليد من أجل شهادات الميلاد؟

- ردت أم"صفية":

- سنتفق على الأسماء حين يعود ابوهما.

قالت "صفية"التى تذكرت حلم"غادة"الذى حكته لها..حين كانت في الدار أخر مرة:

- سنسمى الولد"احمد"!

-  و البنت ماذا ستسميها؟

-لا أعرف! قالت"صفية"في حيرة ثم سألت أمها:

- ألم يكن من الأفضل أن نتفق على الأسماء قبل الولادة؟!

- لكن هذا فأل سيئ !

قالت الممرضة:

-حسنا..حين تتفقوا على أسم ..يمكن للأب الذهاب لتحرير الشهادات!

"- "دعاء"..لقد أخترت أسم"دعاء"!"قالها"كريم"الذى عاد بعد أن سدد مصاريف المستشفى..و  هو يداعب اصابع صغيرته

- ألم تجد غير هذا الاسم القديم؟!سألت أم "صفية"مندهشة..رد"كريم":

- لقد دعوت الله دعوة و أنا في بيته الحرام..أن يرزقنا الله ولدا أو بنتا،فرزقنا الإثنين !

-"دعاء كريم"جربت"صفية" الإسم فوجدت رنينه مقبولا!

- الحمد لله الذى رزقنا"أحمد"و "دعاء" يا أبا"دعاء"!


تمت 

قصص تليجرام